تفاهمات روسية أميركية في ظل التجاذبات الحارة - مقدمة النشرة - ناصر قنديل

العالم مشدود لإشارات متناقضة بين التوتر  الروسي الأميركي من جهة وإشارات التسويات وبشاءها التي لا تتم دون تفاهمات روسية أميركية من جهة أخرى ، فللمرة الأولى منذ  اللقاءات التي شهدها فندق مفنمبيك  اليمني في صنعاء نهاية العام الماضي ، والتي جمعت الحوثيين بمكونات سياسية يمنية تمثل الفريق الحليف للسعودية ، وللمرة الأولى بالتأكيد منذ الحرب  التي  شنتها السعودية لشطب الحوثيين من المعادلة اليمنية ، سينعقد الأربعاء القادم اللقاء التفاوضي الإفتتاحي الرسمي والعلني الذي يضم التيار الحوثي من جهة وحكومة خالد بحاح  المدعومة من السعودية  من جهة مقابلة ، و ذلك  بعدما حدثت  تطورات  بارزة ، اهمها سقوط الوهم السعودي بمحاولة التمدد في الجغرافيا اليمنية ، وقد تكفل هذا التمدد في بداياته بإغراء السعوديين بالتوسع  لتحقيق نصر حاسم ، لتحمل الأيام التالية لهم الأخبار السيئة  وبدء حرب الإستنزاف التي  تلاقت مع  السعي السعودي بضوء النصيحة الأميركية بإستغلال  الشهرين الفاصلين عن نتائج الإنتخابات التركية لصناعة حل  في اليمن  قبل أن ترخج تركيا من المشهد الإقليمي و تنكفئ نحو الداخل بضوء توازنات سلبية بين الأطراف  ستحملها النتائج الإنتخابية ، هنا برز نجاح الديبلوماسية العمانية بتدوير الزوايا بصورة تسمح  بالوصول لإتفاق "رابح – رابح" عبر إعتماد القرار الدولي 2216 أساس للتفاوض السياسي وهو القرار  الذي يشكل إعتماده حفظا  لماء الوجه السعودي ، ووضع آليات تطبيقية له تجعله متوائما مع الروزنامة التي  يطرحها الحوثيون للحل السياسي ، عبر ربط تسليم المدن للجيش بإعادة هيكلته وتوحيده وتعيين قيادة موحدة متفق  عليها لوحداته ، وربط التعامل  مع الشرعية اليمنية بولادة حكومة وحدة وطنية  تمثل جميع الأطراف .

الحل اليمني الذي لا يزال  يسير جنبا إلى جنب  مع التصعيد العسكري ، لا يختلف  عما  يجري  من تطورات إيجابية في المواقف الأوروبية  من سوريا بالتزامن مع تصاعد  القتال في  عديد من الجبهات ، وكذلك  على المقلب الأوكراني  حيث الإستعداد لقمة مينسك القادمة لدول النورماندي  لم  يحل  دون صدور المواقف المتشنجة  من أطراف النزاع

فيما يبدو ان التجاذب  الروسي الأميركي الذي  بلغت حدته حرارة عالية  خلال يومين ، لكن تسير الأمور كأن  كل شيئ مضبوطا هذه المرة ، حيث تسير بالتوازي مجموعة ملفات متفجرة وساخنة نحو البرود  ليحتل التجاذب الروسي الأميركي حول الوجود والدور العسكري في سوريا الواجهة ، ويقدم الغطاء لإنجازات يحتاجها الفريقان ، فعلى المقلب الأميركي  تمكن فريق الرئيس باراك اوباما في ظلال  هذا التجاذب من تأمين تصويت عدد من أعضاء  مجلسي النواب  والشيوخ إلى جانب التفاهم النووي  مع إيران ، متجاوزين  العدد الذي  كان يحتاجه الرئيس أوباما لممارسة القدرة  على  تمرير التفاهم في ظل معارضة أغلبية الكونغرس له ، ولا تخفي وسائل الإعلام الأميركية المتابعة أن التجاذب مع  روسيا خلق مناخا من المسؤولية القومية لبلد يشبه ما هو فيه حال حرب  تبرر للنواب  ان يتضامنوا  مع رئيسهم منعا لتحويل مواقفهم الإعتراضية إلى توهين لمتانة الموقف الداخلي لبلدهم .

أوروبيا حدث التحول الأهم في الموقف من الأزمة السورية مع صدور الموقف البريطاني الجديد ، فعندما يعلن وزير خارجية بريطانيا تغييرا بحجم أن بقاء الرئيس السوري من مقتضيات نجاح المرحلة الإنتقالية ، فهو يعلن بلسان أميركا ايضا إتفاقا وتفاهما طال إنتظاره مع روسيا يحسم الجدال  حول تفسير مفهوم  المرحلة الإنتقالية في بيان جنيف الأساسي ، وبالتالي حسما لجدول أعمال  جنيف الثالث الذي سيصير سهلا أن يتم تحت عنوان توحيد الجهود في قلب المؤسسات الدستورية السورية لضمان نجاح الجهود في الحرب على الإرهاب .

بينما يتواصل التجاذب الروسي الأميركي حول الدور والحضور العسكري  الروسي في سوريا ستحدث تطورات كثيرة يتوجها التغيير التركي ، يكون الملفان اليمني والأوكراني في طريق الحلول السياسية ليبدأ مسار التحول في سوريا ... من القاهرة هذه المرة ربما وليس من الرياض ، وسيتبلور  حلف  دولي إقليمي لمواجهة الإرهاب  بالشراكة مع الدولة السورية  نواته  روسيا ومصر ومن خلف سوريا حلفاؤها في إيران والعراق  والمقاومة .

هو الإستعداد لدخول ربع الساعة الأخير ، تتقلب فيه الأوراق  وتخلط ويعاد توزيعها وخلطها مجددا ، مرارا  ، حتى يتبلور المشهد النهائي للتوازنات ، ليبدأ مسار ترسيم التسويات .

2015-09-12 | عدد القراءات 2206