تحدث الأستاذ ناصر قنديل رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية ورئيس شبكة توب نيوز في حلقة جديدة من برنامج ستون دقيقة مع ناصر قنديل
في هذه الحلقة نحن نواكب بدء المفاوضات على المسار السوري في جنيف ، ومعها نواكب الحملة التصعيدية السعودية التي بلغت الذروة باجتماع وزراء الخارجية العرب ضد حزب الله والمقاومة في لبنان ، أين يتقاطع المساران وأين يختلفان ؟ وأين يعبر احدهما عن الأخر ؟ وأين يمكن أن يشكل احدهما ردا على الأخر ؟ المسار السوري والتطورات الذي يشهدها ماذا تعني هذه الحلقة من المفاوضات ؟ هل يمكن أن تصل إلى نتائج معينة ؟ وماذا تعني عملية التفجير في أنقرة التي استهدفت المدنيين ، قالت الحكومة التركية أنها من فعل حزب العمال الكردستاني بينما الوقائع المقابلة تقول أنها من صناعة داعش ، هجوم جبهة النصرة على مواقع ما يسمى الجيش الحر في معرة النعمان وهل هي بداية مواجهة مفتوحة بين الفريقين وأين يمكن أن تصل ؟ هذه العناوين سوف تختزن في قراءتنا للمسار السوري الذي يدخل مرحلة حاسمة في هذا الشهر . ربيع هذا العام سوف يكون هو المحطة الحاسمة والفاصلة في مستقبل الحرب على سورية ، في البداية لابد أن نضع مجموعة من النقاط فوق الحروف في إطار رسم المشهد السوري والتطورات المحيطة به :
بدأ الكلام الأمريكي عن الحل السياسي من عام 2012وذلك عند اجتماعهم مع الروس وظهور بيان جنيف1 للحل السياسي ولكن هذا لم يمنع الأمريكان بأن يغزون كل أشكال الحرب ووصلوا بعد معركة القصير التي تمكنت فيها المقاومة والجيش السوري من دحر المجموعات التابعة للقاعدة فخرج جون كيري وقال لا عودة للتفاوض إلا بعد تعديل موازين القوى مارست ضغوط سياسية وعسكرية ، إسرائيلية عسكريا ، ومن الحريري سياسيا تحت عنوان لا حكومة مع حزب الله وهو يقاتل في سورية ، وإسرائيليا تحت عنوان الضغط العسكري إلى أن يخرج حزب الله من سورية انطلاقا بان هذا الخروج سوف يساعد في موازين القوى ، فلم يوقف شكل الحضور العسكري واستمر ووصل إلى حشد الأساطيل ، ولكن منذ عام 2012 وهو يتحدث عن حل سياسي وروسيا أيضا تتحدث عن حل سياسي ، ولكن المفارقة أن الأمريكي وصل إلى عام 2015 واستخدم كل الأوراق بما فيها حشد الأساطيل والمجئ بالإرهابيين والقاعدة وولادة داعش ولكن في الحصيلة وصل إلى جدار مسدود ، ففي نهاية عام 2015 يلتقي الروسي والأمريكي على تأكيد هذه المقولة لا بد من الحل السياسي لكن الروسي يبدأ بالتدخل العسكري وهذا يدل على بداية مسار ونهاية مسار فمسار الرهان الأمريكي على الخيار العسكري قد انتهى وان مسار الاستثمار الروسي على دور العمل العسكري في صناعة الحل السياسي بدء وبالتالي لا يمكن قراءة التطورات التي شهدناها بعد التفاهم النووي مع إيران أي التسليم الأمريكي بان لغة القوة لم تعد تجدي ، بالمقابل الرهان الروسي على استهلاك الأمريكي لقوته ولطاقة حلفاءه على التدخل يفتح الباب لبدء استثمار على احتياط القوة الذي لم يستخدم بعد ولذلك بدأ الدخول الروسي على خط الحرب في سورية مع الثلاثين من ايلول عام 2015 وهو يتصاعد مع التأكيد على أهمية التسريع في الحل السياسي ، عنوان الحل السياسي الذي راهن الأمريكي عليه منذ عام 2012 الذي رمى بالثقل العسكري لجعله ممكنا ووظف المبعوثين الامميين لترجمته وانتزاع الحقائق والوقائع في اتجاهه كان رحيل الرئيس السوري وهذا هو المفهوم الأمريكي للحل السياسي ولكن هذا المسار انتهى وبدء الأمريكي يسلم بمسار ثاني وهو الاعتراف بإيران وروسيا بمكانتهما ، والتسليم لسورية انه لا يمكن أن يجري إعادة تبديل بموقعها على الخارطة، الانكفاء الأمريكي ترجم بالتفاهم النووي مع إيران ، واتفاق أوكرانيا الذي تم بين الأوربيين والروس بموافقة من أمريكا ، وهو الذي ترجم بالتدخل العسكري الروسي تحت عنوان الحرب على إرهاب ، فظهرت معادلة جديدة تقول أن ما يجري في سورية ليست ثورة شعبية بل ما يجري في سورية حرب يخوضها الإرهاب في مواجه الشعب والدولة السورية وبالتالي تغير مفهوم الحل السياسي وتغيرت الجهة المتدخلة عسكريا كنا مع مفهوم للحل السياسي يلبي التطلعات الأمريكية بصيغة أو بأخرى تحت عنوان هيئة حكم انتقالي ويسندها التهديد بالتدخل العسكري الأمريكي وحشد القدرات والإمكانات والتحالفات والمجئ بالارهابين وتسليح وتمويل جماعة المعارضة ومعاقبة ومحاصرة الدولة السورية وخنقها اقتصاديا وماليا ، ولكن أصبحنا بعنوان أخر للمفهوم للحل السياسي وهو بان الدولة السورية هي عنوان الحرب على الإرهاب والحرب على الإرهاب هي الأولوية وان المعارضة يجب أن تشترك بحل سياسي من قلب بنية الدولة السورية ، هذا التبدل نشهد ثماره فبعد صدور قرار 2254 تجد مجموعات المعارضة التي تشكلت في الرياض أن طريق المناورات بات قصيرا والرهانات على المتغيرات لم يعد لها مكانا وان عليها أن ترتضي بأنها ستذهب من اجل المفاوضات في جنيف وهي تعلم أن روسيا قوة عسكرية لا يمكن التعامل معها بصفتها قوة احتلال فالروسي والأمريكي يشكلان سقف الحل السياسي في سورية ، الحقيقة الثانية للمفاوضات هي أن الأمر السياسي الداخلي في سورية ما يتصل بالسلطة والمؤسسات والدستور خاض للتوافق السوري السوري ولا يوجد أجندة متفق عليها دوليا تفرض على سورية .
الخيار الوحيد و المتاح أمام جماعة الرياض هو مواصلة التفاوض وهو النزول تدريجا من سقف إلى سقف فلم يعد لديهم عمل عسكري ، نحن أمام ما تسميه جماعة الرياض بالخيانة الأمريكية فهم راهنوا بان أمريكية سوف تخوض حربا. نحن ندخل في حلقة مهمة جدا في تطورات سورية ، ونشير هنا إلى العد التنازلي ( المئة يوم ) الذي تحدثنا عنه سابقا حول قرار أمريكا إذا كانت ذاهبة لحرب كحرب أفغانستان في سورية أو ذاهبة إلى انكفاء بحثا عن حلا سياسي سلميا سيكون في نهايته شبيها للحل التي أنتجته بالمفاوضات في باريس حول فيتنام ، فكان الأمريكي يستعد بمواجهة مفتوحة للحرب وكنا نقيم عد تنازلي بان أمريكا ليست جاهزة للحرب المفتوحة ولن تذهب للحرب بل ستذهب للخيار السياسي .
تركيا التي لم تستطع إقامة منطقة عازلة أو أمنة ولا امتداد جغرافي داخل سورية وليس لديها قدرة على التأثير في طبيعة الدولة القادمة فليس لها خيار سوى اللجوء سياسيا إلى إيران واستثمار ورقة اللاجئين في الحصول على أموال الأوربيين ، القوى التي تقاتل في شمال إفريقيا ( مصر وتونس ليبيا ) ليست محسوبة على إيران وروسيا ، فتركيا قادرة على استخدام داعش وخلق مزيد من التوتر ومع التحالف مع إسرائيل بالقدرات والإمكانات المتاحة من اجل التصعيد بوجه مصر وتونس لخلق مكان امني واستراتيجي يسمح له بأن يكون له صاحب كلمة حاسمة وفاصلة .
و بالنسبة إلى الإسرائيلي فإن السياسية الديمقراطية التي رسم خطوطها العريضة الرئيس الأمريكي اوباما لا تدخلات عسكرية فيها و بالمقابل الإدارة الأمريكية الجديدة ملزمة بالسير بالتفاهم مع روسيا وإيران ، فلا نوى من الرهان على الانتخابات الأمريكية بالتالي ينكفئ الإسرائيلي فهو يراهن على السعودي يدفع هو ثمنه دون أن يتورط ويراهن على إدارة أمريكية جديدة تأتي لكي تستنقذه بأخذه ربما للتسوية ووضعه تحت معادلة جديدة يدخل الأمريكي والروسي فيها والتي تضمنتها كل التوصيات التي وردت بما عرفت بوثيقة "بيكرهاملتون" والتي تقول للأمريكي بضرورة أن يأتي الإسرائيلي إلى الأراضي الفلسطينية وعلى حل لقضية اللاجئين وإنقاذ إسرائيل من نفسها لان إسرائيل الراهنة برفضها للتسوية قد أصبحت عبء اقتصادي وسياسي وعسكري على أمريكا .
أما السعودية فهي غارقة ببحر اليمن وغير قادرة على فعل شيء وهي عاجزة عن الحل العسكري وبالتالي الحل السياسي في اليمن هو نصر للحوثيين ، السعودي الآن يختار المخارج الشكلية والكلامية ، البعض يتحدث عن فكرة شن حرب سعودية إسرائيلية على المقاومة اللبنانية ولكن اجزم أنها غير واردة ، فسقف أن يقوم به السعودي هو عمليات انتقامية من أفراد ، السعودي نواياه إسرائيلية فهو مجرم بحق العروبة والإسلام والمقاومة ولمجرد أن يصرح وزير لديه بان حزب الله إرهابي فهو اعجز من أن يتمكن من صناعة القرار ، عندما نتحدث عن تصنيف حزب الله إرهابي يعلم السعودي أن طرح هذا الموضوع في الجامعة العربية لن يتم فهرب السعودي من قرار تصنيف إلى بيان توصيف فهنالك فارق بين التوصيف والتصنيف الذي حصل في الجامعة العربية أن السعودية بسبب إدراكها لاتجاهات الرأي العام العربي التي ترجمت نفسها فالرأي العام العربي يعلم جيدا أن المعادلة هي أن إسرائيل في كفة وفلسطين والمقاومة وعلى رأسها حزب الله في كفة أخرى ، فالتصنيف لا جدوى منه ، السعودية اضطرت أن تتسلل وتختبئ وراء دولة البحرين ، فالسعودية التي تقود الجامعة العربية لم تستطع أن تستصدر قرار يصنف حزب الله إرهابيا ويضع الإجراءات التنفيذية لهذا التصنيف فهي اختبأت وراء الفقرة الخاصة بالبحرين وان الوزراء يؤيدون ويتضامنون مع دولة البحرين بوجه المطامع الإيرانية التي تهز بأمن البحرين ، هذا يعبر عن عار الجامعة العربية وهذا دليل إلى ضعف وعجز السعودية . فلم يبقى من السعودية إلا خطابات وهمية وصراخ و بات حجمها هزيلا في الواقع العربي
نحن أمام صورة وهي انتقام هستيري سعودي لأفراد مقابل انهيار في الدور السعودي سياسيا وعسكريا ، وانكفاء تركي نحو البحث عن فتات في السياسة والمال ، وانكفاء إسرائيلي بانتظار إدارة أمريكية جديدة و ما يمكن أن تحمل من مشاريع تسويات تحفظ لإسرائيل ما يمكن حفظه ، بالمقابل انتصار سياسي في سورية يواكب الانتصار العسكري الذي سيكون عنوانه مواصلة الحرب على النصرة وداعش ومن يلتحق بهما وجماعات المعارضة العاجزة عن تحمل فاتورة الحل السياسي والذي سيكون عنوانها الرئيس الأسد والجيش السوري .
2016-03-15 | عدد القراءات 3947