يبدو أن موسكو حسمت أمرها وقررت الانخراط في الحرب على الأرض السورية وبالرغم من أنه لم يكد يمر يوم من يوميات الأزمة السورية وتطوراتها المتسارعة دون تسريبات في عالم السياسة والأمن والعسكر عن حضور دور روسي فاعل على الساحة السورية , دور لا تخفيه موسكو ولا تتنكر له , إلا أنها فضلت أن تلعبه وفق ما تقتديه الحاجة بعيداً عن الانجرار لحجم البروباغندا التي حاول أعداء سورية تسويقها عن عجز روسي إزاء فعل ما يتناسب وحجم المعركة على الأرض السورية , أو الانسياق لتبييض صفحةٍ بوجه عتب بعض الأصدقاء والمتحمسين لدور روسي فاعل وسريع يوقف غطرسة الأميركي وتدخله المباشر في المشهد السوري , ويوقف باعتقادهم نزيف السوري ويجبر الأطراف التي تدور في الفلك الأميركي من الجلوس على طاولة التفاوض مرغمة.
طوال خمس سنوات من عمر الأزمة السورية لعبت موسكو دوراً بارزاً في توضيح وكشف ماهية الأزمة السورية وأبعادها الحقيقية وتفكيك ألغازها وطلاسمها , التي ربما كانت ملتبسة الفهم لدى السواد الأعظم من الشعوب والساسة حول العالم , بما فيهم قادة دول وأحزاب عدة لعب فيها منظرو وقادة الحرب على سورية دوراً في إخفاء الجوانب الحقيقة وراء ما يجري وتغليفها بقشور براقة من الديمقراطية وحقوق الإنسان وإرادة الشعوب المظلومة بوجه سيف سلطة ظالمة , وإذ بالضحية تجرد سيفها بوجه من وقف بطريقها من أصدقائها ومناصريها قبل خصومها.
الحديث المتسارع خلال الأيام الماضية عن دور عسكري روسي في سورية وبين نفي لما هو مبالغ به وتأكيد لما هو منطقي يحمل بوادر رؤية مختلفة للأزمة في سورية , ودعم دمشق في حربها على الإرهاب بالحديث عن مناورات جوية بحرية روسية على السواحل السورية , بالتزامن مع الحديث عن صفقة أسلحة صاروخية مضادة للطائرات وصلت إلى سورية وهو ما رفع مستوى القلق الأميركي إلى أعلى مستوياته لدرجة فاقت حدود القلق الذي وصلت عدواه أوباما من صديقه الحميم بان كي مون , ما دفعه للتكهن والتنبؤ بفشل الخطوة .
تقييم قد يفرض على دوائر صنع القرار في موسكو الوقوف عنده والأخذ به وكأنها تنتظر الرؤية الأميركية !! أو أنها توقعت ترحيباً من البيت الأبيض !! الذي سرعان ما حذر من أن المناورات قد تخلق فرصة لمواجهة قوات التحالف , وكأن الهواء والماء والأرض السورية حكرٌ على واشنطن وحلفاؤها , وتمتلك حصرية التحليق فوقها , وفات مبعوث أوباما للتحالف ضد داعش الجنرال المتقاعد جون آلن بأن تحالف بلاده غير شرعي وبأن رئيسه وحلفاءه الذين يخوضون حروباً باسم الشرعية لإعادة رئيس فار من بلاده في اليمن , ويدمرون بلداً ويقتلون شعباً لن يحصلوا على تفويض بشن غارات على سورية , وطالما أن هدف التحالف استهداف تنظيم "داعش" كما يروج له فالمناورات تندرج ضمن السياق ذاته فلماذا المواجهة إلا إذا كان للتحالف أهداف أخرى تشكل المناورات خطراً عليها قد يدفع للمواجهة.
يقال أن "التاريخ يعيد نفسه" لكن يبدو أن للتواريخ والأشهر وعلم الفلك والأبراج سحر في الذاكرة الأميركية الشيء الكثير , فأيلول الذي شهد أكبر بروباغندا لحروب واشنطن المزهوة بغرورها من بوابة الإرهاب , ذاته أيلول الذي هدد أوباما سورية بحروب وغزوات أميركية لإعادتها إلى جادة الصواب قبل أن تنفس موسكو غرور أوباما , ليعود أدراجه غانماً سلاحاً كيمائياً سوري , جنّب سورية ويلات حرب هي في غنىً عنها , وها هو أيلول يحمل تصعيداً أميركياً , فهل تجرؤ واشنطن على المواجهة ؟ في ظل الوجود الروسي في المياه الدافئة !! أم ستدفع ظروف المواجهة لفرض حلول سلمية على الطاولة ؟؟ من بوابه الرغبات والإمكانيات وضيق ذات اليد , بما يطلق المسارات الحقيقية لعملية سياسية سورية من بوابة التفاهمات الدولية والإقليمية.
تحالف وتنسيق روسي سوري عالي المستوى فهل يجرؤ الأميركي على ضربه.
2015-09-13 | عدد القراءات 2692