رغم جعجة الغارات الفرنسية على معقل تنظيم "داعش" الإرهابي في الرقة على كثافتها بعد هجمات باريس الا أن طحين الغارات على الأرض لا يزال دون مستوى ما جرى في باريس من جهة , ووحشية التنظيم الإرهابي وتفرعاته من جهة أخرى.
يبدو أن إشكالية فرنسا السياسية تبدو واضحة بالاختلال ما بين المصلحة الأمنية لكيان الدولة الفرنسية واستراتيجية التحرك الفاعل والرؤية السياسية لصانعي القرار الرسمي , الذين يصرون على رسم نطاق التحرك الفرنسي بين سندان التبعية السياسية لواشنطن ومطرقة التمويل السعودي القطري لمراكز صنع القرار في باريس , والتي لم تفلح شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان والثورات الملونة بتغطية شراكة الدم الفرنسية الخليجية التي عرّتها مجريات الأحداث في سورية وأسقطت أوراقها الواحدة تلو الأخرى , فيما تقلم الخطوات الروسية أغصانها منذ بدء عملياتها الجوية على الأرض السورية إلى لقاءات فيينا , فمداولات مجلس الأمن وما شهده من إصرار فرنسي على تمرير قرار دولي مبتور كبديل عن النسخة الروسية ما هو الا محاولة لمنع المس بحلفائها الممولين والراعين لتلك التنظيمات , بحيث اكتفى القرار بدعوة الدول لمضاعفة جهودها وتنسيق مبادراتها بهدف منع ووقف الأعمال الإرهابية التي يرتكبها تحديدا تنظيم (داعش) ومجموعات متطرفة أخرى مرتبطة بتنظيم القاعدة دون أي ذكر للدول الراعية حلفاء باريس ومموليها.
تدرك موسكو بأن ازدواجية الرؤية الفرنسية لا تقدم ولا تؤخر في مسار حربها على التنظيمات الإرهابية فتقرر المضي في خطوة متقدمة لإحراج باريس بالتهديد المباشر للدول الراعية للإرهاب وللتنظيمات المنضوية تحت راية تنظيم القاعدة وفق ما سربته صحيفة "برافدا" الروسية بالاستناد إلى الشرعية الدولية والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بأن الصواريخ المجنحة التي ضربت داعش من الممكن أن تستهدف كل من يثبت الوقوف وراء التنظيم بالمال والسلاح والإمداد بالمسلحين.
حين تسمي صحيفة "برافدا" دولاً بعينها كالسعودية وقطر وتركيا بأنهم رعاة الإرهاب و تزامناً مع توجيه الرئيس فلاديمير بوتين قواته العاملة في سورية بتكثيف الضربات على التنظيمات دون هوادة , فإن موسكو تمهد لخطوات أكثر حدة وحزماً حيال تلك الدول بانتظار مقررات مؤتمر عمان لتصنيف الجماعات المسلحة التي تدور في فلك تنظيم القاعدة وأغلبها محسوب على الدول التي ذكرتها الصحيفة
ما يضع تلك الدول على محك المواجهة الفعلية مع موسكو في حال المضي في سلوكياتها.
لطالما تباهى الفرنسيون بطيب العيش والرغد الأمني تحت جناح حلف الناتو وشعاراته بحماية أمن دوله والتي أسقطت أحداث باريس أوهام الأمن الجماعي فإن الإصرار الفرنسي على السير وراء الدعوات السعودية القطرية المطالبة بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد كمقدمة لمحاربة الإرهاب , يورط باريس مع تلك الدول أكثر فأكثر ، فيما يدفع الشعب الفرنسي ثمن إصرار ساسته على المضي في حرب عبثية تحرمهم من قطف ثمار التعاون الجاد في مكافحة إرهاب يضم بلاد الحرية إلى قائمة أهدافه من بلاد الشام إلى اليمن فبلاد الرافدين والفراعنة.
حرمت تمور السعودية الجافة أبناء باريس من التلذذ بخمرة عنب الشام فهل تنقذهم الفودكا الروسية قبل فوات الأوان.
2015-11-22 | عدد القراءات 2404