ما أن أعلن السيد الأميركي موقفه بالتراجع عن مطلبه بتنحي الرئيس الأسد عن السلطة , حتى توالت التصريحات الغربية بالدوران في فلك تصريحات واشنطن ومن جملتها , حديث وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس حين اعتبر في مقابلة مع صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية " بأن المطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد ليست واقعية , وأن الحل الدبلوماسي سيتطلب إنشاء حكومة وحدة وطنية تضم عناصر من حكومة الأسد، لتجنب تكرار الانهيار الذي حدث في العراق".
لم يشأ فابيوس الاستفاضة في الحديث وشرح المعطيات التي دفعت باريس لتعتبر نظرتها للمشهد السياسي السوري ومطالبها خلال السنوات الماضية بغير الواقعية خلال السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية , رغم تعاقب رئيسين على قصر الإليزيه ووزيري خارجية اتفقوا على الموقف ذاته حيال موقع الرئاسة السورية , وطالبو مراراً وتكراراً بسحب الشرعية من الرئيس بشار الأسد كأساس لأي توافق دولي حيال سورية لتعود فرنسا فجأة غبر تصريحات فابيوس كأم حنون تخشى أن تلقى سورية مصير شقيقتها العراق.
لم يكن الموقف الأخير لفابيوس أول الانعطافات الفرنسية حيال الأزمة السورية والتي بدأت مع إعلان باريس المشاركة في التحالف الأميركي ضد "داعش" بعدما عارضته لشهور من منطلق أن محاربة التنظيم وحده ستنعكس إيجابا لصالح الرئيس الأسد ما يطيل أمد الأزمة بحسب رؤية فرنسا وبالتالي فإن مشاركتها تأتي إما بضغط أميركي أو بتغير نظرتها حول الرئيس الأسد وفي الأمرين تبدو تبعية باريس لواشنطن واضحة.
سبقت النمسا وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا باريس بإعلان موقفها بالتنازل عن مطلب تنحي الرئيس الأسد وفشلت إثارة قضية اللاجئين بخلق المبررات المنطقية للانعطاف في المواقف الأوروبية خاصة وأن فرنسا وبريطانيا أقل المتضررين من تدفق اللاجئين والمتزعمتين لحملة المطالبة بالتنحي وإسقاط النظام برمته ، ولقراءة الأسباب الحقيقية وراء التحول فلا بد من العودة لمحرك السياسات الأوروبية في واشنطن الذي أكد بأن بلاده تتفق مع موسكو بشأن مفاتيح الحل في سوريا وتؤمن بضرورة فتح حوار فوري مع موسكو بهذا الشأن , موقف بدا متقدماً بعد الكشف الروسي عن رفع مستوى التعاون العسكري مع سورية والتقارير عن رغبة روسيا بالدخول على خط المواجهة المباشرة مع تنظيم داعش , ما دفع واشنطن بحسب توصيف مجلة دير شبيغل الألمانية لتعيد النظر في سياستها وتفعل ما كان من المستحيل تخيله قبل أسابيع قليلة بالاتفاق مع روسيا على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري خشية التنازل عن مواقفها أمام استلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زمام الأمور من واشنطن في تسوية الأزمة السورية خلال الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
الدخول الروسي على خط المواجهة أعاد ترتيب الأولويات وبات بقاء الرئيس بشار الأسد ضرورة لضمان مستقبل سورية ودفعت بالأمين العام للأمم المتحدة للسير في مقترح المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا بتشكيل اللجان الأربعة والمتعلقة بالسلامة والحماية والقضايا السياسية والقانونية والشؤون العسكرية ومكافحة الإرهاب ومجموعة الخدمات العامة وإعادة الإعمار.
تدرك الأطراف الدولية بأن المشروع الروسي للحرب على الإرهاب بات في طور التنفيذ الفعلي مع الشركاء الحقيقيين ما يعني رفع الغطاء عن الدور الأميركي وسحب زمام المبادرة من يد واشنطن بعد فشل تحالفها عن أي دور فاعل على الأرض السورية.
كرّت سبحة التصريحات , وتقاطر المسؤولون الأوروبيون لتقديم أوراق اعتماد بلادهم في الصفوف الأمامية لخطاب الكرملين الجديد , فلا وقت لإضاعته في المهاترات والكلام عديم الفائدة ولا مجال لسقوط أي ورقة على الأرض , وحدها السعودية وأنقرة غائبتان عن المشهد أو ربما مغيبتان فهل من منقذ..؟
2015-09-23 | عدد القراءات 2463