دي ميتسورا لحلّ الخلافات بالاستفتاء... وجنبلاط يتنصّت على فرص الفدرالية من باريس

كتب المحرر السياسي

الكلام العالي السقوف للرئيس الأميركي باراك أوباما بحق حلفاء واشنطن وفي مقدمهم السعودية، وافتخاره بعدم التورط في الحرب على سوريا، بتوقيت لافت عشية انعقاد مؤتمر جنيف الخاص بالحوار السياسي، بين الحكومة السورية ووفود المعارضة، حمل رسائل كافية لجماعة الرياض لتوقف دلعها المعتاد وتحزم الأمتعة للمشاركة كما كل مرة تحت شعار «ببكي وبروح»، فلا مكان للدلع ووضع الشروط لمن لا يملك شيئاً في الميدان ولا يستند إلا لكلام وزير الخارجية السعودية عادل الجبير عن خطة بديلة للهدنة والعملية السياسية، فإذ الجبير يستند على كلام وزير الخارجية الأميركية جون كيري عن خطة «ب»، وبعد النفي الأميركي لوجود بدائل للهدنة والمسار السياسي وإنكار الحديث عن خطة «ب» صار الجبير يستند إلى أن المعارضة لن توقف القتال، فصار حال الجماعة كمن استعان بـ«عبد المعين ليعين فإذا عبد المعين يريد من يعينه». وما ينتظر جماعة الرياض في جنيف معادلة رسمها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، قوامها، الشأن السياسي وحده مطروح للبحث، وما يتفق عليه يتم حسمه، وما لا يتم حسمه بالتوافق يحمل للشعب السوري، إما كبند دستوري في الاستفتاء على الدستور الجديد، أو كمنصب سيادي في الانتخابات المقبلة، وأبلغ دي ميستورا ما سبق وقاله وسيعيد قوله وزير الخارجية الأميركية جون كيري لجماعة الرياض، لكم أن تطرحوا ما تشاؤون وأن تحاولوا التوافق عليه، ولكن عندما لا تصلون للتوافق فالقرار الأممي هو وقف الحرب والسير بالحرب على الإرهاب بمصالحة سورية سورية، وهذا يستدعي آلية ديمقراطية لحسم خلافات الحوار وليس العودة إلى القتال، والآلية الوحيدة هي قبول الانتخابات، وفي جعبة دي ميستورا وكيري تخيير جماعة الرياض بين انتخابات رئاسية مبكرة خلال ستة شهور بدلاً من حكومة موحدة في ظل الرئيس السوري يرفضونها، أو القبول بالحكومة الآن والاحتكام لصناديق الاقتراع لاحقاً، مع تقديم كل الضمانات اللازمة لانتخابات تنافسية متكافئة وسيكون على الجماعة التي تعرف هزال وضعها الشعبي أن تختار بين قبول مقعد وزاري أو الالتحاق بداعش وجبهة النصرة، أو التشقق بين هذين الخيارين.

الوضع السوري الذي يدخل الاستحقاقات الداهمة للخيار السعودي التركي، وتقترب معه ساعة الحقيقة، يدفع السعودية ومن راهن عليها للارتباك، بحثاً عن انتصارات وهمية، ومن مناخ هذا الارتباك ذهب النائب وليد جنبلاط إلى باريس ساعياً لفهم ما يجري حول سوريا، تقييم أوروبا للسلوك السعودي، ولا مانع من بعض التنصت على ما يُقال عن فرضية اعتماد الفدرالية، وما لها من تداعيات.

السعودية داورت وناورت لتمرير انتصار إعلامي في الجامعة العربية، لتسمية حزب الله بالإرهابي، بعدما لمست استحالة القدرة على السير بقرار منفصل له مفاعيل إجرائية، بسبب خشية الكثير من الحكومات العربية من ردات فعل في الشارع، وصعوبة إيراد التوصيف بدلاً من التصنيف في متن البيان الرسمي الختامي لدورة وزراء الخارجية العرب، لأن البيان سيلقى الرفض من لبنان والعراق على الأقل، ويسقط الإجماع الذي لا يصدر بدونه بيان، فكان آخر الحلول المبتكرة الاعتماد على التسلل من فقرة تخص البحرين، ويفترض بالوفود أن تقبل النص كما تصيغه الحكومة المعنية أي حكومة البحرين، وإن لم ترضَ عن النص تسج�'ل تحفظها. لكن هذا التسلل الاحتيالي لم يحل دون أن تنال السعودية نصيبها من وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري الذي قال إن مَن يصف المقاومة بالإرهاب هو الإرهابي، لتحتفل إسرائيل وحدها بالهدية العربية التي أضافت إلى جانب اسم حزب الله، وصف الإرهابي، في بيان رسمي صادر عن الجامعة العربية.

ترحيب وتفه�'م لبناني لموقف باسيل

أكد التعاطي العراقي في مؤتمر وزراء الخارجية العرب أن السعودية لا تستطيع قيادة الموقف العربي بالجملة كما تريد وبناء على حساباتها، حيث وج�'ه وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري صفعة للوفد السعودي عندما دافع عن حزب الله والحشد الشعبي، بعد أن صفعت السعودية نفسها عندما سل�'مت بحوارها مع الحوثيين، فاعترفت بموقعهم المؤثر في اليمن.

وأصدر مجلس وزراء الخارجية العرب قراراً باعتبار حزب الله «منظمة إرهابية»، مع تحف�'ظ لبنان والعراق وإبداء الجزائر بعض الملاحظات. وانسحب الوفد السعودي، برئاسة مندوب السعودية الدائم لدى الجامعة العربية أحمد بن عبدالعزيز قطان، أثناء كلمة وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، التي شد�'د فيها على رفض المساس بالحشد الشعبي وحزب الله.

وأكد الجعفري أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بطل عربي مدافع عن القيم والمبادئ. واعتبر أن مَن يت�'هم الحشد الشعبي وحركات المقاومة وحزب الله بالإرهاب هو الإرهابي.

باسيل: قرار الجامعة ليس وفق المعاهدة العربية

وأكد وزير الخارجية جبران باسيل في تصريح من القاهرة، «أن موقف لبنان بالتحفظ على وصف حزب الله بالإرهابي جاء بسبب عدم توافق القرار مع المعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب ولأن الحزب مكو�'ن لبناني أساسي».

وقال مصدر ديبلوماسي سابق لـ«البناء» «إن قرار مجلس وزراء الخارجية العرب يُعتبر خطوة تصعيدية ستليها خطوات تصعيدية مقبلة وسيرت�'ب على كل دولة اتخاذ قرارات إجرائية، بحسب ما تراه مناسباً، كمنع سفر أشخاص وحجز أموال».

ولم يستغرب المصدر موقف العراق الذي تحف�'ظ على القرار لارتباطه بعلاقات سياسية وعسكرية جيدة مع حزب الله ولا يستطيع أن يتخذ أي موقف ضد الحزب، موضحاً أن هذا الموقف كان منتظراً، لكن ما أزعج السعودية ليس تحف�'ظ العراق على القرار، بل كلام الجعفري بأن مَن�' يت�'هم حزب الله بالإرهاب هو الإرهاب». ولفت المصدر إلى «أن الموقف العراقي شكل إعادة توازن للغلطة السابقة في المؤتمر السابق لوزراء الخارجية العرب».

ورأى المصدر «أن موقف باسيل الرافض لتصنيف حزب الله منظمة إرهابية كان متوقعاً ودول الخليج كانت تدرك هذا الأمر وتجاوزت هذا الموضوع ولم تعل�'ق عليه»، مشيراً إلى «أن موقف باسيل يحظى بتأييد من حزب الله وبتفه�'م من مكونات الحكومة»، لافتاً إلى «أن رئيس الحكومة بقي على تواصل وتشاور مع باسيل لساعات متأخ�'رة من ليل أمس بهدف تنسيق كلمة لبنان». وشدد المصدر من ناحية أخرى على أن «السخط السعودي والخليجي كان على موقف لبنان تجاه قرار إدانة إيران بسبب الهجوم على السفارة السعودية في طهران». واستبعد «أن يصل حد الإجراءات الخليجية إلى ترحيل اللبنانيين العاملين في دول الخليج، بل ستتبع كل دولة الترحيل بشكل انتقائي أي ترحيل بعض الأشخاص الذين تعتبرهم مقربين من حزب الله، لأن دول الخليج لا تريد تخريب لبنان أو انهيار وضعه المالي والاقتصادي لأسباب عدة وإجراءاتها ستكون محصورة بحزب الله ومصالحه وبعض المقر�'بين منه».

شانون إلى بيروت

إلى ذلك، يستعد�' مساعد وزير الخارجية الأميركية توماس شانون لزيارة بيروت في الأيام المقبلة في إطار جولة في المنطقة. وأكد مصدر نيابي زار العاصمة الأميركية في الأسابيع الماضية لـ«البناء» أن «زيارة شانون مقررة مسبقاً، وهي ليست زيارة استطلاعية بل تفقدية روتينية للمنطقة».

وإذ ذكر أن الوفد النيابي اللبناني التقى مساعد وزير الخارجية في واشنطن منذ نحو أسبوعين لفت إلى أن الزيارة ستركز على ملف�'َي النازحين السوريين ومكافحة الإرهاب». ولفت المصدر إلى «أن الملف الرئاسي والعقوبات المالية على حزب الله ليسا محور الزيارة»، شد�'د على أن «الولايات المتحدة يهمها انتخاب رئيس أياً كان الرئيس وهي لا تدعم مرشحاً ضد آخر».

وشد�'دت المرشحة لمنصب سفيرة الولايات المتحدة إلى لبنان، خلال مثولها أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ اليزابيث ريتشارد على «أن الوقت حان الآن ليتمس�'َك لبنان بمبادئه الديمقراطية ولينتخب رئيساً وفق الدستور اللبناني»، مشيرة إلى «أنه في حال تم�' اعتمادها، سوف تكر�'س نفسها لدعم اللبنانيين في جهودهم الرامية إلى وجود حكومة فاعلة، وللعمل مع القطاع المالي اللبناني لتعزيز تعاوننا في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب»، لافتة إلى «أن الإدارة الأميركية تؤيد بقوة قانون منع التمويل الدولي عن حزب الله الذي أقر�'ه الكونغرس في كانون الأول الماضي»، إلا أنها أوضحت «أن هدفنا هو تفكيك الشبكة المالية الدولية لحزب الله، فيما ندعم المؤسسات اللبنانية والشعب اللبناني».

وفي الأليزيه التقى رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ووزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت الذي «جد�'د تأكيد مساندة فرنسا للبنان ولمؤسساته وجيشه»، مكر�'راً «الأهمية لكي يواصل المسؤولون السياسيون اللبنانيون متابعة جهودهم بغية إتاحة انتخاب رئيس للجمهورية، من دون إبطاء، وإعادة إطلاق المؤسسات». وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء أن زيارة رئيس التقدمي الاشتراكي إلى فرنسا لا تحمل فقط الطابع الرئاسي وضرورة العمل على إنجاز الاستحقاق»، مشيرة إلى «أن جنبلاط بحث مع الفرنسيين في الملف السوري لا سيما بعد الهمس عن خرائط تقسيم لسورية والأزمة المستجد�'ة بين لبنان والخليج».

همسٌ رئاسي عن مرشح ثالث

في هذا الوقت، عادت التكهنات السياسية على قرب إنجاز الاستحقاق الرئاسي، مع تأييد الرئيس سعد الحريري لرئيس حزب القوات سمير جعجع أن الانتخابات الرئاسية ستحصل في نيسان. وأكدت مصادر متابعة للملف الرئاسي لـ«البناء» «أن الحريري يحاول أن يضع الأمل في المقبل من الجلسات أن هناك فرصة رئاسية». ولفتت المصادر إلى «أن الحريري يمارس لعبة المناورة السياسية وتعبئة الفراغ مترافقة مع لعبة داخلية خارجية يأمل أن تنجح في إحداث اختراق». ولفتت المصادر إلى أن «ديناميات العد�' التي بدأ الحريري الحديث عنها في نصاب الجلسات لن توصل إلى النهاية التي يرجوها. صحيح أنه يغمز من احتمال حضور 79 نائباً في جلسة 30 آذار كمؤشر لزيادة العدد إلى 85 نائباً في جلسة منتصف نيسان، إلا أن الحسابات لا أساس لها من الصحة والحريري نفسه يعلم أن الوزير فرنجية لن يحضر أي جلسة من دون حزب الله وأن لا انتخابات رئاسية خارج التوافق».

وعلمت «البناء» من قطب بارز عن «همس يدور على مرشح ثالث للرئاسة وأن هناك اتصالات داخلية وخارجية لاستكشاف المواقف من طرح ترشيح الوزير السابق جان عبيد وقائد الجيش جان قهوجي»، رغم تأكيد القطب السياسي أن «الانتخابات الرئاسية لم تنضج رغم كل الأجواء التي يشيعها تيار المستقبل».

التيار الوطني الحر إلى التصعيد

وفي سياق متصل، تترقب الأوساط كلمة رئيس تكتل التغيير الإصلاح العماد ميشال عون مساء الاثنين، التي رجحت مصادر مقربة من الرابية أنها ستكون حاسمة. وأشارت لـ«البناء» إلى أن «خطاب العماد عون في 14 آذار سيكون من وحي المناسبة وسيعلن موقفه التقليدي المعروف من الملف الرئاسي وغيره من الملفات والذي سيرفض أي موقف أو صيغة أو حل خارج إطار الانتخابات النيابية أو التوافق على قاعدة أن كل مكو�'ن يختار الشخص الأكثر شعبية لديه، وسيعلن أن أي رفض لهذه الصيغ والحلول يكون الطرف الآخر قد ضرب اتفاق الطائف الذي يتمس�'ك به العماد عون والذي أرسل رسالة إلى الملك سلمان بن عبد العزيز يدعوه فيها إلى تطبيق الطائف الصيغة والعقد، وليس الذي يتكلمون عنه زمن الوصاية السورية».

وحذرت المصادر من أن بعد كلام عون في 14 آذار سيتطور موقف التيار الوطني الحر إلى خطوات تصعيدية متلاحقة خلال الأشهر القليلة المقبلة، واستبعدت أن يعلن عون استقالة نواب التيار من المجلس النيابي أو وزرائه من الحكومة.

وعن المعلومات التي تتحدث عن طرح رئيس من خارج الأقطاب الأربعة، لفتت المصادر، إلى أن «هذا الأمر غير وارد على الإطلاق عند عون لا اليوم ولا في المستقبل، لأنه لن يترك الساحة للطرف الآخر يخطط منذ اليوم الأول الوصول إلى هذه النقطة، لأن ترشيح رئيس «القوات» سمير جعجع لعون وترشيح الرئيس سعد الحريري للوزير سليمان فرنجية كان ممراً لطرح رئيس آخر لعلمهم أن عون لا يقبل بفرنجية فيسقط الاثنان ويتم البحث عن مرشح آخر».

وشددت المصادر على «أن موقف عون لن يتغير مهما طال الفراغ الذي توقع الطرف الآخر أن يخلق عبئاً سياسياً على عون ما يؤدي إلى تراجع في شعبيته ويخلق وضعاً في الداخل لا يستطيع حزب الله تحم�'له فيفك تحالفه مع التيار الوطني الحر»، مضيفاً «أن الضغط الخليجي والسعودي على حزب الله يصب�' في هذا الاتجاه، إلا أن ذلك لن يغير في مواقف حزب الله والتيار».

النفايات تنتظر

أما أزمة النفايات فتنتظر جلسة مجلس الوزراء التي حددها رئيس الحكومة تمام سلام عند الـ11 من قبل ظهر اليوم في السراي، بعدما انتهى اجتماع اللجنة المكلفة دراسة الملف إلى حل 99 من مشكلة النفايات، كما قال وزير الداخلية نهاد المشنوق.

وتحدثت مصادر وزارية لـ«البناء» عن إيجابية متقدمة جداً في حل مبدئي للأزمة كحل يستند إلى إعادة فتح مطمر الناعمة مؤقتاً ومطمرين في برج حمود و«الكوستبرافا» لحل مشكلة نفايات بيروت وجبل لبنان في الدرجة الأولى»، ولفتت المصادر إلى أن «ما توصلت إليه اللجنة سيوضع على طاولة مجلس الوزراء اليوم للبحث في التفاصيل التي تتضمن التحفيز والتحضير والإنشاءات والمعالجة والطمر وعلى ضوء المستجدات والبنود والعقود والمدة الزمنية والرؤية التقنية سيتخذ مجلس الوزراء القرار النهائي».

وأبدت مصادر وزارية أخرى في حديث لـ«البناء» تخوفها «من عدم توصل مجلس الوزراء في جلسة اليوم، إلى التوافق على حل الأزمة، رغم التوافق على المطامر، لأن هناك تفاصيل أدق تحتاج إلى درس ومتابعة، فالجلسة ستبحث في التمديد لشركة سوكلين، أو في استدراج عروض لشركات للم�' وجمع وكنس النفايات من الطرقات وفي صعوبة إجراء مناقصات «. وأوضحت المصادر أن ما توصلت إليه اللجنة هو خطة آنية للوضع القائم وليس خطة مستدامة، وأن خطة المطامر هي الأقل كلفة مالية من أي خيار آخر. وألمحت المصادر إلى أن «مجلس الوزراء سيلجأ إلى تنفيذ الخطة بواسطة القوى الأمنية إذا تم التوافق عليها».

ورغم إشاعة الأجواء الإيجابية، عن مطمر الكوستبرافا لكن رئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال ارسلان أكد انه «لن يعلق على عمل اللجنة الوزارية إلا بعد التشاور مع النائب وليد جنبلاط وأهالي الشويفات». ودعت خلية الأزمة في الشويفات إلى اعتصام عند مثلث خلدة يوم غد الأحد رفضاً لاستحداث مطمر في الكوستبرافا ورمي النفايات في البحر.

2016-03-12 | عدد القراءات 2758