ثلاثة حروب تورطت بها مملكة آل سعود وزادت من إشعال جبهاتها في مسعى لكسب رهانات تعيدها إلى مسرح الأحداث والتوافقات السياسية والمكانة الإقليمية الرائدة التي خسرتها بفشلها بإسقاط التفاهم النووي الإيراني.
أعنف تلك الحروب وأكثرها قوة تلك التي تدور على الساحة السورية , ففي الوقت الذي تسير فيه مجريات الأمور في السياسة والميدان صوب الحسم وحلحلة العقد تصر الرياض على صب النار على الزيت , ووضع العصي في عجلات التسويات وما تزال تراهن على حجز مكان في التسوية بإظهار قدرتها على خلط الأوراق.
في السياسة يواصل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حملة سياسية دولية لحشد التأييد لمواقف المملكة , فمن باريس أعلن بأن موقف المملكة ازاء ما يجري في سوريا لم ولن يتغير , وأنها تحاول إقناع الروس بأن أي حل سياسي في سوريا يجب أن يتضمن رحيل الرئيس بشار الأسد , وهو ما يكشف قصر الرؤية السياسية السعودية والتي تقيس السياسات ببراميل النفط والغاز , فتعرض على موسكو صفقات تجارية ومالية للتخلي عن دمشق لا تعادل تكلفة صواريخ قزوين التي أصابت على الأرض السورية تنظيمات محسوبة على المملكة , فيما رسائل قزوين السياسية لم تصل الرياض بعد لصعوبة إدراك آل سعود عمقها ولامتناع الأميركي الموجِّه الرئيسي لتحركات المملكة عن التفسير ، فشلُ الجبير بشراء موقف روسي دفعه للتوجه صوب باريس ونجح بالحصول على تقارب بوجهات النظر مقابل 11 مليار دولار دفعتها المملكة كصفقات مع باريس فيما أوعز لأحد أذرعها الإرهابية على الأرض والمسمى جيش الإسلام باستهداف السفارة الروسية بالقذائف في خطوة سبق أن دفعت ثمنها غالياً في السياسة , بإعلان الخارجية المباشر أن الاستهداف سعودي وعلى الأرض غارات دكت معاقل زهران علوش في الغوطة الشرقية وها هو المشهد يتكرر بعملية عسكرية واسعة النطاق في ريف دمشق تستهدف مواقع النصرة وجيش الإسلام.
مضي الرياض في حربها ضد سوريا نحو المزيد من التصعيد تعبير عن أزمتها التي ضاعف التنسيق الروسي الإيراني من خسائر خفض أسعار النفط , فبمجرد استهداف التنظيمات التي ترعاها الرياض وواشنطن هذا يعني المزيد من الاستنزاف للسعودية في الساحتين السورية والعراقية, والذي ترفض الرياض التسليم لموسكو بدور يخرجها من الورطة السورية لإدراكها بأن مد اليد لموسكو تسليم بالخسارة يتطلب اعترافاً بفشل لا تتحمله العقلية السعودية.
في اليمن تخوض السعودية معركتها ضد الشعب اليمني دفاعاً عن الرئيس منصور عبد ربه هادي والتي لم تستطع إعادته إلى الأراضي اليمنية حتى الآن بعد أشهر من الغارات فبين الحزم وإعادة الأمل تغرق السعودية وتغرق معها الإمارات التي تدفع الثمن من دماء جنودها فيما الصواريخ تنهال على أراضي المملكة وقواعدها العسكرية دون أن تفكر جدياً بالعمل لإخراج نفسها من المأزق اليمني وجل ما تسعى إلية إثبات دخول إيران المشهد اليمني وتتعامل على قاعدة الساعي لإخراج القشة من عين أخيه متجاهلاً الخشبة في عينه وهو ما يطرح تساؤلات عن خطة المملكة بعد إثبات الدور الإيراني في اليمن هل تنهي حربها وتعلن النصر ..؟ أم ستوجه طيرانها صوب طهران لإعادة الشرعية لرئيسها الفار؟!.
في غمرة التورط السعودي في الدم العربي وقمة الغرق في المستنقعات الإقليمية فضحت كارثة التدافع في منى هشاشة النظام السعودي وصفاقة تعاطيه مع حرمة الدم المسلم الذي من المفترض أن تكون أول الحريصين عليه , فالمملكة القائمة على شعار رعاية الإسلام والمسلمين والتي تلعب دور الأخ المسلم الأكبر واسع الصدر والرأفة , بدت عاجزة في التعامل مع هول الكارثة وبدلاً من الاعتراف بالتقصير ومحاسبة المسؤولين التنفيذيين عن الحادث حملت الضحايا في الساعات الأولى المسؤولية عن موتهم ثم ما لبثت أن رفضت أي دور إسلامي في التحقيق وتعاملت مع شهداء الحرم كالأضاحي واكتفت بالإعلان عن دفع تعويضات لذويهم وتخصيص قبر منفرد لكل شهيد.
التعاطي الساذج للملكة مع الكارثة رفع الصوت عالياً في المنابر الإسلامية لنزع حصرية تنظيم أمور الحج من آل سعود كونه أمر يتعلق بعموم المسلمين وليس حكراً بالمملكة لضمان أكبر قدر من الحماية لأرواح الحجاج وهو ما رفضته المملكة على لسان أعلى هرم السلطة الملك سلمان الزهايمري ليفتح جبهة مواجهة جديدة , يبدو أن المملكة تسير فيها حتى النهاية ولعل ما صدر عن تركي الفيصل بأن الرياض تعتبر تنظيم الحج مسألة سيادة وشرف وخدمة ، مضيفا أن "شعب مكة أفضل من يعرف أرضها" وهو ما يعني أن وقوع الكارثة ناجم إما عن جهل أهل مكة بشعابها أو أن القائمين على العمل ليسوا من أهل مكة.
ثلاثة حروب تثقل كاهل مملكة آل السعود المثقل بالخسائر المادية جراء خفض أسعار النفط وسياسياً بالتوقيع على الاتفاق النووي الإيراني ورغم الخسائر تبدو أن الرياض أعلنتها حروب اللاعودة السعودية.
2015-10-14 | عدد القراءات 2328