في هذه الحلقة سنخصصها بمناسبة مرور خمس سنوات على الربيع العربي أو ما عرف باسم الربيع العربي لتكون كشف حساب مع نتائج وتطورات هذه العاصفة التي نزلت بالبلاد العربية بدءا من تونس وانتهاء بسورية وما بينهما ليبيا ومصر واليمن ونسبيا العراق الذي دخل بالأصل بآتون العاصفة نفسها منذ عام 2003 لنرى ما إذا كانت هذه العاصفة قد حققت أهدافها .فهل بات ممكنا أن نجري معها كشف حساب ؟ وهل بات ممكنا أن نتحدث عن قرب نهايتها وعن زوال نتائجها وعن الاتجاهات التي بدأت ترسمها في واقعنا العربي الجديد !!
بداية لماذا نقوم بكشف حساب هل لمجرد مرور خمس سنوات بالتأكيد ليس هو السبب، لدينا من المعطيات التي تسمح للحديث عن كشف حساب وجاءت فرصة انه مع مرور خمس سنوات أصبح ممكنا أن نتحدث عن هذه العناصر خاصة انه منذ بداية الأزمة كنت أتحدث عن خمس سنوات وهذه العاصفة المقيمة في بلادنا هي السنوات الخمس المتبقية أمام الولايات المتحدة الأمريكية لانتقال من إستراتيجية إلى إستراتيجية التي كانت معنية خلالها أن تنشئ وضعا استراتيجيا جديدا كحد أقصى خمس سنوات لكي تقوم بإستراتيجية جديدة تحل مكان الإستراتيجية التي أدارت من خلالها سياساتها في منطقة الشرق الأوسط منذ مطلع العام 2000الى 2010 أي إستراتيجية بديلة وخلال السنوات الخمس سيجري اختبار منتج جديد (الربيع العربي ) الذي إذا تمكن من تحقيق النتائج المرجوة منه فسوف يكون هو عنوان الإستراتيجية الجديدة وإذا لم يتمكن فسوف تكون الإستراتجية الجديدة هي تلك التي رسمت في توصيات بما عرف "بيكرهاملتون" أي التموضع عند حدود القوة التي فرضها الآخرون عند حدود القوة الروسية والإيرانية والسورية وقوة المقاومة والاعتراف بها كحقائق والتأقلم معها كمعطيات غير قابلة للكسر أو لإخضاع ولابد من أخذها في الاعتبار في رسم السياسات وفي تحديد كيفية إدارة العلاقات والصراعات والتحالفات والمصالح خلال أكثر من عقد قادم .
سلم الأمريكيون إنهم اتبعوا إستراتيجية بدأت عام 2000بعنوان الغزو العسكري الإمبراطوري تجنيد وتجهيز حملات عسكرية للسيطرة على مناطق حيوية في آسيا تسمح بفرض إستراتيجية تقوم على الإخضاع والتركيع للقوى التي اعتقد الأمريكيون أنها لا تزال تشكل نتوءات متمردة على السياسات والاملاءات الأمريكية ، وحددت سورية وإيران وكان غزو أفغانستان والعراق لهذه الوظيفة ، والوظيفة أن تصبح آسيا بكاملها ممسوحة بالقبضة الأمريكية في أطرافها ، روسيا والصين دولتان معزولتان ، والملعب الاقتصادي والسياسي الاستراتيجي والعسكري بيد الولايات المتحدة الأمريكية ، البوابة العراقية الأفغانية بمكانتهما الجغرافية وموقعهما بالمصالح النفطية والسياسية تسمحان في حال نجاح الإمبراطورية العسكرية بإخضاع إيران وسورية وشطب كل أنواع الاعتراض التي مثلها المحور السوري الإيراني وحلفه مع المقاومة خلال السنوات التي مضت ما بعد الانهيار الاتحاد السوفيتي ، في الحصيلة الأمريكيين لم ينجحوا بإخضاع سورية وإيران من بوابة العراق وأفغانستان ، فلم يعد أمام الأمريكي سوى الاستسلام أمام الواقع الجديد .
الإستراتيجية الجديدة تقوم على قاعدة اسمها انه ثبت بالتجربة من خلال ما حدث بعد انتصار المقاومة في لبنان عام 2000 وبعد اندلاع الانتفاضة في فلسطين في نفس العام أن الشارع العربي شارع معاد لإسرائيل وهذا الشارع الذي اشتعل الأمريكيون والأنظمة التابعة لهم من اجل جعله شارعا إقليميا قد فشلت هذه السياسة وفجأة ظهر بان هذا الشارع ما يزال شارعا عربيا ولا تزال فلسطين تملك مخزون مرعب قادرا على استنهاض هذا الشارع في لحظة ، فما هي الهوية البديلة التي يجب أن تحل مكان الهوية العربية التي ثبت انه عندما تكون هي الهوية الحاضرة والمسيطرة المهيمنة وفلسطين هي عنوانها والمقاومة هي سندها ، فالهوية البديلة هي المذهبه فالإستراتيجية الجدية تقوم على استبدال الأقلمة بالمذهبه لإسقاط الهوية العربية الجامعة وإسقاط فلسطين وثقافة المقاومة ، ثانيا تقديم إسرائيل كصديق للسنة العرب ، ثالثا تدمير سورية الجسر الذي يربط المقاومة مع إيران ، رابعا التحالف مع القاعدة ، مرت التطورات لتقول أن سورية هي مفصل الحرب وان الحرب في سورية ستقرر النجاح أو الفشل .
خصوصية تونس أنها تشكل رأس الرمح فلها ميزتين أساسيتين : الأولى جيشها صغير ليست كسورية او العراق او مصر الجيش في هذه الدول يشكل العصب الأساسي في الدولة ، وفي تونس لديها طبقة وسطه واسعة ونقابات عريقة ، وإعلام حر وبيئة مفتوحة ، لها تاريخ متنور ويقدم الإسلام بمفهوم إنساني ، فالمشروع التي اعتمدته أمريكا في المنطقة أول اختبار له كان في تونس وذلك باستثمار الغضب الشعبي وجعله حامل للمشروع الجديد ففي تونس أعطي إشارات نجاح الربيع العربي فأكمل ومن تونس قيست درجة النجاح والفشل ،ولكن لم تنجح المذهبة بان تحل مكان الأقلمة بان تجعل شعوبنا العربية تنسى عروبتها وتتنكر لفلسطين أو تقبل الطعن بالمقاومة فموقف الحكومة المصرية الايجابي والتي تقول أن موقف الحكومة ما بعد بيان وزراء الخارجية العرب هو كما قبله لم يتغير شئ بالنسبة للسياسة المصرية ، فهي حيث تلتقي مع حزب الله لا تزال تلتقي وتختلف حيث كانت تختلف . ولكن هنالك رصد لموقفين فالشارع المصري الذي حمل الرئيس السيسي في مواجهة الإخوان المسلمين في أول مسار تصحيح للربيع العربي هو الشارع الناصري ، فالشارع العربي الذي كان الهدف منه المذهبة أي أخذه للعداء للمقاومة ورمزها السيد حسن نصر الله ، لكن حملة التحريض والتعبئة وغسل الدماغ وتشويه الصورة والشيطنة التي استمرت أعوام طوال لكنها تركزت في سنوات الربيع العربي بصفتها الإستراتيجية كاملة ومتكاملة بأدوات مخابراتية أمنية الإعلامية سياسية دبلوماسية ومالية ودينية وصلت إلى طريق مسدود والآن بدأت الصحوة المعاكسة .
التحولات التي أريد انجازها على مستوى الشارع العربي وصلت إلى فشل ذريع ، فخطة غسل دماغ الشارع العربي لإحلال المذهبة بديلا عن الأقلمة ولإسقاط العروبة وجعل الشعوب العربية تفكر بمنطق جاهلي ينطلق من عصبية مذهبية ضيقة فيرى المقاومة عدوا ويرى اسرائيا صديقا فقد قضي عليها قضاء مبرما ، ومع نهاية السنة الخامسة لانطلاق الربيع العربي انه دفن دون أن يحقق شئ من النتائج التي أرادها على مستوى الأمن القومي أي تغير وجهة العدو والصديق وتغيير طبيعة الهوية التي ننظر من خلالها الى تعريف العدو والصديق ، ففشل الربيع العربي ومن وراءه من صنعه بان يغير هويتنا من عرب الى مذاهب وان يجعلنا ننظر الى العدو والصديق بعين المذهب فنرى المقاومة عدوا ونرى إسرائيل صديقا
فهل السطوة الآن للتنظيمات المحلية المسلحة حاملة هويات مناطقها الطائفية والمذهبية ام القوة الساطية المهابة الجانب هي قوة الدولة المركزية المتعددة طائفيا ، القوة الأعظم والأضخم التي تقرر مصير الميدان العسكري هي قوة الجيش الجامع لكل ابناء البلد والمكون من كل الطوائف والعابر لكل المناطق والمحافظات ، فالدولة هي القوة المركزية التي لا تنشئ على حسابها رغم ضعفها في السيطرة على الجغرافية فما يزال المزاج الجامع هو الشعور برعب التقسيم والمذبحة الأهلية إذا ترك العنان للتقسيم على أساسها والشعور ، فالدولة المركزية بعلتها أفضل
حصيلة الربيع العربي بعد خمس سنوات هي خسران وخذلان وذل وهوان للذين ركبوا موجه والذين راهنوا عليه والذين ربطوا مصيرهم بمصيره من أحزاب وقوى وشخصيات ودول وحكومات ، وبالمقابل هي صعود وحضور وتعملق وفاعلية ونفوذ وصناعة أحداث وسياسة ، وبالنسبة للذين ربطوا مصيرهم بمصير بوصلتهم الأصلية وهي نصرة المقاومة وفلسطين ومن خلال هذه البوصلة الوقوف إلى جانب سورية وإيران والحليف الروسي في كسر الهيمنة الأمريكية في المنطقة وبالتالي كشف حساب السنوات الخمس سمح لنا بالقول ان بعد خمس سنوات من هذه الخماسين التي جلبت معها كل الأوبئة والإمراض نهضت الأمة ووقفت على قدميها وأثبتت أهليتها للحياة وأثبتت أنها قادرة على تحديد الصديق من العدو وإنها اقوي من عمليات غسل الأدمغة التي أنفقت مئات المليارات من اجل تحقيق أهدافها وأثبتت أنها لا تزال ترى إسرائيل عدوا وترى المقاومة رأس حربة وترى هويتها العربية أساسا وترى في سورية قلب العروبة النابض وترى السعودية عبء شيطاني يخرب مسار الأمة وانتصاراتها .
2016-03-08 | عدد القراءات 2829