النار التي أحرقت اللبنانيين يوم أول أمس على أيادي الإرهابيين أنتقلت بذات الأيادي لتضرب في باريس وتحصد أكثر من 40 قتيلا ، والفاعل الواحد الذي يحظى بالتبريرات عندما يضرب في الضاحية ويستهدف جمهور المقاومة ، يكشف هويته وأهدافه ، ويحدد قانون التعامل معه ، بما لا يترك مجالا للشك حول أن التبني والتسويق والتعاون مع الإرهاب والرهان على تشغيله وتوفير الملاذ الآمن لبعض أطرافه بداعي تصنيفها وتمييزها عن سواها ، ليس إلا النار التي يؤدي اللعب بها إلى إشعال الحرائق ، أندلعت النار في باريس بعد يوم طويل في فيينا كانت فرنسا تقاتل بكل ثقلها لتمييز تنظيمات إرهابية والدعوة لضمها إلى لوائح المعارضة السياسية .
الضجيج المتصاعد من فيينا كان يبدو على عناوين والخلافات الحقيقة تدور على عناوين أخرى ، كما قالت مصادر مطلعة ل"البناء" ليلا ، فبعد جولات جس نبض قام بها الأميركيون طوال النهار ، كان الكلام المعلن يتم عن خلافات حول مستقبل الرئيس السوري بينما الخلاف يطال اللوائح التي يفترض أن يقرها المجتمعون لتصنيف الأطراف العاملة من موقع المعارضة السورية بين قوى يمكن مشاركتها في العملية السياسية ، و أخرى يجري إدراجها على لوائح الإرهاب كأطراف لا يمكن القبول بأي إنخراط سياسي أو ميداني معها ، ويجري التعامل معها وفقا لقانون الحرب .
اللائحة تضم مئتين وثلاثة وعشرين مجموعة أعدها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا وترك التصنيف فارغا ، بإستثناء ما يتصل بتنظيمي داعش والنصرة ، وبينما تتمسك روسيا بإعتماد معادلة إتفقت عليها سابقا مع دي ميستورا والأميركيين قوامها ، تصنيف كل مجموعة ترفض قبول الشراكة بالحرب على النصرة كفصيل إرهابي تسهيلا للبت بالتصنيفات ، تصر واشنطن مجددا ومعها تركيا والسعودية وقطر و تتقدم فرنسا الصفوف بالإصرار على إستثناء جماعتي أحرار الشام وجيش الإسلام من لوائح الإرهاب وفرضهما شركاء في العملية السياسية .
الخلاف المحتدم يجد ترجمته تصعيدا في الخطاب المعلن عن الموقف من دور الرئيس السوري في العملية السياسية ، كلعبة تفاوضية ، لا يعيرها الروس إهتماما ولا يضعون ثقلهم لمواجهتها ، بقدر ما يعتبرون وفقا للمصادر نفسها أن اي تهاون في تصنيف الجماعات الإرهابية يعني فتح الباب مرة اخرى لتكرار ما جرى من تسرب الإرهابيين بين داعش والنصرة ، بين النصرة وسائر الفصائل ليتحول إسم أحرار الشام وجيش الإسلام يافظة لتغطية جماعات النصرة وداعش .
وفي الوقت المتبقي لإنقاذ فيينا يبدو التجاذب على اشده دون وجود مؤشرات على إمكانية خروج اللقاء بغير تأكيد جديد على البيان السابق ومواصلة البحث في شروط المرحلة الإنتقالية من جهة وتصنيف المعارضة المدعوة للمشاركة في الحل السياسي وتمييزها عن التنظيمات الإرهابية كمواضيع للقاء الثالث ، بينما سيكون للميدان العسكري فرصته في رسم وقائع تفرض نفسها على التفاوض ، في ظل تسارع تساقط مواقع الجماعات الإرهابية المسلحة ، التي تواجه هجوما متعدد الإتجاهات ، من أرياف حلب الشرقية والجنوبية والجنوبية الغربية ، حيث داعش والنصرة و أحرار الشام ، إلى تدمر حيث داعش على رأ س حربة التمدد نحو الرقة من جهة وحمص من جهة أخرى ، وجبال القملون من جهة ثالثة ، وصولا إلى دوما وحرستا وجوبر في غوطة دمشق حيث جيش الإسلام ، وسيكون للتطورات العسكرية دورها في دفع مهمة دي ميستورا ولقاء فيينا بتسارع يفرض إيقاعه بالضرورة كما توقعت المصادر .
جاءت حوادث باريس الدموية ليل أمس في قلب هذا المناخ ، كما ترى المصادر نفسها ، درسا لكل الدول التي تتهاون في ملف الإرهاب ، حيث النار التي يلعبون بها تحرقه بلادهم وشعوبهم ، كما هو حال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس اللذين يتزعمان جبهة التسويق السياسي لتبييض صفحة التنظيمات الإرهابية وتقديمها كقوى يمكن إعادة تدويرها وإستخدامها .
2015-11-14 | عدد القراءات 2526