مبكراً حل صمت حزب الحرية والعدالة الانتخابي فقبل عشرة أيام بالتمام والكمال من موعده الذي اخترقه أكثر من مرة في انتخابات حزيران يضطر زعيمه لتعليق كل ما يتصل بالأنشطة الانتخابية ليتفرغ لما يعتبره خطر وجودي ، فما تحمله التطورات الإقليمية الأخيرة والتي تلت الجولة الأولى من الانتخابات لا تقل خطورة عن نتائج الجولة الثانية التي تشير استطلاعات الرأي لما هو أسوء من نتائج حزيران.
أربعة أشهر عاصفات مرت على تركيا أردوغان حملت من التحديات ما لم تواجهه خلال سنوات حكم الإخوان المسلمين الثلاثة عشر الماضية ،فلم يكد سلطان العثمانية الجديدة رجب طيب أردوغان يتمالك توازنه مما أفرزته الانتخابات البرلمانية ، والتي وضعت التمثيل الشعبي في سياقه الحقيقي ،وأوقفت سرقة الإخوان للتمثيل الكردي بإدخال حزب الشعوب الديمقراطي الندوة البرلمانية ، حتى عاجله توقيع الاتفاق النووي الإيراني وما رافقه من تطورات على الساحة الإقليمية , حولت طهران إلى محج للدبلوماسية الغربية ،وقبلة الاقتصاد الغربي وبات الحديث عن الصفقات في العلن ولم تعد تنفع سياسات أردوغان في التعامل مع طهران ،وفق مبدأ لا صداقة ولا عداوة معلنتين , فتارة يسارع لكسب ود طهران في مسعى للحفاظ على ما تبقى من نظرية الصفر عداوات ،سرعان ما يتنكر لمواقفه خشية الغضب الأميركي والسعودي ،وهو ما بات مكشوفاً أمام القيادة الإيرانية التي طالبته بموقف واضح ،فعاد لمربعه الأول في الحلف السعودي الأميركي مفضلاً البقاء كرأس حربة أميركية قاطعاً شعرة معاوية في التقارب مع طهران بالإصرار على تحميلها مسؤولية ما يجري في سورية ،ودفاعه المستميت عن آل سعود في كارثة منى .
شكلت الغارات الروسية على التنظيمات الإرهابية في سورية تطوراً خطيراً في مسار السياسة التركية ،فأسقطت أحلام آردوغان في إنشاء المنطقة العازلة في الداخل السوري ،وعلى الأرض بدت أول نتائج الغارات بإخلاء جيش الفتح” و”الحزب الإسلامي التركستاني” مقارهم في محافظة إدلب لتبدو تركيا أول الخاسرين في الجبهة الشمالية ،ولم يمنع صراخ أحمد داود أوغلو وتهديداته لموسكو من دخول طيرانها الأجواء التركية دون أن يحرك ساكناً بحقها.
ومع سعي واشنطن للخروج بموقف يحفظ ماء وجهها بعد إظهار نواياها وراء تشكيل تحالفها لمواجهة تنظيم داعش لم تجد حرجاً في تثخين الجراح التركية بمد يد العون بالتوافق مع روسيا لما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية " والتي تكن�' أنقرة لأكبر مكوناته المتمثل بوحدات الحماية العداء التاريخي ،دون أن يقدم الرئيس الأميركي أي ضمانات أو تفسيرات لإلقاء طائراته 50 طن من الأسلحة للفصيل الوليد في خضم المعاناة التركية.
ردت موسكو لأنقرة صاع واشنطن صاعين أفقدها وواشنطن الصواب فتقدمت روسيا بخطوات على التوافق مع الأميركي بالدعم الكردي على الأرض السورية ،وكسرت احتكار الدعم السياسي للأكراد باستضافة وفد حزب الاتحاد الديمقراطي السوري في موسكو , في مسعى لفتح
مكتب له في روسيا لتعزيز التعاون في محاربة تنظيم "داعش" ، وهو ما دفع بمصدر دبلوماسي تركي للتهديد برد فعل عنيف من أنقرة ، لما للخطوة من تبعات بالنظر لعلاقته بحزب العمال الكردستاني ما استدعى رداً من الخارجية الروسية بأن موسكو لا ترى بحزب العمال منظمة إرهابية ،ولعل الصفعة الروسية أنزلت ثعلب السياسة التركية أوغلو ومن ورائه أردوغان عن سقف مطالبه حيال سورية بالقبول ببقاء الرئيس الأسد لمدة ستة أشهر يدركان أنهما سيغادران المشهد السياسي قبل مضي تلك المدة خاصة بعد القمة الروسية السورية بزيارة الرئيس بشار الأسد إلى قصر الكرملين ولقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين والتأكيد على المضي في معركة مواجهة الإرهاب الضالعة تركيا في دعمه حتى النخاع ،في رسالة مزدوجة مفادها إن زمان إعطاء المهل قد ولى.
يوم بعد يوم تتوالى الضربات في العمق السياسي التركي بموافقة ورضى أمريكيين ويبدو أن موسكو تدق المسمار الأخير في نعش أردوغان ،بانتظار الانتخابات البرلمانية لتعلن وفاة مشروع الإخوان المسلمين في السياسة كما أنهته على الأرض السورية.
2015-10-21 | عدد القراءات 2321