في هذه الحلقة سنكون في قراءة للمشهدين السوري واللبناني فيها الكثير من التداخل وارتباطهما مباشرة بالموقف السعودي وتطوراته فنحن أمام مرحلة متقدمة من الهستيريا السعودية والعجز عن تقبل الحقائق والوقائع من جهة لكننا أمام محاولة انخراط سعودية في الحل السياسي في سورية من جهة أخرى ، الموقف الروسي والحديث عن الفدرالية ومحاولة تفسير هذا الموقف وبناء استنتاجات عليه اين يمكن أن نضعها ؟ وهل يمكن أن يثير مخاوفنا من مخاطر عودة التقسيم مرة أخرى؟ ، هل هنالك تفاهم روسي أمريكي على صيغة ما تمنح الأكراد وضعية ضمن فدرالية في سورية وتهدد وحدة سورية السياسية إن لم تهدد وحدتها الترابية ؟ هذه الأسئلة يجري تداولها ومعها الانتخابات في سورية والموقف الروسي منها الانتقادي الذي يقول أن الأفضل والأمثل كان أن تنتظر الانتخابات صيغة الحل السياسي مقابل إصرار الدولة السورية على إجراءها في موعدها كاستحقاق دستوري من جهة ، وكيفية التعامل معها على مستوى الشارع والنخب والقوى السياسية من جهة أخرى . وفي لبنان تصنيف حزب الله إرهابا ليس فقط على مستوى التعاون الخليجي بل على مستوى وزراء الداخلية العرب ، الأصداء والأفعال والتحليل والتفسير والخلفيات فأين يمكن أن يصل هذا وكيف نقرأه وفي أي سياق يمكن أن نضعه وما هي الاستنتاجات التي يمكن أن نبنيها ، والتطورات التي رافقت هذا التصنيف لبنانيا أو عربيا وما يمكن أن يحدث على الساحة الدولية ؟
هنالك مجموعة من النقاط التالية :النقطة الاولى : الفدرالية وروسيا ، النقطة الثانية : الانتخابات ، النقطة الثالثة : قراءة المشهد السوري في ضوء الاستعداد لجلسة جنيف القادمة وفي ضوءها نقرأ الانكفاء السعودي من الساحة السورية والتركيز السعودي على الساحة اللبنانية
النقطة الاولى : الفدرالية وروسيا أنا لست من مؤيدها على الإطلاق، و الفدرالية هي صيغة لحكم ذاتي لمجموعة من الولايات تكون لها مجالسها المنتخبة وحكوماتها لكن لا صلاحية لهذه الحكومات في ما يتعلق بالسياسة الخارجية والسياسة الدفاعية وبالأمن وخصوصا البعد الأمن السياسي الاستخباري لا علاقة لها بالثروات الأرضية والجوف أرضية أي النفط والغاز والمعادن والمواد الخام وهذه كلها تكون من صلاحية الدولة المركزية لا علاقة لها بالجمارك أي الجباية على الحدود وهذه تكون من صلاحية السلطة الفدرالية ، وهذا هو الوضع في أمريكا على سبيل المثال ، وأيضا في روسيا الاتحادية وعموما يكون فيه النظام رئاسيا أي يكون الرئيس المنتخب للدولة كلها هو صاحب السلطة الفدرالية العليا يشكل فريقه المعاون يسمى حكومة أو لا يسمى حكومة حسب بعض الدساتير في أمريكا لا يسمى حكومة يسموا وزراء لكنهم بدون رئيس حكومة يتبعون للرئيس مباشرة ، ولكن في روسيا حكومة ورئيس حكومة في صيغة معينة ، فروسيا عندما تقترح الفدرالية في سورية ربما بالنسبة لها أنها صيغة جيدة أو طيبة لأنه ما يعني روسيا في نهاية المطاف هو هذه العناصر ، أي الذين يفترضون أن طرح روسيا للفدرالية ينطلق من أن ما يعنيها هو أن تكون لديها دولة صديقة على الحدود السورية التركية للأكراد وولاية صديقة هي الولاية الساحلية وان هذين هما البعدين الذين يعنيان روسيا حسب ما كتبت بعض التحليلات فهذا منافي للحقيقة لهذين الولايتين ، فصلاحية الحكومة في الصيغة الفدرالية لا تعني شيئا هي صلاحيات إدارة طرق وخدمات عامة ومرافق ومستشفيات وتعليم ولا قدرة لها على توقيع اتفاقية خارجية ولا على إقامة اتفاق دفاعي امني ولا السيطرة على منابع النفط أو على العقود وصفقات الغار سواء في المياه الإقليمية أو في الأراضي السورية الداخلية وفي جوف الأرض، وبالتالي إذا كان في لعبة المصالح ما يعني روسيا هو النفط والغاز وإذا كان في لعبة الأمن والجيوش والانتشار العسكري ما يعنيها هو السلطة الدفاعية وببعد العلاقة السياسية ما يعنيها هو رسم الدبلوماسية فهذه كله خارج نطاق سلطة الولايات أي ولاية الشمال أو الغرب لن يكون إذا كانت هذه الصيغة التي تعتمد لسورية المستقبل فهذا لا يفيد روسيا ، بالإضافة إلى انه عندما تنشأ أنواع من الولايات على أساس عرقي أو اثني أو ديني المنطقي والطبيعي أن علاقاتها الخارجية إذا كان لها تأثر أو نفوذ أو ارتباط تبدأ تدريجا بان ينحو نحو الجهة المماثلة على المستوى الاثني أو العرقي أو الديني أي نشوء ولاية كردية في شمال سورية مهما طال الزمن سيتبع للولاية الكردية الأكبر سواء في تركيا أو في العراق ، ولاية ساحلية في سوريا أي قاعدتها طائفية الطائفة العلوية الشيعية بصورة أو بأخرى ستكون اقرب إلى إيران منه إلى روسيا فلا مصلحة لروسيا بهذا أبدا ، قد تستسيغ روسيا الشق الأخر من الفدرالية وهو أن تتفادى النقاش على رئيس جمهورية وحكومة وتوزع الصلاحيات الدولة المركزية فهناك من يدعو إلى المركزية في سورية لكن على الطريقة الفرنسية والبعض يقول على الطريقة اللبنانية والبعض يقول بمعنى نزع جزء من صلاحيات رئاسة الجمهورية لمجلس الوزراء ومجلس الوزراء يتشكل بصورة جامعة للمكونات فهذا يضعف بعض الصلاحيات الرئاسية في مجالات الدفاع والخارجية وإدارة الثروة النفطية ، فهذه المقاربة تشير إلى أن الروسي يرفضها لكنه يطرحها مناورة ، وهذا بالتأكيد لا يعني على الإطلاق مصلحة روسية بعلاقة مع دويلات داخل الدولة الفدرالية ....فنحن لا يمكن أن نقبلها لأننا نعرف الفارق الجوهري بين مجموعات منقسمة تجتمع في قلب دولة فدرالية وبين دولة موحدة مركزية ،
وهذه خطوة خطيرة عندما يجري طرحها في سورية وليست خطوة مرحب بها على الاطلاق ومرفوضة رفضا تاما من قبل كل الحريصين والمتمسكين بوحدة سورية كقاعدة لوحدة دول المنطقة ، فالتقسيم غير وارد لدى الروسي أو الأمريكي ، عند الأمريكي التقسيم في سورية غير وارد لان تقسيم سورية مع التخلخل في وحدة العراق لا يمكن أن يكون إلا بقلب تقسيم سورية والعراق وهذا سيعني أمرين: الأول في بحكم التشابه في التكوين ، أي عندما تكون في لون واحد ستكون السيادة المائية حصريا في يد إيران فلا يبقى مكان للأساطيل الأمريكية ، بالإضافة إلى النفط الذي سيخرج من الخليج سيكون في يد إيران وحلفاءها ، وبالتالي يكون نفط وامن المتوسط والخليج بيد إيران ، وروسيا أيضا ستخسر بالتقسيم بالنفوذ ولن يكون لها مكان ، وبالتالي امن إسرائيل لن يكون له مكان أو مرجع آمن وضامن وصيغة لتنظيمه ، ففكرة التقسيم غير رابحة أو واردة للجميع ، فلماذا روسيا تطرح الفدرالية ؟ المشهد في سورية انه يوجد قوة عابرة بكل المكونات تمثلها الدولة بكل أطيافها وبخياراتها السياسية الواحدة ويوجد المسألة الكردية المعينة تحتاج إلى حلحلة فهذه المسألة لا تشكل الحجم الذي يتيح الحديث عن تقسيم ، فلو كان هنالك نية دولية وخصوصا روسيا بقبول صيغة خصوصية عالية الدرجة للأكراد لأصبح القبول الروسي بأن يكون للبشمركة عنوان هذا ، الروسي يقدم العنوان الذي يقول لا غنى عن مشاركة الأكراد لان هنالك قضية كردية ومن خلاله يرى مدخل حول الفدرالية كصيغة دستورية يمكن أن تكون مناسبة لسورية فالروسي يناور سياسيا لكن لا يطرح شيء يرفضه لكن ليست قضيته أو معركته ، فسورية ليست أداة . صيغة الفدرالية ليست طرحا موفقا ولكن لا تشكل خطر فالروسي طرحها للتمهيد لكسر احتكار جماعة الرياض لمعادلة التفاوض وزج القضية الكردية لتبرير حتمية مشاركة لجان الحماية الكردية في المفاوضات المقبلة . أما بالنسبة للانتخابات فالروسي كان يريد أن تجري ضمن إطار العملية السياسية وفي قلب التفاهم على إجراء الانتخابات ولكن لدى سورية استحقاق دستوري ينجز في موعده ، سورية لا تستطيع أن تستغني عن طابعها السيادي والاستقلالي وهي ستمارس الاستحقاقات الدستورية في موعدها وصيغها ، العملية الانتخابية هي منبر للشرح ولتشكيل رأي عام وإنشاء تحالفات بين المرشحين في المحافظات.
في قلب العملية السياسية ورغم كل النفاق والتصعيد والكذب السعودي والحديث عن خطة ب ، الدولة السورية هي الأشد حماس لوقف النار لسببين الأول لأنها فازت في معركتها بتصنيف النصرة إرهاب ومنحها مشروعية مجلس الأمن في حربها على النصرة بالإضافة في حربها على داعش ، والسبب الثاني وضعت الجماعات المسلحة على المحك أما الذهاب مع النصرة وداعش أو الذهاب مع التفاهم مع الدولة الذي يبدأ بوقف النار ويكمل بجنيف وينتهي بحكومة تمهد لدعم الجيش في حربه على الإرهاب وصولا إلى انتخابات على قاعدة تحت ظل الرئيس بشار الأسد .
تموضع السعودي وراء الخط التي رسمته له أمريكا بالتفاهم مع إسرائيل الذي يقول أن المعركة مع حزب الله فلستم قادرين في المعركة مع سورية وإيران وروسيا فعليكم القبول أن روسيا قوة ضاربة في المنطقة وإيران قوة صاعدة في المنطقة وان سورية ذاهبة إلى حل عنوانه الرئيس الأسد .
الجنون السعودي وصل إلى وهم بمواصلة معركته فهو وصل إلى الاستحقاق بمجلس وزراء الداخلية العرب هذا الاستحقاق يدل انه بداية الفضيحة للسعودية ، فحزب الله لن ينجر إلى الفتنة في لبنان وحربه مع إسرائيل وإرهاب ، نتيجة قرار مجلس وزراء الداخلية العرب بتصنيف حزب الله إرهابا، ففي تونس تبرأت منه فهذا القرار لا يعبر عن ثوابتنا ولا يلزمنا بشي ، وأيضا الجزائر قالت أن هذا القرار مهين فحزب الله قوة مقاومة وممثل في الحكومة اللبنانية وقوة شعبية سياسية لها احترامها ، مصر قالت انه لن يتغير علاقتنا بحزب الله لا سلبا ولا إيجابا . بالتالي قبل أن تقرر المقاومة خوض المعركة انهزمت السعودية وهذا يعني بداية النهاية لهذه الزعامة التي تبخرت .
ستشهد البلاد العربية احياءات واحتفالات ليوم الأرض ولذكرى النصر والتحرير تبايع المقاومة وتندد بالتطاول عليها وتستنكر بتصنيفها إرهابا وفي الحكومات التي تورطت ستطالب الحكومات بالتراجع وبالتالي المقاومة بميزان القوى فهذا تحول كبير للمقاومة وانهزام كبيرو نهاية الحقبة للسعودية
في المسألة السورية جنيف قادم وهو المفتاح ومعه الميدان خلال الأربع شهور القادمة تتدحرج الأمور تدريجا وفي النهاية ستشكل الحكومة في نهاية حزيران وهذه الحكومة ستكون مهمتها في سورية تغطية الجيش في مواصلة الحرب فستكون عملية التنظيف العسكرية المتزامنة مع عملية الحوار السياسي ، وخلال الصيف ستكون المعركة مع داعش ، هذا الصيف الذي اجزم انه ستكون حصيلته فوز الديمقراطيين في الخريف في الانتخابات الرئاسية وهذا الفوز سيعني بدء معركة مستقبل الحكم في السعودية ، وهذا الاستعداد للملك الجديد على خلفية سقوط حكم سلمان من مستنقع اليمن إلى مستنقع سورية إلى مستنقع لبنان ستخرج السعودية لتدخل مصر .
الخماسي العربي الجديد (مصر والجزائر واليمن وسورية والعراق )هذه المنظومة العربية الجديدة الخماسية تلتقي على حرب صادقة وجدية مع الإرهاب وعلى رفض الخصومة والاشتباك مع المقاومة بل الدفاع عنها والحوار معها والانفتاح عليها وهذا بحد ذاته لنظام عربي جديد كافي ليس لصناعة الاستقرار فقط بل لصناعة ميزان قوى جديد .
2016-03-05 | عدد القراءات 3303