طوت طهران صفحة عشر سنوات من العقوبات الدولية المفروضة عليها جراء برنامجها النووي الذي لطالما أصرت على سلميته عقوبات ركزت على ثلاث قطاعات حيوية كالدفاع والنفط والمال وبرفعها فإن الجمهورية الإسلامية أحرزت نصرها التاريخي ودخلت مرحلة جديدة في العلاقات السياسية تضمن لها مركزاً متقدماً في مصاف الدول الكبرى وبالنظر لما سيؤمنه رفع العقوبات من سيولة مالية للخزينة الإيرانية تُمكنها من تجاوز تبعات الحرب السعودية بخفض أسعار النفط ولعل التصريح الإيراني بالبدء بضخ النفط في الأسواق العالمية يحمل من التحدي والمواجهة ما يسهم بخفض الأسعار العالمية أكثر وبالتالي فإن أكبر المتضررين ستكون مملكة آل السعود ما يعني المضي في التدهور المالي ونزيف الاحتياطات.
بالرغم من إصرار طهران على فصل الملف النووي عن باقي الملفات الخلافية وخاصة ما يتعلق بالملف السوري فإن النجاحات الإيرانية تؤتي أوكلها في الشأن السوري كون الحرب المفروضة على سورية بعيدة كل البعد عن الملفات الداخلية والبعد الإقليمي فيها يفوق أبعادها الداخلية وبالتالي يأتي التفاهم النووي ما بين النسخة الثانية والثالثة من ملتقى جنيف ، فبالرغم من الظروف المختلفة لانعقادهما والتطورات الميدانية والسياسية السورية والإقليمية والتغييرات في موازين القوى، ثمة تشابه في الظروف الموضوعية توحي بأن النتائج المأمولة من الملتقى الذي طال انتظاره وتنقّل بين عواصم الشرق والغرب من جنيف إلى فيينا مروراً بالأستانة وموسكو ، ولا تخرج عن سياق التوقعات المنخفضة السقف بإمكانية إحداث انفراجات تغير في المشهد السوري وتدفع باتجاه إيجاد حلول سياسية للأزمة السورية لاعتبارات عدة أهمها أن الملتقى يأتي في ذروة الصراع الإقليمي الحاد بين القطبين الرئيسيين السعودي والإيراني وتغيير الموازين عقب الخسائر الفادحة التي تلقتها المملكة السعودية في السياسة بحروبها العبثية في اليمن وسورية والعراق واقتصادياً بنزيف مزدوج تجلى بتمويل الحروب المستمر وعجز الميزانية المتصاعد جراء إشعالها حرب خفض أسعار النفط لكسر إيران التي كسبت في السياسة والاقتصاد بعكس المملكة ، وهو ما سيفرض المضي في المغامرة السعودية على الأرض السورية وزيادة القوى الدافعة باتجاه العودة إلى المربع الأول من الأزمة السورية بالإصرار على تبني وثيقة جنيف1 كقاعدة لعقد جنيف 3 ،عبر التمسك بهيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات والتي تجاوزتها مقررات فيينا حيث وثقها القرار الأممي 2254 مستندة إلى القرار المبني على وثيقة جنيف 1، وهو ما صدّره علناً مؤتمر الرياض لأطياف المعارضة المحسوبين على المملكة والتي تنادي بتنحي الرئيس بشار الأسد ونقل الصلاحيات لهيئة الحكم الانتقالي ،في حين تتمسك موسكو ودمشق وباقي مكونات المعارضة السورية بوثيقة فيينا التي منحها القرار الأممي الشرعية الدولية بما يسقط مقررات جنيف 1 بالتقادم وبالتالي فإن التباين في المرجعية من نقاط اللبس في الملتقى الدولي ،يضاف لها العجز عن إتمام موجبات انعقاد المؤتمر بحسب القرار الدولي الذي نص على تشكيل وفد المعارضة للمفاوضات وإعداد اللوائح البيضاء والسوداء للقوى المعارضة والإرهابية ففي حين ترى المملكة بأن الهيئة التفاوضية الصادرة عن مؤتمر الرياض تمتلك الأحقية بالتمثيل المعارض ،فإن تهميشها لباقي الفصائل الوازنة على الساحة لم يرضِ حلفائها قبل خصومها وجعل من الصعوبة على واشنطن الدفاع عن قائمة المملكة التي ضمت الإسلاميين المتشددين مطعمة ببعض الشخصيات التي لطالما كانت جزءاً من الدولة السورية وشغلت مناصب فيها ، وبالتالي فإن الرؤية السعودية مرفوضة جملة وتفصيلاً في حين تتأرجح البدائل وفق المخرج الروسي بين تطعيم الوفد بشخصيات من القائمة الروسية أو الذهاب بوفدين للمعارضة السورية مقابل وفد الحكومة ،وهو ما يبين هزالة الوفد السعودي مقابل تنوع الوفد المقابل والمكون من قوى تنادي بمستقبل سورية السياسي العلماني المتعدد الأطياف بما يعكس الصورة الحقيقية للشعب السوري المتعدد ،وهي رؤية تلاقي رواجاً لدى الرأي العام الغربي وتنسجم مع قرارات الأمم المتحدة وبيان فيينا وشرعة حقوق الإنسان فيسقط وفد الرياض ذو اللون والتوجه الواحد ، وإذا ما أضيف الإخفاق الأردني بإعداد اللوائح البيضاء والسوداء للقوى المعارضة والإرهابية والإصرار السوري على صدورها قبل اللقاء فإن القوى الإقليمية والغربية ،والأمم المتحدة ستتكئ على غياب الرغبة الحقيقية لدى الدول الغربية بالسير نحو التسوية الحقيقية بعيداً عن وابل التصريحات المؤيدة للعملية السياسية فما يدور في الكواليس المغلقة يوحي بأن كلام المنابر تمحوه تعليمات الغرف السوداء وما أكثرها في دول امتهنت صناعة الحروب فالأميركي بدا واضحاً بأن خياراته حسمت بترحيل الملف السوري إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية وتركه كوديعة ثقيلة بعهدة الرئيس القادم علها تجنب واشنطن مرارة التراجع عن السقوف المرتفعة التي أطلقها الرئيس باراك أوباما وأركان إدارته في حين ما تزال الرؤية الفرنسية تسير في الركب السعودي كمستحقات لفواتير مستحقة التنفيذ فيما تستثمر ألمانيا وباقي الدول الأوربية بملف اللاجئين أفضل استثمار بشري وسياسي وإنساني.
أمام المشهد المعقد وغياب الرغبة الأميركية في السعي باتجاه الحل السياسي للأزمة السورية فإن مصير جنيف 3 سينحصر بين خيارات التأجيل أو الانعقاد الشكلي وبسقف طموحات متدني حيث يبدو أن نسخة أسوء من جنيف 2 بانتظار ما ستؤول إلية التطورات الميدانية في سورية ليحقق نصراً يوازي النصر الإيراني بين جنيفين فاشلين.
2016-01-17 | عدد القراءات 3899