تكفلت الأحداث المتلاحقة منذ سقوط الطائرة الروسية بالنيران التركية "الصديقة" بمفهوم إفتراضي للشراكة في الحرب على الإرهاب بتظهير الموقع الفعلي لتركيا في الحرب ، ودورها التأسيسي لإشعال الحرب في سوريا وعليها ، وتظهير كونها إرتضت دور باكستان ف يالحرب الأفغانية كخلفية لتجميع الإرهابيين وتنظيمهم وتسليحهم ورعايتهم بعدما ، تحدد واشنطن المهمة وتتولى السعودية التمويل ، فظهرت تركيا بقيادة رئيسها رجب أردوغان ، بصفتها الدولة التي ترعى الحرب ، وتتحمل مسؤولية الدماء التي تنزف في باريس وكل مكان ضرب فيه الإرهاب ، ونجح الرئيس الروسي رغم البروباغندا الأميركية بتظهير الدور التركي في دعم الإرهاب و إحتضانه ورعايته ، وأخذت موسكو على عاتقها وضع حد لهذا التمادي ، فبدأت بتقديم الدعم الجوي للجيش السوري وحلفائه لتنظيف خط الحدود التركية السورية ، وبالمقابل تولت إستهداف القوافل المحمية من تركيا التي ينظمها داعش لنقل النفط المنهوب من سوريا وبيعه في تركيا ، وإستهداف قوافل الإمداد التي تنقل عبرها الحكومة التركية تحت شعار المساعدات الإنسانية للجماعات المسلحة ما تحتاجه من سلاح ومؤن وعتاد ، وجاءت الحرائق المشتعلة على خط الحدود لتقول أن شيئا قد تغير وسيتغير وأن زمن العربدة التركي قد إنتهى ، وأن الكذبة المدنية والديمقرطية التركية يفضحها المشروع الأخواني .
أسقطت تركيا الطائرة الروسية لتحمي جماعاتها ، وتفرض معادلتها مجددا ووراءها دعم غربي وأميركي ، ولما وقف الرئيس الروسي وأعلن المضي بوتيرة أسرع ودرجة أشد في حربه ، إنكفأ الغرب ووجد أردوغان نفسه بلا حلفاء وحيدا يستجدي موعدا مع الرئيس الروسي وردا على إتصالاته الهاتفية .
عاد أردوغان للتصعيد وتحدث عن اللعب بالنار من جانب روسيا فرد عليه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بوصف مواقف أدروغان بتخطي الخطوط الحمر ، فيما المناطق الحدودية السورية مع تركيا تشهد حربا حقيقية ، لا تملك فيها تركيا سوى التفرج على إحتراق إستثمارها في الإرهاب وهي تزبد وترعد ، فتضطر فإعلان عن وقف حركة طيرانها فوق شمال سوريا ضمن إطار وقف غاراتها المزعومة على داعش ، والسبب أنه بعدما تم نشرمنظومة الأس 400 صارت كل الطائرات التركية اهدافا سهلة للصواريخ الروسية .
على إيقاع هذا التحول النوعي في مسار الحرب ، إضطر حلفاء أردوغان إلى الإكتفاء بدور الوسيط لترطيب الأجواء ومراضاة خاطر الرئيس الروسي الغاضب أملا بإقناعه بلقاء الرئيس التركي على هامش قمة المناخ في باريس الأسبوع القادم وما يتسدعيه ذلك من الشد على فكي أردوغان كي لا يتلفظ بحماقات تعقد الأمر .
فرنسا التي تتولى الدور المتقدم على هذا الصعيد تتصرف على قاعدة التسليم بأن شيئا كبيرا قد تغير ، وفي فرنسا كما يؤكد المتابعون ثمة الكثير قد تغير بعد التفجيرات الأخيرة ولم يعد بمقدور الرئيس الفرنسي صوغ السياسات وفقا لرأيه ورؤيته غير آبه بما ينتظره منه الفرنسيون ، ومحوره كيف ووفقا لأي تحالفات وآليات سيحوض حرب حمايتهم من الإرهاب وخصوصا كيف ستتغير سياسته في سوريا بضوء ما شهدته باريس ؟
أول التغيير التقرب من موسكو وتأييد دورها في سوريا كترجمة للشراكة في الحرب على الإرهاب ، ومن نتاجه الكلام الجديد لوزير خارجية فرنسا عن التعاون مع الجيش السوري في إطار هذه الحرب .
وموسكو التي تتوسط العقد الذي يحيط بمفردات الحرب مع الإرهاب ، تستضيف وزير الخارجية السورية وليد المعلم ليعلن بدء العد التنازلي للإرهاب ، مع الدور الذي تضطلع به روسيا في الحرب ، ولكن ليس بعيدا عن تأديب التمادي التركي الذي يشكل مصدر العبث الأول بأمن وإستقرار المنطقة والعالم .
2015-11-28 | عدد القراءات 3157