وقف النار في سورية يُربك الرياض وأنقرة والجماعات المسلحة
السعودية تقود الخليج إلى حرب عقوبات جماعية ضدّ لبنان
تيار المستقبل أمام خطة فكّ وتركيب لحساب المواجهة
كتب المحرر السياسي
لم تتمكّن الجهات الأممية المكلفة تلقّي موافقة الجماعات المسلحة العاملة تحت لواء تركيا والسعودية من تلقّي أيّ إشارة ذات قيمة بانضمام أيّ من هذه الجهات إلى مسار وقف النار الذي أعلنته موسكو واشنطن، ضمن إطار استثناء تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة» منه. وتقول المصادر الأممية إنّ وقف النار لن يكون عائماً، فالجهات التي ستعلن انضمامها إلى مساره ملزمة بتقديم خرائط تفصيلية تظهر مناطق تواجدها والجبهات العسكرية التي تمسك بقرارها، ليتمّ ضمّها إلى لائحة الإجراءات التنفيذية التي سترسل نسخة رسمية منها إلى كلّ من الجهات التي حدّدها البيان الرسمي الأميركي الروسي، كجهات معنية بمواصلة الحرب على «داعش» و«النصرة»، وهي كما وردت في نص البيان، طيران التحالف الدولي للحرب على «داعش» الذي تقوده واشنطن، وسلاح الجو الروسي، وطيران والقوات المسلحة التابعة للجيش العربي السوري. وقالت المصادر إنّ المناطق التي يسيطر عليها مسلحون ولا ترد في خرائط ومعلومات الجهات المنضمّة إلى مسار الهدنة، لن تحظى بالحماية من الغارات والهجمات التي يقدّمها المسار للذين ينضمّون إليه، وأضافت: أما المناطق التي تتمّ إضافتها من جماعات مسلحة، ويتمكّن أيّ من الجهات المعنية بالحرب على «داعش» و«النصرة» من تقديم معلومات تؤكد أنها تحت سيطرة أحدهما، لن يتمّ استثناؤها من خيار الحرب، إلا عندما تتولى الجماعة التي طلبت شمول الهدنة لهذه المنطقة، خوض الحرب بقواها الذاتية ضدّ «النصرة» أو «داعش» في حال سيطرة أحدهما على هذه المنطقة.
مصادر متابعة للحرب في سورية، أكدت أنّ الارتباك يهيمن على قادة الجماعات المسلحة التابعة لتركيا والسعودية، حيث يصعب تحديد مناطق تسيطر على قرارها بدون تداخل مع «جبهة النصرة» و«داعش»، و«النصرة» خصوصاً، مشيرة إلى أنّ جبهات الجنوب والشمال خصوصاً معقودة لحساب «النصرة» و«داعش» كغلبة وسيطرة رغم وجود جماعات منضوية مع «النصرة» تحت عنوان «جيش الفتح» أما في وسط سورية وجبهتي ريف حمص وحماة، فستتعرّض الجماعات لعمليات فك وتركيب لتتمكن من الإفادة من وقف النار، بينما يمكن أن تستفيد بعض أحياء الغوطة من ميزات وقف النار لغياب «النصرة» و«داعش» عنها، خصوصاً أنّ الدولة السورية تبدو مهتمّة بنجاح المسار لما يوفره لها في حال شموله مناطق تشهد قتالاً، ما يتيح لها حشد قواتها وقدراتها للحسم في وجه «داعش» و«النصرة» في جبهات الشمال والجنوب التي تحتلّ أولوية الجيش السوري حتى بلوغ الحدود الدولية مع الأردن وتركيا.
الفك والتركيب يبدوان عدوى تنتقل أيضاً إلى لبنان، مع رفض السعودية رسمياً اعتبار البيان الصادر عن الحكومة اللبنانية محققاً لما تنتظره من لبنان لطيّ صفحة الغضب الذي افتتحته بوقف المساعدات عن الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي. ويأتي الإعلان السعودي والإماراتي والبحريني عن وقف السفر إلى لبنان كبداية لسلسلة خطوات تندرج ضمن حرب إخضاع قرّرت السعودية قيادة الخليج إليها ضدّ لبنان، ووضع تيار المستقبل تحت ضغط الفكّ والتركيب لحساب خطة مواجهة مع حزب الله، يتصدّرها نموذج الوزير المستقيل أشرف ريفي، وليس نموذج عريضة الرئيس سعد الحريري، كما قالت مصادر معنية بمتابعة وضع تيار المستقبل وعلاقته بالسعودية، وقالت إنّ الكلام الديبلوماسي الذي قاله السفير السعودي عن أنّ العرائض والوفود ترضي الرياض، بوصفها تعبيراً عن إرادة اللبنانيين، لا يشبه الموقف الذي حمله قرار وقف السفر، والذي يقول بعدم الرضى والاستهزاء بالعرائض والوفود، طلباً لقرار حكومي يدين مواقف حزب الله الانتقادية للسعودية، ويجرّمها، ويعاقب الصحافيين الذين يتخذون مواقف ويكتبون وينشرون ما لا ترضى عنه السعودية، وأول التأديب الذي تريده السعودية يجب أن يطال التيار الوطني الحرّ، لتحالفه مع حزب الله. وقالت المصادر إنّ رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، تبلّغ كلاماً سعودياً قاسياً ومطالبة صريحة بوضع علاقته مع التيار الوطني الحر وترشيحه للعماد ميشال عون على محكّ الحسم وتخيير التيار العوني بين العلاقة بالقوات ودعمها والعلاقة بحزب الله والتحالف معه، بينما تبلّغ قادة تيار المستقبل أنّ الأمور لم يعد ممكناً أن تسير وفقاً لمعادلات التسويات التي لم تحقق شيئاً، وأنّ الولاء للسعودية سيترجم بتغذية ودعم الجماعات التي تذهب إلى الاستعداد للمواجهة تحت لوائها، وليس الذين يريدون الحفاظ على المكاسب والمناصب من وجودهم في الدولة التي تدفع السعودية كلفة وجودهم فيها دون أن يتمكنوا من جرّ الحكومة إلى اتخاذ المواقف التي تطلبها المملكة، وتختم المصادر أنّ معلومات تتحدّث عن صرف آلاف من موظفي شركة «سعودي أوجيه» ربما تختصر الكثير مما ينتظر الرئيس سعد الحريري سعودياً، مع الاهتمام المتزايد بنماذج وظواهر مثل الوزير المستقيل أشرف ريفي والنائب خالد الضاهر.
السعودية تدفع لبنان إلى اضطراب سياسي
أظهرت الإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية أمس، متبوعة بإجراءات لدول خليجية أخرى منها الإمارات والبحرين أن هناك سياقاً مقرراً سلفاً يسير بخطى تتابعية وبموجب أجندة، شكلت عودة الحريري من حيث التوقيت وخطابه في «البيل» إحدى حلقاته، وتجدد الهجوم على حزب الله حلقة أخرى تضاف إلى استحضار مواقف لبنان في الجامعة العربية ومؤتمر التعاون الإسلامي، ورمي الوزير أشرف ريفي استقالته في وجه الحريري وتياره السياسي حلقة جديدة، وإن كان ريفي قد افتعل هذا الأمر أملاً بإحراج الحريري وفريقه الوزاري ومزايداً عليهم من الزاوية السعودية والجرأة على اتخاذ الموقف.
ويشكل موقف السجود أمام الوالي بالشكل الذي شهدناه في حملة التواقيع لأصحاب البيت وأهله ثم انتقالهم جميعاً في اليوم الثاني أمس إلى السفارة السعودية لتكرار منظومة الركوع لصاحب العطايا والمكرمات على حساب الكرامات، إضافة إلى المؤتمرات الصحافية المتدحرجة واحداً تلو الآخر متسابقين لكسب ودّ ملك أو ولي عهد، كلّ ذلك يظهر أنّ السعوديين قرّروا أن يدفعوا بلبنان إلى لحظة اضطراب سياسي، مقرّرين سلفاً مع حلفائهم في لبنان رمي المسؤولية والنتائج المترتبة والتي تسلّط فيها مجموعة من السيوف: من طرد اللبنانيين من جنات الخليج إلى سحب الودائع، التي يقول البعض إنها سُحبت، يُراد للتبعات هذه أن ترمى سلفاً على حزب الله وحلفائه كنتيجة لسياسات الحزب تجاه المملكة ظاهراً، لكنها تعبّر عن الوجع من التأثير العميق الذي يُحدثه وجود الحزب على الساحة السورية.
وفي السياق، اعتبر السفير السعودي لدى لبنان علي عواض عسيري أنّ «التحركات في السفارة تؤكّد أنّ بعض التصريحات لا تعبّر عن لبنان الذي نعرفه»، مؤكّداً أنّ «السعودية تحرص كلّ الحرص على لبنان وأمنه واستقراره». وأشار عسيري خلال استقباله وفوداً متضامنة معه أبرزها الوزير اشرف ريفي والنائبان خالد الضاهر ومعين المرعبي ووفد من تيار المستقبل برئاسة أمينه العام احمد الحريري، إلى أنّ «لبنان أقوى مما يُحاك ضده»، آسفاً إلى «أنّ هناك شريحة تؤذي لبنان كما ادّعى».
ووجّه ريفي من مقرّ السفارة السعودية اعتذاراً كبيراً إلى المملكة على خطأ وزير خارجيتنا»، لافتاً إلى أن «الأمور أصبحت في مكان غير مقبول ونعتذر عما قام به بعض المرتهنين منا». وكشف ريفي أنه كان من المفترض أن يستقيل معه وزير الداخلية نهاد المشنوق نظراً لاتفاق الرياض، لكنه لم يفعل ولم أعرف الأسباب».
في المقابل ردّ المشنوق عبر تويتر فقال: «طرحت في اجتماع الرياض الاستقالة من الحكومة والخروج من الحوار في حضور الصديق ريفي والنائب فتفت والرئيسين الحريري والسنيورة. وكانت توجيهات الرئيس الحريري ألا نقوم بأي خطوة تُحرج الرئيس بري ووليد بك جنبلاط. ولاحقاً طلب منا الرئيس الحريري تأجيل الخطوات، أنا والصديق الوزير ريفي وهذا ما حدث. وأترك للرئيس الحريري خيار نشر وقائع الاجتماع، باعتبار كنا في منزله».
هل ينفجر الوضع الأمني؟
وتؤكد مصادر مطلعة لـ«البناء» أنّ السعودية أخذت قراراً بتفجير الوضع في لبنان، وقد تبلّغ معنيون بالوضع الأمني من بعض السفراء نية السعودية بذلك». وإذ لفتت إلى أن المخطط يقوم على افتعال توترات في المناطق ذات العيش المشترك أو التماس»، شدّدت المصادر على أن التفجير الأمني بالشكل الذي تريده السعودية غير قابل للتطبيق، لافتة إلى أنه لن يكون في مقدورها أن تلعب بورقة عرسال مجدداً، فالتنسيق القائم بين الجيش والمقاومة كافٍ ليقطع الطريق على المجموعات الإرهابية». ولم تستبعد المصادر استقالة الحكومة في ضوء النية لدى تيار المستقبل في الاستقالة التي يتريث بها الرئيس الحريري حالياً لعدم إحراج الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط، لكنها في الوقت نفسه رأت أن «استقالة الحكومة ستؤدي إلى إعادة النظر بأمور كثيرة لا سيما أن هذه الحكومة هي خط الدفاع الأخير عن اتفاق الطائف»، مذكرة بـ»البيان الذي صدر عن مجلس الوزراء أول أمس والذي كان أشبه بالبيان الوزاري للحكومي وبموافقة وزراء 14 آذار».
وقف المساعدات للجيش أدنى الآثار
وتؤكد مصادر وزارية في 14 آذار لـ«البناء» أن الأمور خرجت عن المألوف في السعودية، وهي في حالة توتر في أكثر من مكان فهي تواجه منظومة قوية جداً، ولأول مرة منذ سنوات طويلة تخرج قواتها البرية من حدودها وتتعرّض أراضيها للقصف». وأشارت المصادر إلى أن التصعيد السعودي على لبنان لا يبشر بالخير، وربما يكون وقف المساعدات للجيش أدنى الآثار وأقلها شأناً»، مبدية تخوفاً على «اللبنانيين المتواجدين في الخليج والذين يعيشون بقلق، وعلى الاقتصاد اللبناني القائم على الاغتراب الخليجي الذي يدخل إلى لبنان وحده 6 مليارات ونصف المليار من أصل 7 مليارات، لا سيما أن القوة الحقيقية لأي بلد هي في اقتصاده».
بري: لا مصلحة إطلاقاً بخلاف مع أي دولة عربية
في المقابل، أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي حلّ ضيف شرف في جلسة موسعة للجنة الشؤون الخارجية للبرلمان الأوروبي في بروكسل، أن السعودية هي دولة عربية، ونحن أيضاً دولة عربية، وليس هناك من مصلحة على الإطلاق في أن يكون هناك خلاف بين لبنان وأي دولة عربية، وما حصل هو نتيجة معادلات سواء في سوريا او العراق. نحن لدينا في لبنان أطراف وأحزاب ونتمتع بحرية الرأي، وما حصل أن السعودية تأثرت وأوقفت الهبة، وقد جرت معالجة الأمر في الحكومة وخرجنا بصيغة واحدة لتلافي أي خلاف مع أي بلد عربي، فنحن بلد عربي ونؤكد هذا الموضوع». ولفت إلى «أن الحكومة ستبقى وهي استطاعت حيال موضوع حساس أن تقف موقفاً موحداً، ولا يوجد خطر إيقافها».
فنيش: للقرار السعودي تداعيات
رأى وزير التنمية الإدارية محمد فنيش أن أحد الأطراف المشاركة في الحكومة يسعى إلى إدخال البلد في حالة الفراغ الشامل الذي يُضاف إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، وبالتالي التفريط باستمرارية الحكومة للوصول إلى الشلل والمزيد من الأضرار بمصالح اللبنانيين والبلد، معتبراً في حديث إلى وكالة «أخبار اليوم» أن للقرار السعودي بسحب الهبة إلى الجيش والقوى الأمنية، تداعيات تصل إلى الوضع المعيشي والأمني والاقتصادي، كما له مفاعيل على الوضع من الدول المجاورة، وتحديداً بالنسبة إلى التيارات التكفيرية والإرهابية التي تسعى للعودة إلى الوصول إلى موطأ قدم ومكان معيّن عند الحدود اللبنانية.
وعبّر تكتل التغيير والإصلاح عن أسفه حول التهجم على موقف وزير الخارجية جبران باسيل، مشيراً إلى أن موقف باسيل كان واضحاً لجهة التضامن مع السعودية، وهو عبّر عن سياسة الحكومة. وأوضح الوزير السابق سليم جريصاتي بعد اجتماع التكتل الأسبوعي أن لبنان مؤسس في جامعة الدول العربية، طالباً عدم المزايدة على التكتل بحرصه على العلاقات مع السعودية ودول الخليج. وقال: «حرصنا يقابله حرص هذه الدول على لبنان، وأن مفهوم التضامن يكون متبادلاً بين الدول»، متمنياً الخروج عن «السجالات الإعلامية والمزايدات الفارغة».
ورغم السجال السياسي الحاصل بين تيار المستقبل وحزب الله والتصعيد السعودي الأخير الذي تجلّى بوقف دعم الجيش تعقد اليوم الجولة 25 من الحوار الثنائي بين حزب الله وتيار المستقبل في عين التينة. وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن «هذا الحوار سيبقى بمنأى عن المستجدات السياسية لما له من أهمية تفوق أهمية الحوار الوطني لجهة تخفيف الاحتقان». وأشارت المصادر إلى أن الفريقين سيبحثان اليوم في الموقف السعودي وسيجددان تأكيد دعم الحكومة وتفعيل عمل المؤسسات».
الوفد اللبناني بدأ لقاءاته في نيويورك
إلى ذلك، بدأ الوفد النيابي اللبناني، الذي يضم النواب: ياسين جابر، محمد قباني، روبير فاضل، باسم الشاب، آلان عون ومستشار رئيس مجلس النواب بري علي حمدان، والسفير السابق أنطوان شديد، زيارته الرسمية لواشنطن بتكليف من الرئيس بري للقاء المسؤولين الأميركيين في الإدارة والكونغرس الأميركي لعرض التحديات التي يواجهها لبنان في معركته ضد الإرهاب، وتداعيات الأزمة السورية في ما يخصّ موضوع النازحين السوريين، ومناقشة الضغوط المالية ومضاعفاتها على الاقتصاد اللبناني.
واستهلّ الوفد لقاءاته بلقاء مساعدة وزير الخارجية لشؤون اللاجئين آن ريتشارد، ومديري مجلس الأمن القومي المسؤولين عن منطقة الشرق الأدنى ومكافحة الإرهاب والشؤون الاقتصادية، وجرت مناقشة مهمة الوفد والوضع اللبناني في ظل التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة، لا سيما الأزمة السورية. ويتابع الوفد زيارته التي تستمر حتى يوم الجمعة المقبل بلقاءات في وزارتَيْ الدفاع والخزينة وفي الكونغرس الأميركي.
وأكدت مصادر نيابية مشاركة ضمن الوفد أن «الإدارة الأميركية لن تتخذ أي قرار يؤثر على الاستقرار في لبنان ولا سيما استقرار القطاع المصرفي»، وأن «ما سمعناه خلال لقاءات اليوم الأول إيجابي ويبشر بأجواء جيدة».
لجنة النفايات تجتمع اليوم
إلى ذلك تعقد اللجنة المكلفة ملف النفايات اجتماعاً لها عصر اليوم في السراي الحكومية للبحث في أزمة النفايات بعد فشل عملية الترحيل. وأكدت مصادر وزارية لـ»البناء» «أن لا حل إلا عبر إيجاد مطامر للنفايات في السلسلة الشرقية وسرار والكوستا برافا»، مشيرة إلى أن «مطمر الناعمة يمكنه أن يستوعب نفايات لفترة شهر واستخدام 10 من مساحة مكب «برج حمود»، واعتبرت أنه مجرد توافق المكونات السياسية بالعودة إلى المطامر والمحارق التي لا تستغرق وقتاً للتنفيذ».
2016-02-24 | عدد القراءات 3108