منذ أن صدر بيان فيينا بنقاطه التسعة كحصيلة جهود دولية تجاوزت بالطبع حدود اجتماع 17 دولة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والتي شكلت مبادئ عامة للحل السياسي في سورية تجمع القوى الدولية والسياسية على أن ترجمة النقاط التسعة وتطويرها إلى خارطة طريق سورية يتطلب لقاءات وجهود كافة الأطراف ذات الصلة كما بدا واضحاً بأن البيان الذي ركز على وحدة سوريا واستقلالها وهويتها العلمانية، والحفاظ على مؤسسات الدولة، وتشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة، وضع دستور جديد، وإجراء انتخابات جديدة، وتنفيذ وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد ، يحمل البصمات الروسية واضحة المعالم والتي نجحت في فرضها كحصيلة جهودها خلال السنوات الخمسة من عمر الأزمة السورية ونجاحها حيث فشل الآخرين من أصحاب مشاريع إسقاط سورية الدولة والقيادة والشعب فما كان من موسكو إلا أن فرضت رؤيتها القائمة على الحفاظ على تلك المقومات والانتقال إلى مراحل إحداث التغيرات الجذرية القائمة على قواعد ثابتة بدلاً من هدم كل شيء والبحث في سبل تنظيم الفوضى وتأطير النزاعات وفق مقومات ومحددات يفرضها أمر الواقع وهي المنهجية الأميركية في التعاطي مع إحداث التغيير في الدول والتي غالباً ما يحولها النهج الأميركي إلى دول فاشلة بشهادة الأميركي ذاته ليس من باب المصادفة إنما من باب التخطيط الأميركي الممنهج الذي تعي موسكو مراميه وتبعاته.
بالرغم مما شهده الملف السوري من تطورات فقد شكل بيان جنيف 1 محطة رئيسية في مسار الحدث السوري فتحتَ رايته دارت معارك على الأرض وجولات سياسية , ونقاشات لا تقل ضراوة عن تلك التي شهدها الميدان واختلفت وجهات النظر على تفسير نقاطه وجنس ملائكته إلى أن حضر بيان فيينا كنتيجة مباشرة للدخول الروسي المباشر على الأرض السورية ولترتيب النسق الدولي الذي فرضه التواجد الروسي الجديد من البلطيق إلى المتوسط إلى بحر الصين بمفاعيل تتجاوز الحدود السورية ،وباتت توافقات فيينا القاعدة التي أزاحت ما عداها وهو ما أكدته الناطقة باسم الخارجية الروسية "ماريا زاخاروفا" بأن مؤتمر فيينا يعني عمليا تشكيل مجموعة أشبه بمجموعة اتصال خاصة بسورية فيما نجح الاعلان الروسي عن السعي لعقد لقاء موسكو3 بمشاركة أطراف من المعارضة والحكومة السورية بنزع الاعتراف الأميركي بأهلية فيينا لأي حراك سياسي حيث أكدت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية "اليزابيث ترودو" بوجوب التركيز على ما تم الاتفاق عليه في محادثات فيينا الأسبوع الماضي.
ربما جاءت الخطوة الروسية بتوقيت طرح فكرة موسكو 3مفاجئة باستثناء بالون الاختبار الذي نجح بنيل الاعتراف الأميركي بأحقية مقررات فيينا في التعاطي السياسي حول سورية والذي يبدو أنه أنهى جدالاً استمر منذ صدور بيان جنيف 1 إلى ما بعد فيينا مروراً بالنسخة الثانية من لقاء جنيف والتي تمثلت بالمرحلة الانتقالية , وما بنود فيينا التي تركز على دستور جديد وانتخابات جديدة سوى ضربة قوية لأنصار البحث في جنس ملائكة المراحل الانتقالية وتأويلاتها وبالتالي إفراغ بيان جنيف من أي مضمون إشكالي بحيث تضمنت باقي النقاط التوافقية الأخرى وثيقة فيينا وما الحديث عن ترحيل البحث في مصير الرئاسة السورية سوى كلام للتداول في المؤتمرات الصحفية بعيداً عن ما هو مدون في الوثيقة المعتمدة.
على مدى أكثر من ثلاث سنوات نجحت موسكو ودمشق التي قبلت ببيان جنيف 1 في تثبيت القواعد التي ارساها البيان وفتحت أوسع أبواب المناورة والتأويلات إلى أن تمكنت من قلب المعادلة وتفريغ ما بجعبة خصومها في الساحات وما أن باتت الفرصة سانحة حتى فرضت رؤيتها للحل وما تصريحات نائب وزير الخارجية السوري في طهران عن المرحلة الانتقالية ليست إلا ترجمة لمقررات فيينا التي يبدو أنها طوت صفحة جنيف السورية إلى غير رجعة.
2015-11-04 | عدد القراءات 1999