بعيداً عن التهديد والوعيد وبيانات الاستنكار والتنديد التي لا تقدم ولا تؤخر في عالم السياسة والعلاقات الدولية ومجريات الأحداث في القضايا الهامشية الطارئة ،فكيف إذا كانت بحجم مواجهة مصيرية كتلك التي تدور على الأرض السورية والتي يترتب على نتائجها مصير دول وأنظمة وأسواق عالمية وترسم ملامح حراك سياسي واقتصادي وتحالفات لعقود من الزمن ،وهو ما يفرض على اللاعبين استنفار كل طاقتهم وزجها في المواجهة التي بدا أنها لم تعد تحتمل القسمة على اثنين خاصة بعد الدخول الروسي المباشر على خط المواجهة وهو ما حذا بصانعي القرار السياسي للاستثمار بالكلام المفيد على الأرض بعيداُ عن أجواء الإٌعلام ومتعة الاستعراض الكلامي.
أربكت الغارات الروسية خصوم دمشق والمخططين للحرب عليها وأعادت ترتيب حساباتهم فنسفت الغارات الروسية خطط الحرب التي أعلونها على تنظيم "داعش" بسنواتها العشرة ، والتي توحي بأن واشنطن وحلفائها تنفذ جراحات تنظيرية غاية في الدقة تستهدف التنظيم لضمان القضاء عليه ،وأظهرت بأن ما تقوم به غارات التحالف لا تتعدى مداعبة التنظيم الإرهابي وتقليم لأظافره في أفضل الحالات.
بعد عام من الغارات الأميركية على تنظيم "داعش" لم تطال مدينة الرقة معقل التنظيم الرئيسي في سورية بانتظار الغارات الروسية ،والتي دفعت بواشنطن للإعلان عن تحضير خطط لاستهداف الرقة بحسب ما سربته صحيفة "النيويورك تايمز" عن خطة أميركية بدعم القوات المعارضة للضغط على الرقة ،وهو ما يطرح تساؤلات عدة عن سر الانتظار الأميركي في هكذا خطط خاصة وأن وحدات الحماية الكردية والتي تشكل العصب الأساسي في خطة أوباما المزعومة منذ أشهر على مشارف الرقة ،فلماذا انتظار الغارات الجوية الروسية لإطلاقها ،وهل يحتاج ضرب التنظيم في الرقة إلى أشهر من التخطيط فيما طائرات التحالف تجوب أجواء الرقة ،فما الذي يمنعها من استهداف مقرات قيادة التنظيم لتطلق موجة هجرة الدواعش باتجاه الأراضي التركية كما فعل الروس.
ربما ما أقلق البنتاغون وأخر خطط المواجهة كثافة سيارات الجيب والبيك أب من طراز "تويوتا" لدى التنظيم ،والتي دفعت مسؤولو مكافحة الإرهاب الأمريكيون ،للطلب من شركة "تويوتا" المساعدة في الكشف عن المصدر الذي يحصل منه التنظيم "داعش" على تلك السيارات ،وقد غاب عن ذاكرة مكافحي الإرهاب الأميركي بأن مبيعات شركة تويوتا- تركيا حققت قفزة خلال العام الماضي في الصادرات لتحقق أعلى نسبة صادرات بحسب بيانات رابطة صناعة السيارات التركية ،وارتفعت مبيعاتها بمعدل 3.7% خلال الشهر الأول من العام الحالي ،ومما غاب عن ذاكرة واشنطن بأن السعودية تحتل المركز الثالث في قائمة مستوردي السيارات الكورية بعد أميركا وروسيا.
الدخول الروسي المباشر في المنطقة والذي يشكل بداية انهيار الاحتكار الأميركي للقوة ويرسم خطوط إعادة التوازن للسياسة العالمية ،وكما أنعشت الغارات الروسية الآمال بقرب الانفراجات في المشهد السوري فإنها فعلت فعلها في الشارع الفلسطيني ،الذي يواجه حرباً مفتوحة مع عدو قرأ في ظروف المنطقة فرصة مواتية للسير في مشروعه حيال الأقصى ،قبل أن تفاجأه الغارات كما فاجأت رعاته في واشنطن ،وهو ما تلقفه الشارع الفلسطيني ليشعل انتفاضته الثالثة بعد أن غسل يديه من كل القوى السياسية والفصائل الفلسطينية ،متسلحاً بسلاحه التقليدي الحجر وزاد عليه هذه المرة السلاح الأبيض يطعن بها صدور جلاد تمرس إذلاله في السجون وعلى الحواجز الأمنية ،وزادت أقبية مقرات السلطة في طنبور المعاناة الفلسطينية نغماً ،ولتكون السكاكين الحل الوحيد المتاح في أيدي شبان وشابات فلسطيني في الضفة والقدس ونابلس والبيرة ، تواجه جنود العدو ومستوطنيه والتنسيق الأمني لسلطة محمود عباس الموظف في شركة الدول المانحة.سكاكين دفعت بالعدو للإعلان عن استخدام قريب لطائرات من دون طيار في الضفة الغربية لمواجهة انتفاضة السكاكين والحجارة والتي لم يستخدمها يوم تساقطت القذائف والصواريخ على مستوطناته إبان العدوان على قطاع غزة.
كما مزقت الغارات الروسية أوراق واشنطن في سورية ها هي تلهب صدور الفلسطينيين لإطلاق انتفاضة تمزق التفاهمات وتطعن صدر اتفاق أوسلو .
2015-10-07 | عدد القراءات 2279