بعد تعثرها أكثر من مرة أنجزت مصالحة حي الوعر في مدينة حمص برعاية وإشراف أممي في اتفاق أنهى التواجد المسلح في المدينة لتكون بذلك أول مدينة سورية منزوعة السلاح بعد أن شهدت اشتباكات فاقت بأضعاف ما شهدته باقي المدن السورية.
لا يخفي أطراف الحرب على سورية حجم المخطط الكبير الذي رسم لمدينة حمص منذ ما قبل الأحداث السورية والذي تمثل بإطلاق حلم حمص الكبير بظاهره البراق وما حمله من تعدي على حقوق الأهالي في مسعى لتنفيذ مشروع مشابه لسوليدر بيروت بما يخلق برجوازية متوحشة تفتك بوسط سورية كمقدمة لانتشارها على كامل الجسد السوري وما خلفه من حالات احتقان في الشارع الحمصي لتكون الأرضية الملائمة لإطلاق شرارة الأحداث السورية والاستفادة من مقومات المدينة بغية جعلها عاصمة لنشر الفوضى في سورية تحت مسميات الثورة السورية ومنها انطلقت أول الشعارات الطائفية في مظاهراتها وشهدت أوائل تواجد مسلح منظم وازن في أحياء حمص القديمة الحاضرة دوماً على شاشات القنوات السعودية والقطرية والتي خصصت لها ساعات متواصلة من البث المباشر لترسيخ مصطلحات الواقع الميداني الجديد من التنسيقيات إلى الجيش الحر إلى عاصمة الثورة السورية.
لم يخطر ببال أصحاب مشروع الحرب على سورية أن تسقط عاصمتها عسكرياً وتعود لمكانها الطبيعي بالرغم من إدراكهم السقوط الأخلاقي المبكر للثورة المزعومة وحتى حين سقط حي بابا عمر والمكنى ستالينغراد الثورة كان هناك من يروج لشعارات من قبيل "سقط بابا عمرو ولم تسقط الثورة".
شكلت استعادة الجيش السوري وعناصر حزب الله القصير الشعرة التي قصمت ظهر بعير ثوار حمص بقطع طرق الإمداد عن مجموعاتها المقاتلة في المدينة ومكنت الجيش من إحكام طوق السيطرة على حمص القديمة تمهيداً لسقوطها عبر تسوية أخبرت الجماعات المسلحة على المفاضلة بين الخروج إلى الدار الكبيرة أو تسوية الأوضاع بعد استنفاذها المؤن العسكرية والغذائية وفقدان الأمل بأي إمداد لوجستي ما جنب المدينة القديمة معارك مدمرة سيدفع ثمنها الأهالي مزيداً من الدمار حيث حافظت التسوية على البنية العمرانية للأحياء وممتلكات قاطنيها لحين دخولهم الحي بالحد الأدنى والبدء بدورة الحياة في المدينة.
شكل نجاح تسوية حمص القديمة مقدمة وقاعدة للسير في مفاوضات مشابهة بحي الوعر أوصلت الحي إلى الغاية المنشودة بالتخلص من الإرهاب بأقل الخسائر.
أمام منطق التسويات الواضحة المعالم والمحكمة القواعد والتي نجحت للمرة الثانية في حمص بعكس ما شهدته مناطق في ريف دمشق ثمة رأي رافض للتسويات على اعتبار أن التسوية تمنح المسلحين فرصة التقاط أنفاسهم للسير في جولة جديدة وهو ما يطرح تساؤلات جدية عن البدائل المنطقية التي يمكن التعامل بها والتي لا تخرج عن نطاق الاقتحام العسكري المباشر أو الضربات عن بعد من الأرض أو الجو والاقتحام وهما خياران يحمل الأول المخاطرة بفاتورة مرتفعة من الشهداء نظراً لتحصن الجماعات المسلحة بالمباني فيما سيترتب على الخيار الثاني دمار كبير في البنية التحتية والمنازل وهما خياران أحلاهما مر في حسابات الدولة السورية.
مكنت تسوية حي الوعر من استعادة الدولة للحي وتأمين خروج رافضي التسوية إلى ميدان لا ينقصه المسلحين حيث لا يقارن عدد الخارجين بالألوف المتركزة في إدلب كما أن فاعليتهم القتالية لا يمكن التعويل عليها بعد حصار سنوات فيما شكل الاتفاق فرصة لعودة ألفين من حاملي السلاح لتسليم سلاحم والعودة لحياتهم الطبيعية وهي مكاسب يجنيها الأهالي والدولة ، وبانتظار الكشف عن مصير المخطوفين المتواجدين في الحي الذين جنبتهم التسوية إمكانية الاستخدام كدروع بشرية فإن الثابت بأن عودة الوعر خطوة تضمن حقن المزيد من الدماء السورية والتي بالتأكيد لا تلبي طموح رافعي شعارات الثأر والمتاجرين بدماء الشهداء الذين يكيلون الاتهامات في اليمين والشمال بحق ما أنجز وكأن الدماء تعيد الشهداء وتستعيد الشرف المهدور بحسب زعمهم متناسين أن الدم يجر الدم وأن رسالة الشهداء" نموت لنمنع الموت عن السوريين".
من بابا عمرو إلى حمص القديمة فالوعر وبالضربة القاضية يسقط مشروع عاصمة الثورة السورية وكما عادت ساعة حمص الشهيرة للعمل قبل أشهر رافعة علم عزة سورية وكرامتها ستعود مؤسسات الدولة في الوعر للعمل لتنشر الفرح والسعادة لأبناء حمص ومنها لكل السوريين.
2015-12-10 | عدد القراءات 2095