كتب المحرّر السياسي
قبل أن تحتفل السعودية بقرار تصنيف حزب الله إرهابياً على مستوى وزراء الداخلية العرب سقط القرار، فالإجماع شرط من شروط القرارات العربية، سواء في القمم أو على مستوى الوزراء، وإذا كان الاحتيال على الانسحاب العراقي من الاجتماع اعتبر غياباً، والاعتراض اللبناني اعتبر تحفظاً، فمع الإعلان الرسمي لكلّ من وزيرَيْ خارجية تونس والجزائر عدم التزام حكومتي بلديهما بالقرار لتناقضه مع ثوابت البلدين والحكومتين، وصولاً لإشادة الجزائر بالمقاومة، وحصر تونس البيان بكونه بياناً، ورفضها أن يكون لوزراء الداخلية صلاحية يحتكرها رؤساء الدول ووزراء خارجيتها، يسقط القرار، ويستعيد الموقفان العراقي واللبناني مكانهما الطبيعي ليصير رفض أربع دول كافياً لنسف القرار، فكيف إذا كان معلوماً أن ليس بين المؤيدين مَن سيلتزم سوى جيبوتي والبحرين؟
تداعيات القرار كانت شلالاً من الاستنكارات التي عمّت الشارع العربي وقواه الوطنية والقومية والإسلامية وشخصياته الثقافية، وفي لبنان كان البارز الإجماع السياسي على رفض التصنيف، حتى من الذين يرفضون ما يسمّونه تصرّفات حزب الله، لكن الأبرز كان ما صدر عن النائب سليمان فرنجية كمرشح رئاسي يتبنّى ترشيحه تيار المستقبل، وكان هو المبادر إليه، وبالرغم من علاقة تيار المستقبل بالسعودية، وحاجته لدعم سعودي للترشيح ليواصل السير به، حسم فرنجية موقفه من التصعيد السعودي ضدّ حزب الله، مغرّداً أنّ الحزب هو مقاومة يعتزّ بها ويفتخر كلّ لبناني وكلّ عربي، واضعاً ترشيحه عملياً تحت سقف التمسك بثوابته السياسية وفي مقدّمتها الدفاع عن المقاومة، تاركاً لتيار المستقبل والسعودية اتخاذ الموقف الذي يناسبهم تجاه ترشيحه ودعمه.
لبنانياً، مع الانشغال بكيفية الجمع بين مساعي التقارب والتهدئة والحوار من جهة، والتأثيرات التي يتركها التصعيد السعودي من جهة أخرى، تقدّم الملف الحكومي من باب أزمة النفايات التي بلغت بعد الترحيل عتبة المطامر، ووعود بحلول سريعة، وصولاً لتهديد رئيس الحكومة بجعل الخميس المقبل حداً فاصلاً في حياة الحكومة، إذا فشلت في إنهاء الملف وحسم السير بالمطامر بإجماع قالت مصادر وزارية إنها صارت شبه محققة وأنّ التعاون بين الأطراف يسير بشكل إيجابي ويبشر بقرب الإنجاز.
الحكومة تجاوزت تداعيات القرار الخليجي
حسم رئيس الحكومة تمام سلام الجدل في ما يتعلق بقرارات مجلس التعاون الخليجي ومجلس وزراء الداخلية العرب، بالتمسك بمضمون البيان الوزاري للحكومة، بعدما استطاع مجلس الوزراء في جلسته أمس، تجاوز تداعيات القرارين رغم النقاشات الحادة التي تخللتها الجلسة بين الوزراء حول هذا الموضوع، الذي استحوذ على النقاشات طيلة اجتماع الجلسة.
وشهدت الجلسة، بحسب ما علمت «البناء»، سجالاً بين وزراء حزب الله ووزراء تيار المستقبل حول هذا الأمر، كما شهدت نقاشاً مستفيضاً بين معظم الوزراء وتم التوافق على تبني البيان الذي عبّرت عنه الحكومة في جلستها السابقة، أي التزام لبنان بالإجماع العربي، كما تم التوافق بين سلام والوزراء على عدم تطرقهم لهذا الموضوع في وسائل الإعلام لكي لا يتعقد الموضوع أكثر مع دول الخليج».
وأشار وزير العمل سجعان قزي لـ«البناء» إلى أن «حزب الله حزب موجود ومكوّن لبناني على رغم الخلاف السياسي معه، ولا شأن لنا بما صدر عن مجلس التعاون الخليجي ومجلس وزراء الداخلية العرب ونحن علينا أن نرى مع حزب الله كيف نستطيع مواجهة المشكلة وحلها اليوم بين لبنان ودول الخليج، وليست المسألة إذا كان حزب الله إرهابياً أم لا، بل المسألة أين هي مصلحة لبنان؟».
الخليج يتجه نحو الإفلاس
وطمأنت مصادر وزارية لـ«البناء» أن «الأمور في لبنان مضبوطة وأن الرئيس سلام لن يستقيل لأن الحكومة هي المؤسسة الوحيدة القادرة على تأمين حدٍ أدنى من الأمن والاستقرار»، وأوضحت المصادر أن «الإجراءات السعودية بحق لبنان لا سيما اللبنانيين العاملين في المملكة يمكن أن لا تكون أبعادها سياسية بقدر ما هي اقتصادية، لأن الخليج يتجه نحو الإفلاس».
الجلسة لم تتطرّق إلى ملف النفايات
إلى ذلك علمت «البناء» من مصدر وزاري في تكتل التغيير والإصلاح أن «الجلسة لم تتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى ملف النفايات، رغم إشاعة عدد من الوزراء بعد خروجهم من الجلسة، أن الاجتماع بحث في خطة المطامر في محاولة لإيهام الرأي العام بأن الحكومة تطرقت إلى هذا الملف». وادعت مصادر وزارية في 14 آذار أن «الخطة ستكون جاهزة خلال يومين أو ثلاثة وأن اللجنة المكلفة قطعت 75 في المئة من طريق الحل، وتم تأمين 3 مطامر ويتم العمل لإيجاد المطمر الرابع».
وقالت لـ«البناء» في سياق إيهام الرأي العام إنه «إذا لم تتوصل اللجنة إلى حل، فعندها لا مبرر لبقاء الحكومة لأن سلام لن يتفرّج على كارثة النفايات التي ستتفاقم قريباً علّ الاستقالة تشكل وسيلة ضغط على القوى السياسية التي تريد للحكومة أن تبقى وبالتالي تؤمن التغطية السياسية الكاملة لسلام وتعمل على تسهيل إيجاد المطامر».
وتحدثت المصادر عن مرونة لدى وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي ووزير حزب الطاشناق في الجلسة على صعيد الموافقة على خطة المطامر»، ولفتت إلى أن «اتفاقاً جرى بين حزب الله والنائب طلال أرسلان لنقل نفايات الضاحية والشويفات إلى مطمر «الكوستابرافا» ووافق حزب الطاشناق على نقل نفايات المتن إلى مطمر برج حمود، كما وافق التيار الوطني الحر على مطمر في كسروان، ويجري العمل مع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط على نقل نفايات بيروت إما إلى الشمال أو إيجاد مطمر في بيروت أو إقناع النائب جنبلاط لنقلها إلى مطمر الكجك في إقليم الخروب، كما يقوم الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل بمساعٍ حثيثة لإعادة فتح مطمر سرار في عكار».
ونقلت مصادر وزارية عن سلام قوله إن اللجنة الوزارية المختصة بمعالجة ملف النفايات الصلبة، حققت تقدّماً في عملها وقطعت ثلاثة أرباع الطريق نحو الحل المرحلي المتمثل بالمطامر، معرباً عن أمله في التوصل خلال أيام إلى تسوية لهذه المشكلة.
لمّ النفايات أم لمّ الحكومة؟
ولفتت مصادر وزارية أخرى لـ«البناء» أن اللمسات الأخيرة وضعت على خطة المطامر، لكنها أعربت عن مخاوفها من ربع الساعة الأخير، وحذرت من أنه «إذا لم يحلّ ملف النفايات حتى يوم الخميس المقبل فسلام سيقدم استقالته». وأضافت: «إذا كان التأخير تقنياً، فالمفروض أن يخرج الحل خلال أيام قليلة، أما إذا كان التأخير سياسياً فيعني لا حل وبدلاً من لمّ النفايات نلمّ الحكومة».
الحريري: لن أتنازل أكثر
في غضون ذلك، وفي الشأن الرئاسي جدّد الرئيس سعد الحريري، بحسب ما نقل عنه زواره لـ«البناء» أنه «متمسك بدعم ترشيح فرنجية»، لافتاً إلى أنه «لا يستطيع أن يتنازل أكثر من ذلك»، قائلاً: «لدي جمهوري وقاعدتي الشعبية التي لن تتقبل المزيد من التنازلات وهذا هو الخيار الوحيد».
ومساء أمس، التقى الحريري في «بيت الوسط» رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، في حضور السيد نادر الحريري، وعرض معه الأوضاع السياسية الراهنة. ويزور الحريري اليوم البقاع حيث سيلتقي وفوداً شعبية وعدداً من الفعاليات البقاعية.
بقرادونيان: بحثنا مع الحريري الانتخابات البلدية
وأكد رئيس حزب الطاشناق أغوب بقرادونيان لـ«البناء» أن «لقاءه مع الحريري هو اللقاء الأول منذ العام 2011»، مشيراً إلى أن «البحث تناول ملف البلديات، حيث أكد الحريري ضرورة الاستعداد لإجراء الانتخابات وأكد أن القنوات مفتوحة مع الطاشناق لتمرير الاستحقاق خاصة في بيروت وأنه سيبذل جهوده لتأمين المناصفة في بلدية بيروت».
ولفت بقرادونيان إلى أن «رئاسة الجمهورية غير ناضجة»، ولذلك أشار بعد خروجه من بيت الوسط بأنه «إذا وصل عدد النواب إلى 84 نائباً فإنني والنائب أرتور نظاريان سنكمل النصاب ليصل إلى 86 نائباً».
ورداً على سؤال عن إعادة العمل بمطمر برج حمود، لفت إلى «أننا لم نوافق بعد على فتحه، فنحن أبدينا استعداداً لتلقي اقتراحات جديدة بدءاً من مشروع المطمر وشمولية الحل والحوافز، لكن حتى الساعة لم يصلنا شيء من هذه الاقتراحات».
فرنجية: حزب الله مقاومة رفعت رأس لبنان والعرب
وتوالت المواقف الداخلية الشاجبة والمستنكرة للقرار الخليجي ضد حزب الله من جهات سياسية متعددة، فأعرب رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية عبر «تويتر»، عن أسفه أن تُرجَم المقاومة التي ترفع رأس لبنان والعرب من بيت أبيها ما يُرضي عدونا الوحيد إسرائيل».
الوفاء للمقاومة: لن يثنينا عن إدانة النظام السعودي
ووصفت كتلة الوفاء للمقاومة في بيان القرار بأنه «قرار طائش وعدواني»، محمّلة النظام السعودي مسؤولية صدوره وتبعاته، كما لفتت الكتلة إلى أن هذا القرار «يتلاقى مع توصيف العدو لحزب الله».
وشددت على أن «هذا القرار لن يثنينا عن إدانة ما يرتكبه النظام السعودي من جرائم وانتهاكات في اليمن وتمويل وتسليح ودعم جماعات الإرهاب التكفيري في العراق وسورية وتواصل وتنسيق مع العدو الصهيوني الغاصب لفلسطين المحتلة».
وأعربت في الوقت ذاته عن ارتياحها لاعتراض وزير الداخلية اللبناني على هذا الوصف التزامًا بموقف الحكومة اللبنانية، كما سجلت تقديرها لاعتراض كل من العراق والجزائر على قرار مجلس وزراء الداخلية العرب.
وفي الشأن الرئاسي والحكومي، رأت الكتلة أن «الإخفاق بتأمين النصاب لجلسة انتخاب الرئيس، يؤكد الحاجة إلى مقاربة واقعية تحقق إنجاز هذا الاستحقاق بدل المناورات الفاشلة باسم الديمقراطية».
«القومي»: حزب الله قوّة مقاومة
واعتبر الحزب السوري القومي الاجتماعي في بيان أن «وصم حزب الله بالإرهاب اتهام لكلّ قوى المقاومة في بلادنا، فحزب الله شكّل بمقاومته قوة تحرير للأرض، وقوة ردع في مواجهة العدو الصهيوني، وكلّ قوى المقاومة في أمتنا معنيّة بالدفاع عن خياراتها ومواصلة مقاومتها الاحتلال والإرهاب ومشاريع التفتيت والهيمنة، دفاعاً عن أرضنا ووجودنا، وصوناً لحقنا ووحدتنا واستقرارنا».
وأشار إلى أنه «ما هو مستغرَب ومستهجَن أن يصدر هذا الاتهام عن دول خليجية وعربية، نتطلّع إليها دولاً معنيّة بتحمّل مسؤولياتها في دعم المقاومة في لبنان وفلسطين في مواجهة العدو الصهيوني وفي مواجهة قوى الإرهاب والتطرّف التي تمارس القتل خدمةً للعدو الصهيوني».
وطالب الحزب الحكومة اللبنانية بـ«التحرك الفوري والعاجل وعلى كلّ المستويات، لمواجهة الاتهامات التي تطال حزب الله ومقاومته التي حرّرت لبنان، والتي هي ركن أساسي من أركان الصمود والكرامة والعنفوان المتمثّلة بثالوث الجيش والشعب والمقاومة».
وسألت وزيرة المهجرين أليس شبطيني «هؤلاء إخوتنا في الوطن. هل من المعقول شتمهم»؟.
السعودية تتفهّم موقف «المستقبل»
وأوضحت مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ«البناء» أن «ما يهم التيار هو الحفاظ على أفضل العلاقات مع دول الخليج ومع السعودية وسواها، لكن هناك معطيات ووقائع في لبنان لا يمكننا تجاوزها، فحزب الله موجود في الحكومة وفي المجلس النيابي، وهذا خارج عن قرارنا ونقبل بهذا الواقع».
ولفتت إلى أن «السعودية تتفهم موقف المستقبل وهي تريد منه أن يستنكر أي اعتداء على المملكة إن كان بالموقف الإعلامي والسياسي او بالاعتداء على سفارة وقنصلية المملكة في إيران، كما يقدر المستقبل للمملكة مساعدتها للبنان على الصعد كافة، لكن هو ملتزم الموقف الذي عبر عنه وزير الداخلية نهاد المشنوق في اجتماع مجلس وزراء الداخلية الذي وافق على مضمون القرار الخليجي وتحفظ على تصنيف حزب الله بالإرهابي»، ورجّحت المصادر أن يكون موقف المشنوق منسقاً مع الحريري وسلام».
الوفد النيابي إلى واشنطن في عين التينة
على صعيد آخر، التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، الوفد النيابي الذي كلفه بزيارة واشنطن لشرح الموقف اللبناني من التدابير والإجراءات المالية الأميركية وتداعياتها على لبنان.
وأكد النائب ياسين جابر «أن الزيارة كانت ناجحة بكل المقاييس وأن التواصل مع الكونغرس الأميركي سيستمر وستوضع خطة لأجل تفعيل هذه العلاقة من خلال دعوات توجه إلى نواب أميركيين لزيارة لبنان وقيام وفود نيابية لبنانية أيضاً بزيارات للولايات المتحدة».
ونقل عضو الوفد النائب محمد قباني عن بري ارتياحه الكبير لزيارة الوفد والنتائج التي توصل إليها في واشنطن، وقال قباني لـ«البناء» أن «بري يريد أن يكون العمل مستمراً وأن يتحول الوفد إلى لجنة صداقة لبنانية – أميركية لتنسيق العلاقة وتوطيدها والعمل على حل أي مشكلة تعترضها وأن بري يفضل اعتماد هذه الطريقة البرلمانية الدبلوماسية التي هي أفضل الطرق للبنان لإقامة علاقة جيدة ومصالح متبادلة مع أميركا».
ونفى قباني فرض أي عقوبات أميركية على لبنان، مؤكداً أن «الولايات المتحدة لا تستهدف المصارف اللبنانية ولا حزب الله ولا طائفة معنية، بل لديها بعض الإجراءات وبعض الأشخاص الذين لهم علاقة بالإرهاب ومطلوب من لبنان التعاون في هذا المجال ومعالجة أي مخالفة».
http://www.al-binaa.com/?article=101182
2016-03-04 | عدد القراءات 2527