بسرعةٍ تعاظمت كرة ثلج الإرهاب الأسود في رحلة العودة صوب الغرب معلنة شتاء أوروبي لاهب , وفق دورة حياة الإرهاب العابر للقارات والذي لم ولن يتوقف عند حدود ما شهدته العاصمة الفرنسية باريس من تفجيرات وما تلاها من مفرزات آخرها تفجير انتحارية نفسها خلال عملية مداهمة لمنزل بضاحية سان دوني شمالي العاصمة باريس يشتبه بوجود عدد من المطلوبين وبالرغم من صعوبة تحمل بلد أوروبي عاش عقوداً من الرخاء والأمان لتبعات أحداث أمنية ضخمة فإن فوبيا الإرهاب وهاجس الاستهداف يشكل التحدي الأكبر أمام المنظومة الأمنية لدرجة الاستنفار جراء أبسط التهديدات فبات مجرد اتصالٍ هاتفي كفيلٌ بإفراغ ستاد دولي وإلغاء مباراة بحجم لقاء منتخبي ألمانيا وفرنسا وربما قادمات الأيام تشهد إلغاء قمم كبرى واجتماعات وهو ما يهز منظومة الأمن الأوروبي من العمق , حيث بدا واضحاً بأن الحديث الأوروبي عن مكافحة الإرهاب منذ قمة العشرين لم يعد مجرد تمنيات ودعوات للتعاون وكلام في العموميات , بل دخل في التفاصيل المجدية التي لم تعد تحتمل المغامرة برفع الشعارات وحيث لم يعد بالإمكان المضي بمسايرة أوروبية عموماً وفرنسية بشكل خاص للرغبات السعودية , فالرشوات المالية قابلة للصرف في الميادين السورية والعراقية واليمنية ويصبح الحلال حرام في ساحات برلين وباريس التي أسقطت تفجيراتها النظرية الأميركية بإمكانية احتواء شياطين الإرهاب في ملاعب الخصوم حيث أدركت أوروبا بأن حماية المدن الأوروبية من الإرهاب لا يمكن بتحصينها وتكثيف المراقبة على المتشددين كما يفكر بعض سطحيي التفكير في السياسة والأمن وإن اعتلوا يوماً ما مناصب كبرى كساركوزي ولا تكفي تجميد الأصول مراقبة التحويلات المالية للجماعات المتشددة للقضاء على جذور الإرهاب إنما بمكافحة جادة فكانت الغارات الفرنسية على الرقة باكورة العمل الفرنسية والتي تزامنت مع غارات روسية كثيفة في إشارة على التنسيق الروسي الفرنسي وما تلاه من الإعلان عن توجه حاملة الطائرات الفرنسية إلى المتوسط في الوقت الذي أمر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بتنسيق ضرباتها الجوية والبحرية مع نظيرتها الفرنسية التي أعلنت دخولها الحلف الروسي السوري في مكافحة الإرهاب بالتزامن مع دعوة موسكو مجلس الأمن إلى اتخاذ قرار لتشكيل جبهة واسعة لمحاربة الإرهاب.
أدركت موسكو حرج الموقف الأوربي في مواجهة الإرهاب فبعد أن كشفت بضرباتها الجوية هشاشة التحالف الأميركي في تنظيم "داعش" ليكون قرار تشكيل جبهة دولية لمواجهة الإرهاب بقرار أممي أمراً يسقط كذبة الحرب الأميركية على الإرهاب التي امتدت لأربعة عشر عاماً شنت واشنطن خلالهاً حروباً ومعارك حول العالم دون حسيب أو رقيب وتفردت بقراراتها دون مرجعية أممية وكانت النتائج تدمير دول وتهجير شعوب وتعاظم الإرهاب واتساع رقعته والنتائج كفيلة بالإعلان عن إحالة مشروع واشنطن إلى التقاعد والبدء ببناء قوة فاعلة وفق شرعية الأمم المتحدة تستند لقوانين واضحة بمحاربة التمويل والتسليح بما يسمح بمحاسبة الأطراف المتورطة بدعم الجماعات الإرهابية سواء أكانت دولاً أو منظمات أو أفراد وهذا ما تُعِدُ له موسكو فاتحة الأبواب للتعاون مع كل الأطراف الراغبة بمحاربة الإرهاب ولعل رسالة السيناتور الاميركي ريتشارد بلاك للرئيس السوري بشار الأسد والتي لفت فيها للمخطط الغربي الأميركي بإسقاط سورية ليست إلا مؤشراً على تنامي الوعي الأميركي لحقيقة ما يجري في سورية وفي كلام بلاك بأن الكثير من أهل ولاية فرجينيا يشاركونه بالصلاة كي ينتصر الجيش السوري وحلفاؤه على قوى الشر التي مولتها بلاده ماهي الا رسالة للبيت الأبيض بالكف عن تمثيل دور محارب الإرهاب وبادرة تسمح له بانخراط جدي في مواجهة ما يهدد الأمن والسلم العالمي.
احداث باريس تعلن وضع الحرب على الإرهاب في مساراتها الحقيقية والإرهاب فوبيا يدفع الغرب لتسليم راية الحرب على الإرهاب لموسكو وواشنطن بانتظار أن تحجز مقعداً في الحرب ولكن في الصفوف الخلفية.
2015-11-18 | عدد القراءات 2561