أمريكا مهددة وإرتباك سعودي تركي – ناصر قنديل

كل شيئ يتغير بسرعة  منذ بدأت روسيا تموضعها النوعي الجديد  في سوريا ، وخلافا للتوقعات الأميركية والتركية والسعودية ، فالقرار الروسي حاسم وقاطع ولا تهد عزيمته التحرشات التركية التي  سرعت روزنامة موسكو ورفعت سقفها ، فقد كانت واشنطن قبل إسقاط تركيا للطائرة الروسية تضع فرضية رسم ضوابط  للحركة الروسية في سوريا ، إنطلاقا من قبول موسكو بمقايضة أمنها الجوي بقبول المنطقة العازلة  والوجود العسكري للجماعات المدعومة من تركيا ، لكن ما جرى منذ ذلك اليوم قال أن الإندفاعة الروسية  تتصاعد ، وأن تركيا تتراجع وأن الحدود السورية التركية تقف بالنار ، وتركيا تهرب  من المواجهة بعد نشر صواريخ أس 400 فتوقف طلعاتها الجوية ، وخلال أيام من التصعيد الناري  الروسي  على قوافل النفط  المهرب لحساب داعش إلى تركيا ، وقصف قوافل الإمداد  التركية عبر الحدود  للجماعات المسلحة ، ورغم رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منح موعد للقاء الرئيس التركي رجب أردوغان ، جلس رئيس الوزراء التركي في بروكسل ليبرم  الصفقة التي  تتضمن صرف النظر عن المنطقة العازلة ، منجزا المقايضة هذه المرة مع الإتحاد الأوربي لقاء ثلاثة مليارات  يورو ويتعهد بوقف  هجرة اللاجئين إلى أوروبا ، وخلال أيام  كان الجيش السوري مدعوما  بالغارات الروسية يسجل التقدم في مناطق شمال غرب سوريا حيث جبل التركمانو جبل الأكراد ، وكانت واشنطن تتصرف بإعتبارها خارج تهديد داعش كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل يومين ، إثر إجتماع لملجلس الأمن القومي وبحضور قادة أجهزة المخابرات ، وبعد الإطلاع على التقارير ، ما يتيح لواشنطن التصرف بغير  الحسابات المستعجلة التي تحكم قلب اوروبا بعد مذبحة باريس ، وقبل يومين ضرب داعش ضربته  في كاليفورنيا وسقط اربعة عشر اميركي قتلى واكثر من عشرين جرحى ، وخرجت أمس التقارير التي  تؤكد أن المهاجمين إثنين ، رجل وزوجته قد بايعا داعش قبيل التنفيذ ، وفقا لتقارير الأمن الأميركي ، ويعلن تنظيم داعش تبني العملية .

ذاقت واشنطن مرارة كأس باريس وأحست بالسكين يقترب من الرقبة ، فبدأت تتصرف بقدر أعلى من الجدية ، وهي تعلم محدودية قدرة حلفائها على الإستجابة لطلبات الفانتازيا التي ترفعها التصريحات الأميركية ، وفقا لمعادلة لا هزيمة لداعش بدون قوات برية فعالة ، وتقول نسعى لبناء قوات معارضة معتدلة مرة وندعو لتشكيل قوة عربية  مرة أخرى ، وهي تدرك هراء الكلام لكن لا وقت يضغط عليها لتسارع ، وها هو السكين يقترب والوقت يدهم ، فيقول وزير الخارجية الأميركية جون كيري ، أن التعاون مع الجيش السوري ضروري في مواجهة داعش في ظل وجود الرئيس السوري بشار الأسد ، ذاهبا إلى أبعد مما قاله نظيره الفرنسي لوران فابيوس عن ربط هذا التعاون بما بعد ما أسماه المرحلة الإنتقالية .

صب الكلام الأميركي الماء البارد على رؤوس من في أنقرة والرياض ، بينما  كانت الأولى تتلقى كلاما إيرانيا صاعقا ، عن إمتلاك وثائق وصور تثبت تورط حكومة أدروغان في صفقات النفط  املنهوب لحساب داعش ، بعدما بذلت أنقرة جهودا لتقديم إيران  كطرف بعيد عن النزاع  مع روسيا ، وتحدثت صحفها عن ما أسمته "إمتعاض إيراني من التصرف الروسي المتفرد  في سوريا ، وخصوصا تجاه تركيا التي  تربطها بإيران علاقات خاصة " ليأتي  كلام رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران محسن رضائي قاطعا وحاسما بتأكيد درجة التنسيق والتكامل بين موسكو وطهران من جهة ، و بالعزم الذي يجمعهما على تأديب تركيا من جهة أخرى .

أما الرياض فقد تلقت الصفعة الأميركية وهي  تستعد لإستضافة مؤتمر لمكونات المعارضة السورية التي تسعى السعودية لتجميعها تحت شعار أولوية رحيل الرئيس السوري تمهيدا لأي بحث في العملية السياسية .

2015-12-05 | عدد القراءات 4755