قنديل: في سورية مسالة الرئاسة خارج النقاش فمعركة إسقاط الرئاسة انتهت في سورية

تحدث الأستاذ ناصر قنديل رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية ورئيس شبكة توب نيوز في حلقة جديدة من برنامج ستون دقيقة مع ناصر قنديل

في هذه الحلقة نعيش معها أجواء لتصريحات الرئيس الأمريكي اوباما ، انعقاد جنيف الخاص بسورية ، والحركة التي نشهدها على مستوى السعودية تجاه مواكبة ومتابعة الحملة التصعيدية على حزب الله تحت عنوان تصنيفه إرهابا،  وفي هذا المناخ علينا أن نستنتج الأفاق السورية و الإقليمية والتطورات التي يمكن أن ترتسم على مساحة المنطقة خصوصا من بوابة الملف السوري ، مسار العلاقة الروسية الأمريكية بات ثابتا ما توقعانه وقلناه مرارا من أنها ترسو على بر تفاهمات كبرى تجاه ملفات المنطقة وصولا إلى تطورات الحوار في سورية . سنقسم الحلقة إلى ثلاثة أقسام متصلة :

القسم الأول : أمريكا

أمريكا عاجزة عن التدخل العسكري ومنخرطة في صناعة التسويات والتفاهمات ومرغمة عنها ، فنحن أمام تحول نوعي وجزري في معادلة الحركة الأمريكية تجاه السياسة الخارجية التي تحكمها ثوابت غير قابلة للتغيير بغض النظر عن الرئيس أو الإدارة أو الطموحات والأحلام  ، الرئيس اوباما في حوار ملفت مع "جريدة آتلانتيك" الذي يقول انه نادم على التدخل العسكري في ليبيا وانه فخور بعدم التدخل العسكري في سورية الكلام الذي فاجأ الكثيرين داخل وخارج أمريكا ، ومنطلقات اوباما في كلامه هذا انه لو تدخل في سورية لكانت سورية ستتحول إلى ليبيا أخرى وربما إذا استجاب لضغوط مزيد من التدخل والتورط البري ستتحول إلى العراق وأفغانستان ولفيتنام مجتمعة أي الحالات الثلاث المستعصية التي اضطرت أمريكا في نهاية المطاف من أن تقرر الانسحاب منها تفاديا من الخسائر والاستنزاف .

في زمن ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حكمت أمريكا في تلك المرحلة ثنائية سياسية اقتصادية مالية وغاب العسكر أي مرحلة ما بعد التسعين بصورة أساسية إدارة "الرئيس كلنتون" ، كانت الثنائية الحاكمة فيها اقتصاديا مالية وهذه الثنائية اختبرت فيها سياسة نجحت في أوربا الشرقية ، خلال العشر سنوات بلغ الفساد المالي مرحلة من التفشي فانهيارات التي جرت سواء في سوق العقارات أو في سوق البورصة أو المصارف كشفت عن عمليات سرقة وحشية ، بهذا الفساد المالي جاء الجمهوريون إلى الحكم مع المحافظون الجدد بإدعاء وزعم بأنهم سوف يصححون مسار أمريكا ، جاءوا بفلسفة اقتصادية وسياسية تقوم بالسيطرة المركزية في الشرق الأوسط والتي تضم بحر قزوين والمتوسط والخليج ، فالمنهج الأمريكي الذي قام على البحار الثلاثة كان القصد منه السيطرة على النفط وأنابيب الغاز فالسيطرة على هذه البقعة من الجغرافية أي (افغانستان والعراق والخليج  وسورية وايران ) ستسمح بمحاصرة روسيا و الصين والتحكم بتسعير النفط وبتدفق النفط والغاز وشبكات الانابيب وخطوط النقل المائية ، وبحيث أن  أمريكا ستتمكن ليس فقط من تعويض الخسائر والكساد بل من اجل إيجاد اقتصاديات جديدة ومن الحفاظ على مستوى الرفاه لمواطنيها انطلاقا من حجم النهب والسلب التي تمارسه على ثروات البلدان التي تتحكم بمستقبلها والسيطرة والهيمنة عليها ، و الفلسفة السياسية العسكرية قامت  على أن القوة العسكرية عادت حاسمة في صناعة السياسة انه بسبب التطور التكنولوجي التي تفوقت فيه الولايات المتحدة الأمريكية في مجال صناعة الأسلحة باتت بإمكانها تحقيق انتصارات حاسمة وسريعة كاملة دون أن تتكلف بخسائر بشرية وهذا ماسمي بإستراتيجية النصر ، الإستراتيجية القائمة على هذين البعدين الاقتصادي والسياسي العسكري هما فلسفة المحافظين الجدد والتي تمخضت في النهاية عن فشل ذريع والذي اقره الجمهوريين والديمقراطيين معا ، فالفساد المالي والسياسي بالحزبين الديمقراطي والجمهوري أنتج معادلة أمام الخطر في انهيار مكانة أمريكا وسقوطها في الحروب هذه المعادلة التي أسميتها بالانقلاب الأبيض ، جاء العسكر ووضع يده على القرار وفي عشية الانتخابات شكلت اللبوبيات التي تصنع الرأي العام ، ونزل الجيش ومخابراته العسكرية بكامل قدراته وإمكاناته  ليمسك بالحياة السياسية فلا رئاسة إلا لمن   يتعهد بالانسحاب من أفغانستان والعراق ، ويسمح باستعراض القوة العسكرية وعدم الذهاب إلى الحروب ، وإعادة إصلاح البنية الاقتصادية ومعها دولة الرعاية التي تعيد النظر بالضمان الصحي ..وقانون المواطنة وغيرها من المسائل ..وهذا ترجم في السياسة بمجي اوباما بعد مفاوضات عدلت خطاب اوباما  . فالرئيس الأمريكي  القادم يجب أن يأتي على قاعدة الانخراط بمفهوم نظرة جديدة لإيران وروسيا ومقبولة محددة بدوائر واضحة حول مستقبل سورية ، وبإلزام إسرائيل بشروط محددة لحمايتها وضمان أمنها الوجودي ،وعلى السعودية  أن تتفهم أنها لم تعد قوة قائدة في الخليج  فزمن الفرعنة انتهى ، وان اليمن لديه قدرات اقتصادية وبشرية وجغرافية تجعلها أهم من السعودية  ، إيران دولة عظمى وقوة صاعدة في المنطقة ، فمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية الانخراط مع روسيا والتسليم بأن تدير روسيا فضاءات إستراتيجية كانت في عهدة أمريكا والتسليم أيضا بان تدير إيران فضاءات إستراتيجية إقليمية ، وان تلزم إسرائيل بإنكفاءات إستراتيجية منعا بتوريط أمريكا وبان يعاد هيكلة الوضع السعودي لكي لا يبقى عبء على أمريكا . ما نشهده من تحولات وتطورات ليس ردات فعل على وقائع مفاجأة ، هذه استراتجيات منطلقها تفادي الدخول في الحروب .

القسم الثاني : سورية

في سورية مسالة الرئاسة خارج النقاش فمعركة إسقاط الرئاسة انتهت في سورية  ومعركة إعادة تشكيل الدولة في سورية على قاعدة مواجهة الإرهاب يعني أن عصب هذه الدولة  هو جيشها وأمنها وبالتالي رئاستها  ، صيغة عملية وقف إطلاق النار والمستثني منه جبهة النصرة وداعش فمن يريد أن يلتحق يهما فهو يضع نفسه في مواجهة الحرب ومن يلتحق بوقف النار ليدخل بالعملية السياسية ، الدولة السورية لن تفاوض مباشرة إلا بعد الاتفاق على جدول أعمال واضح يسلم بالرئاسة ويسلم أن مهمة التفاوض هي حكومة في ظل الرئاسة وحماية وقف النار وصولا لتصعيد الحرب على الإرهاب بالوقوف وراء الجيش السوري وبعد نهاية الحرب الاحتكام لصناديق الاقتراع ...، شهر نيسان سوف يكون شهر حاسم للوصول إلى مفاهيم تفاوضية عنوانها جماعة الرياض إما أن تقرر الدخول في الحكومة أو أن تبقى خارجها ،  فالمسار الذي تذهب إليه سورية هو مسار هو من جهة منح الفرصة لجماعة الرياض للتموضع كليا أو جزئيا ومع معادلة حكومة في ظل رئاسة الرئيس الأسد هذه الحكومة لديها مهمتين مهمة سياسية هي تشكيل لجنة خبراء لصياغة دستور جديد يطرح على الاستفتاء ليس فقط بنقاط التفاهم بل أيضا بنقاط الخلاف ، وبعد الاستفتاء ستكون الانتخابات ...

القسم الثالث  : السعودية والخليج

السعودية لديها ثلاثة أشياء واضحين بنظر أمريكا الأولى انه مهما ظهر من السعوديين بكلامهم عن مكافحة الإرهاب ففي يقين المؤسسة الأمريكية أن الثقافة الوهابية هي منشأ الإرهاب وبالتالي بدون علاج هذه المسألة وبدون وضوح أن الدولة السعودية لا تتبنى الوهابية فلن تهدأ السعودية لذلك الروسي والإيراني يقومان بمسايرة السعودية فبعد الانتخابات الأمريكية ستبدأ عملية الفك والتركيب في السعودية ، المسألة الثانية أن الأمريكي تركهم يغرقون في الحرب وعدم معرفتهم الخروج منها وبالمقابل خسروا مالهم ، فمع الإفلاس المالي والسياسي والعسكري  السعودي ستأتي عملية الفك والتركيب للسعودية ، لكي تصنع خليج مستقر يجب أن تراعي فيه الأوزان أي إيران قوة عظمى واليمن المتمثل بالثقل السكاني والعائم على النفط . مشهد عام 2016 سنكون مع استكمال الانسحاب من أفغانستان ، واستكمال للحل السياسي في سورية وعلى قاعدته الحرب على داعش ستكون في الصيف ، والانتقال المعركة في ليبيا في 2017 ، ومصر ستكون عنوان هذه المواجهة مع تراجع السعودية وتركيا ستخضع للتأديب لأنها تقف وراء داعش والعبث في ليبيا ومن خلال لبيبا ستعاد عملية الإضاءة على الدور المصري كثقل نوعي بتوازنات المنطقة وفي لبنان تراجع للدور السعودي وتقدم للدور المصري ، وفي النظام الإقليمي تقدم لمصر مقابل سورية والعراق لصياغة معادلة جديدة وتكون الجزائر واليمن جزء من هذه المعادلة فهذا هو الشرق الأوسط الجديد والنظام الإقليمي الجديد الذي سيولد من رحم الحرب السورية والصمود التي قدمته ومعها المقاومة وحليفيها الاستراتيجيين إيران وروسيا التي تعيد فيه توازنات العالم و المنطقة والسعودية وإسرائيل إلى مزيد من الانكفاء وسورية والعراق ومصر إلى تقدم والمقاومة لاعب حاسم واليمن وإلى تقدم في مشهد الخليج المقبل ، وفي الختام أوجه التحية إلى أهلنا في تونس الذين اظهروا حالة مميزة في الواقع العربي التي تأخذ بالدور الطليعي في الدفاع عن المقاومة وتحارب الإرهاب فهي تستحق هي ونخبها نظرة وقراءة خاصة فمن تونس تأتي مصر وهنا نقول أن الأمة العربية تذهب إلى الطريقة الأوضح في المسار الجديد مع صمود سورية في مواجهة الإرهاب وإسرائيل.  

  

2016-03-12 | عدد القراءات 4502