لم تنضج المنطقة وصراعاتها بعد للتسويات المنجزة لكن ما تم إنجازه يشبه ما مثله الإتفاق الإطار للتفاهم حول الملف النووي الإيراني في آذار الماضي قبل مفاوضات قاسية لاحقة وصراعات حامية لكنها توجت بتوقيع التفاهم النهائي ، فعندما تكون إختبارات القوة قد إستنفدت مهمتها ، وتصير وظيفة القوة فقط ترصيد الأوزان التفاوضية ، يصير زمن المبادرات والمناورات معا في السياسة .
ها هي المناورات تسابق المبادرات في ظلّ غياب التسويات، وهذا ما يجري على الساحة الإقليمية في اليمن وسوريا ولبنان ، حيث المبادرات تحاول القفز على خلافات مستحكمة، وإحراج أطراف متموضعة على ضفاف الخصومة بما لا يمكن رفضه، فتصير المناورات طريقاً للتملّص واسترداد زمام السيطرة على مجريات الأحداث.
في هذا السياق المشهد الممتدّ من سورية إلى اليمن إلى لبنان، فلم تنضج التسويات بعد، لأنها متعثرة عند العتبة السعودية الإيرانية، التي رغم ما قيل إيرانياً عن تحضيرات لفتح مسارات الحوار فيها، تبدو سعودياً أشدّ تعقيداً، وبانتظار النضج الذي سيظهر مؤشر حضوره يمنياً قبل أن يظهر سورياً ولبنانياً، يملأ اللبنانيون والسوريون الوقت اللازم بمناورات تحقق، في حال نجاحها، المزيد من النقاط لأصحابها.
يظهر هنا ذكاء التعامل السوري مع القرار الأممي 2254 الذي بشّر به مسبقاً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كثمرة لتفاهم أميركي روسي لن يرضي بالضرورة القيادة السورية، كما قال، وإذ بدمشق تسابق القرار بخطوات تسارع نحو بلورة آلياته التنفيذية، خصوصاً ما يتصل بالدعوة إلى الحوار مع المعارضة، واصفاً إعلان وزير الخارجية السوري وليد المعلم، عن جهوزية تامة لدى سورية لحوارات جنيف مع المعارضة بمجرّد تبلّغها أسماء الوفد المعارض وأملاً بالخروج من الحوار بحكومة وحدة وطنية، بـ«ضربة المعلم»، فالمعارضة المحبَطة بالقرار الأممي كانت وحلفاؤها يأملون من الكلام الروسي بمعرفة ما الذي لن يرضي دمشق وينتظرون الرفض منها، ليكتشفوا أنّ عليهم تحمّل أكلاف رفض القرار والحوار، وترك دمشق ترتاح، أو تحمّل أعباء التسليم دفعة واحدة بالهزيمة مع حلفائهم ومشغّليهم الإقليميين، تحت عنوان الاعتراف بسقوط شعار عملية سياسية بدون الرئيس السوري، والاكتفاء بمناصب وزارية في حكومة في ظلّ رئاسته، وتحت شعار
الحرب على الإرهاب، يقودها الجيش السوري، فيلتحقون بالحكومة والجيش بقيادة هي للرئيس السوري بشار الأسد كرئيس للجمهورية وقائد أعلى للقوات المسلحة، وقد ضاق هامش المناورة قبل ملاقاة العزلة.
بين المبادرة والمناورة تدور مواجهات اليمن ومفاوضاته على عتبة نهاية العام إستعدادا لجولة جديدة في منتصف الشهر القادم لمحادثات جنيف ، وحيث ترتبك السعودية بعجزها عن إطلاق مبادرة وتفقد هوامش المناورة يصير وقف المواجهة عبر الحدود السعودية اليمنية مربوطا بوقف الغارات على اليمن وفك الحصار البحري عنه .
بين المبادرة والمناورة، نجحت المقاومة أيضا في تلقي الطابة التي أراد الحلف الدولي الإقليمي من تكليف الرئيس سعد الحريري برميها في حضنها، فتلقفتها وصانت علاقتها بحليف موثوق هو النائب سليمان فرنجية، دون أن تصيب علاقتها ومشروعها بالعماد ميشال عون وترشيحه بالأذى، فانتقلت ساحة المناورات إلى غير ملعبها، بين الحريري وحلفائه، ليسرّب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أنّ ترشيح العماد عون وارد.
2015-12-25 | عدد القراءات 2493