الدقة الروسية في اختيار مفاوضي المعارضة "حساب ببعد اخر" - روزانا رمّال

تختلف التجرية الروسية في التعاطي مع كل ما يمس موسكو بامنها القومي و الاستراتيجي في كل ازمة تتعرض اليها بحسب اولويتها و تاثيرها على العمق الروسي سياسيا و امنيا و اقصاديا و في بعض الاحيان ايديولوجيا عقائديا مثل تمدد الارهاب في جوارها و الاسلام المتطرف مثلا. لكن التجربة الروسية في سوريا تختلف عن اي ازمة تعاطت معها روسيا في تاريخها الحديث حتى ان سلوكها اثار الجدل و اثار العجب عند الاميريكيين الذين لم يكونوا يتوقعوا هذا الاهتمام المفرط من روسيا لا بل هذا الثبات و التمسك بفرض نظريتها في استحالة اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد لتزيد الازمة تعقيدا عند الغرب بقرار دخول روسيا الحرب السورية مباشرة بعديدها و عتادها ليتغير الحساب برمته.

يعرف الاميريكيون اهمية سوريا بالنسبة لروسيا لكن الاكثر تشاؤما لم يكن  يتوقع ان تقدم روسيا على الانغماس بهذا الشكل كما لم يكن من المتوقع ان تصمد السلطات السورية لهذا الوقت المدهش بهذه الظروف و المقدرات  مقارنة بكل الانظمة التي تهاوت الواحدة تلو الاخرى من دون مقاومة و على هذا الاساس تعتبر الولايات المتحدة الاميريكية انه دخلت على خط الازمة السورية بتوقيت مناسب و بلاعبين اساسيين لديهم ما يكفي للانتقام من الرئيس الاسد و شعبه و هم حكومة رجب طيب اردوغان التي تطوق الى فرض حكم الاخوان المسلمين في سوريا اسوة بفرضها في تونس و مصر بعد سقوط مبارك و بن علي و المملكة العربية السعودية التي تجد الكثير من الحماسة و الاولوية للتخلص من الرئيس الاسد حليف الجمهورية الاسلامية الايرانية و الذي يساهم في تمددها بالمنطقة و تعظيم نفوذها بشكل مثير ككل هذا يضاف اليه قناعة الاميريكيين بان موسكو لن ترفع الفيتو بوجه اي عمل عسكري في سوريا تماما كما حصل بليبيا لان روسيا ستدرك ان الوقوف بوجه التغيير و المطالبة بالاصلاح في زمن الربيع العربي لن ينفع و ان موج البحر اعتى من حسابات روسيا.

اخطأت الولايات المتحدة الاميريكية كثيرا و هي على ما يبدو تحاول اليوم الحفاظ على ما يمكنها و حلفائها في اكثر من استحقاق تفاوضي سوري على البقاء لاعبا اساسيا يفرض شروططه في معادلة سورية الجديدة ندا لند مع روسيا لكن الاخيرة على ما يبدو لن تسمح لواشنطن و حلفائها التصرف بهذه العين التي تساويهم فيها من هنا يلاحظ الاهتمام الروسي الشديد الدقة بكل معارض و مفاوض لا يتبع للدولة السورية و اهتمام بليغ بالتشديد على رفض القبول باي من الحركات المتطرفة من جيش الاسلام و جيش فتح و النصرة و غيرها ممن تحاول واشنطن و الرياض يوميا شرعنتهما حتى ظهرت روسيا معنية اكثر بكثير من سوريا نفسها بهذا التشدد فما هو السبب لكل ذلك؟

تعرف روسيا ان التشدد بحساباتها و انتقائها للوفود المشاركة في الحل السياسي هو مقدمة لقبولها بدخولهم الحكومة الجديدة في سوريا او السلطات الجديدة و هي بهذا تاتي بمخاطر كبرى على الساحة الروسية بشكل خاص لان اي قبول من هذا النوع هو تعريض روسيا الى الخطر الدائم و الداهم و الى ادخال جاسوسية الى عقر دارها من بوابة شرعية السلطات الشرعية السورية الجديدة من هنا فان اي تهاون في اختيار شكل المعارضة السورية هو تهاون في مصير روسيا و امنها و تسهيل لدخول متطرفين اسلاميين اليها  و تسعير الارهاب و شرعنة لهذه المجموعات و دعم للتمادي بمخططاتها. ان التمسك بهذا الامر هو اولى اولويات روسيا التي لا تتراجع عنها و على واشنطن ادراك ذلك و الا فان روسيا غير مستعدة للبت بحلول تشرعن  الميلشيات و هذه المجموعات على الطريقة اللبنانية  فتفتح بابا من القلق و الجاسوسية و العمالة عليها من الخارج في دولة صديقة مثل سوريا فتحقق الرغبة الاميريكية . يوما بعد يوم تتيقن واشنطن من القرار الروسي و لا مفر من الخضوع اليه عاجلا ان اجلا .

2016-01-15 | عدد القراءات 4172