منذ أن أطل وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف من شرفة غرفته بفندق بالاس كوبرغ في فيينا بظهور لافت ومعبر جداً ببساطة وتلقائية وبابتسامة واثقة مطلقاً شارة النصر عشية توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى بدا واضحاً بأن السلوك الدبلوماسي الإيراني أخذ منحى احترافي يعكس مسار المفاوضات الشاقة التي خاضتها طهران متجاوزة المطبات والمأزق التي وضعتها الدول الكبرى أثناء المفاوضات فبين الصلابة واللين والتعنت والمرونة تمكنت طهران من الحصول على كامل حقوقها النووية دون التنازل عن أي من ثوابتها أو المس بسيادتها.
بالأمس وعشية الموعد المقرر لبدء الإفراج عن أرصدتها المالية تجاوزت طهران فخاً ربما نصبه الأميركي لتوتير الأجواء بافتعال مواجهة بحرية بين زوارق البحرية الأميركية اخترقت المياه الإيرانية والحرس الثوري الإيراني الذي سارع لاحتجاز الزورقين وتوقيف من على متنها قبل الإفراج عنهم بعملية دبلوماسية سياسية عسكرية ضمنت لطهران اعتذار واشنطن من أرفع المستويات السياسية الأميركية وأعطت درساً مزدوج الأبعاد والدلائل فأثبتت بأن العبث بسيادة حدودها خط أحمر يمنع تجاوزه براً وبحراً وجواً تحت أي مبررات أو ظروف وفي الوقت نفسه قدمت درساً في التعاطي مع القضية وفق القنوات السياسية كدولة مؤسسات ما يضعها في مصاف الدول الكبرى فنالت احترام الخصم قبل الصديق وبشكل خاص بعد تسريب صور التعاطي مع الجنود الأسرى بحزم أثناء التوقيف وإنسانية متناهية في الاحتجاز لحين تسوية القضية.
لم تكن قضية الزوارق الأمريكية المأزق الأول ضمن محاولات إسقاط الاتفاق النووي فالاختبار الأخير والذي بدا الأول أميركياً والذي اجتازته طهران بحنكتها الدبلوماسية بسرعة يعد الثالث في سلسلة المحاولات التي تلت توقيع الاتفاق فالحرب السعودية على اليمن لا تخرج عن سياق تلك المحاولات فالمملكة التي شنت غاراتها على الأراضي اليمنية مستهدفة الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح حيث لم يجد آل سعود حرجاً في الإعلان جهاراً نهاراً بأن حربها في اليمن لضرب المصالح الإيرانية في المنطقة فلم تخلو تصريحات الناطق باسم ما سمي يوماً عاصفة الحزم السعودي أحمد عسيري من اتهام إيران باعتقادها أن كلام العسيري ووزير خارجية آل سعود يدفع طهران للدخول بمواجهة في اليمن تدفع المجتمع الدولي لقلب الطاولة على طهران والاتفاق النووي وهو غاية الأمنيات السعودية ومع فشل المحاولة والغرق السعودي في حرب اليمن ناورت المملكة في مواجهة طهران فكانت حادثة منى التي أوقعت مئات الحجاج الإيرانيين من بينهم السفير الإيراني السابق في لبنان غضنفر ركن أبادي , حينها أصرت ايران على المشاركة في التحقيق بالحادثة واتهمت السعودية بافتعال مجزرة بشرية وللمرة الثانية لم تنجر للمواجهة مع السعودية ونجحت بامتصاص مفاعيل الحماقات السعودية التي لم تتعظ ولم تكف عن افتعال الأزمات مع طهران فارتكبت جريمة إعدام الشيخ النمر لعلمها بحجم ردود الفعل الشعبية في طهران والتي تمكنت من ضبطها وأفشلت مشروع فتنة خطط له السعودي وحليفه التركي قبل أيام من حماقة إعدام النمر وأثبتت إيران بأن من ناور بالدبلوماسية القوى العالمية على رأسها الولايات المتحدة لن يتورط في مخططات غبية لا حول لها ولا قوة .
بالتعاطي مع قضية الزوارق تجتاز طهران بحنكة المأزق الثالث من مأزق إسقاط تفاهمها النووي.
2016-01-14 | عدد القراءات 4410