الحرب الاستئصالية للإرهاب لن تدخله روسيا إلا بإنشاء تحالف دولي إقليمي شامل لمحاربة الإرهاب
تحدث الأستاذ ناصر قنديل رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية ورئيس شبكة توب نيوز في حلقة جديدة من برنامج ستون دقيقة مع ناصر قنديل
في هذه الحلقة العنوان البارز هو خطوة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بإعلان بدء سحب قواته من سورية مع التوضيحات اللاحقة التي أضافها خصوصا أثناء تقليد الأوسمة للضباط والطيارين العائدين من سورية والتي أوضح من خلالها عمق الموقف وأبعاده وحدوده منعا لكثير من الالتباسات، اليوم لم يعد احد يتحدث عن الانسحاب بصفته خروجا من سورية فقد أصبح الأمر واضحا خصوصا من قبل خصوم روسيا وأيضا عند الذين يرون روسيا حليفا لكنهم كانوا يخشون من إبعاد القرار ويحاولون أن يقرأ ما بين السطور خشية أن يكون هنالك صفقة دولية على حساب سورية ومحور المقاومة أو خشية أن يكون هنالك تهديدات أضعفت الموقف الروسي ، فبعد الذي حصل بات من الممكن أن تطلق على خطوة الرئيس بوتين صفة الكمين الذي نصبه لخصومه كما كانت مفاجأة الكمين الذي نصبه لهم بدخول روسيا على خط الحرب في سورية بهذه القوة و الامكانيات، فهل هذه الخطوة تراجع روسي أما هي استمرار في ذات الموقع و الخيار ؟ بالمعنى الاستراتيجي هنالك إصرار لأمرين الأول عندما تقتضي الضرورة فان طائراتنا التي غادرت قادرة على العودة خلال ساعات ، والأمر الثاني أن الاس 400باق وهذا دليل على عدم وجود صفقة أو ضغط خارجي أو تهديد لذلك إطار الدور الروسي في سورية وظيفته ومهمته غير قابلة للتعديل وبالتالي لم يتغير شيء بين سورية وروسيا ولم يتغير شيء بخيارات روسيا الجوهرية في دخول الحرب في سورية .
الرئيس بوتين يؤمن بأن الذي يجري في سورية هو تهديد للأمن القومي الروسي ويؤمن أن الإرهاب التي جاءت به أمريكا وحلفاءها والذي إذا تجزر في سورية والعراق بحجم مكانتهما الجغرافية وبحجم موقعهما التاريخي في الثقافة الإسلامية وبحجم ما فيه من الموارد القابلة لاستثمار فهو مهدد بالسرطنة بمعنى أن تسيطر عليه الجماعات المتطرفة فهذا الشعور بالقلق دفع الرئيس بوتين للبدء من عام 2013 بمباحثات جدية وصادقة مع الأمريكي الذي كان يصر على تسميته بالشريك في الوقت الذي كان الأمريكي يتآمر على روسيا ، فكان يؤكد الرئيس بوتين انه في توقيت ما بالجمع بين الضغط والإصرار وبين تدخل من نوع معين سوف نستطيع على إنشاء تحالف دولي يشمل كل القوى المستعدة في العالم على اختلاف مشاربها السياسية في مكافحة الخطر المشترك الداهم .
رؤية الرئيس بوتين للحرب على الإرهاب ليست أنها هي الحرب التي بدأت بالدخول الروسي إلى سورية ، فالنصر الشامل يستحيل تحقيقه دون هذا الحلف الدولي لذلك كان يدعو إلى الحلف تحت ظل الأمم المتحدة تشترك فيه الدول الإقليمية (دول جوار سورية مثل الأردن والعراق ولبنان وتركيا والدول الفاعلة يعني إيران ومصر والسعودية) لذلك كانت إستراتيجية الرئيس بوتين تقوم على تدخل عسكري يعدل في الموازين بصورة تجبرهم على إعادة حساباتهم وتجعلهم معنيين بالتموضع الجديد في جعل الحرب على الإرهاب أولوية وهذا من خلال إشعارهم بأن ميزان القوى في سورية يتحول بقوة وسرعة لصالح الدولة السورية والجماعات التي يراهنوا عليها تسقط و تتهاوى وستتهاوى أكثر كلما تباطئوا في استعدادهم للشراكة في الحرب على الإرهاب ، قسم بوتين حربه إلى ثلاثة أقسام : الحرب الاستئصالية للإرهاب لن تدخله روسيا ما لم يكون قرار من الأمم المتحدة على مستوى مجلس الأمن باعتبار مظلة الأمم المتحدة هي الإطار الجامع لحلف إقليمي دولي شامل لمحاربة الإرهاب الذي له إجراءاته المصرفية الإلزامية في العالم والحدودية بالتعامل على المعابر الحدودية الإلزامية ومعها العسكرية في غرفة العمليات في الأمم المتحدة تتمثل فيها كل الدول الراغبة والمستعدة ، وبالتالي المنطقي أن سورية وإيران وحزب الله معركتهم مع داعش والنصرة أي مع استئصال الإرهاب موقنة على إيقاع أداء يجب أن يؤدي إلى استجلاب الذين يهددهم هذا الإرهاب إلى ساحة المشاركة ، وعلى السعودية أن تكون أيضا مشاركة بمكافحة الإرهاب، فالقدرة الغربية والإقليمية على استخدام هذا الإرهاب للضغط على سورية وحلفاءها واستنزافهم فهو أمر يجب أن يوضع له حد ، عندما تموضعت القوات الروسية في سورية كانت تترجم خطة ووظيفة هذه الخطة من جهة زرع أسلحة ذات صفة ردعية تمنع الدول التي تملك خطط مغامرة كالسعودية وإسرائيل وتركيا من التفكير للدخول على خط الحرب وبالتالي خلق ميزان رادع على المساحة السورية برا وجوا وبحرا ، وهدف روسيا الاول هو إغلاق الحدود التركية السورية والهدف الثاني ضم جبهة النصرة بقرار من مجلس الأمن إلى لائحة الإرهاب أي إسقاط الوهم الذي سكن الغرب ، والثالث تتويج كل هذا بسقف سياسي للحل السياسي في سورية فيجعل الرئاسة السورية التي شكلت محور استهداف الحرب على سورية ، فالرئاسة السورية الممثلة بشخص الرئيس الأسد تختزن وحدة وثوابت سورية وعدائها لإسرائيل وانتمائها لخيار المقاومة وتمسكها بالدولة المدنية بالتالي نقل الحرب من أن لها وظيفة واحدة لا حل سياسي إلا برحيل الرئيس الأسد لتصبح هذه الحرب أولويتها الإرهاب ، والحل السياسي يحسم مسالة الرئاسة أما بالتوافق أو صناديق الاقتراع ، التحول الذي قام به الروسي في سورية أسس على التالي عدم الرهان على دخول مقاتلين عبر تركيا وعدم الرهان على النصرة لأنها صنفت على لائحة الإرهاب وعدم الرهان على تنحي الرئيس أو تسليم هيئة حكم انتقالي فهذا أمر سياسي يخص السوريين ، إذا أصبح هنالك حل سياسي يقول بهدنة تبدأ بأن تختار الجماعات المسلحة باستثناء النصرة وداعش الاستفادة من الهدنة شرط بان تقبل أن النصرة إرهاب.
سيجدون مخرج لتمثيل المعارضة وهي الخطوة الأولى تعاون روسي أمريكي على إسقاط حصرية تمثيل جماعة الرياض للمعارضة وإدخال الجماعات التي يمكن الوصول معها إلى تفاهم ، فعندما تنتزع روسيا شراكة المعارضة العلمانية والأكراد في قلب معادلة التفاوض في جنيف ، رؤية الرئيس بوتين بإقامة حلف إقليمي قوي قادر على مكافحة الإرهاب يجب أن يعلم الغرب أولا أن هذا الإرهاب هو تهديد له ولا نستطيع القضاء عليه بالنيابة عنه ، والحل هو القبول بقيادة الرئيس الأسد فهذا الحل يعطي لهم عذرا بان الحكومة السورية الموحدة التي ارتضاها السوريون يجب أن نعترف بشرعيتها وان نعيد لها السفارات ونرفع عنها العقوبات ونسمح لها بحرية المتاجرة وحرية التعامل بالأموال .
الرئيس بوتين اعتبر حرب استئصال الإرهاب هي الحلقة الأخيرة من الحرب التي لم يحملها وحده والتي يجب أن يحملها العالم كله ومن اجل أن يحملها العالم كله يجب إنهاء العنوان الذي تزرع به العالم للعداء للدولة السورية وهو الانقسام السوري ،و انجاز للمصالحة السورية بحكومة تضع الجيش والرئيس خارج نطاق البحث بصفتهما رمزي للوحدة وللحرب على الإرهاب وهو المخرج الذي يتيح للدول التي ناصبت لسورية العداء بأن تتراجع للوراء وتعيد الاندماج بالعلاقة مع سورية وترفع العقوبات وتفتح السفارات وتنشئ بالشراكة معها أي فرنسا وبريطانيا والسعودية وتركيا وإيران وروسيا والدولة السورية حلفا لمواجهة الإرهاب وللوصول لحكومة حامية للرئيس والجيش يجب أن يكون هنالك مجموعة شروط أولها ردع المغامرات بالتفكير بضرب سورية وخصوصا تركيا وإسرائيل وإغلاق الحدود وتمييز النصرة في لائحة الإرهاب وحشر الجماعات المسلحة المحسوبة على الغرب وتركيا والسعودية بين خيارين الالتحاق بالإرهاب أو للدخول بالتسوية ، فقرار الانسحاب الروسي هو القرار الذي يمنح لها حرية الحركة ويطلق يد الجيش السوري في العمليات القادمة ويضع الغرب أمام خيارين إما قدوم جماعته إلى التسوية بالشروط الروسية أو العودة إلى المواجهة التي يقودها الجيش السوري دون أن تتحمل روسيا تبعاتها وأثمانها المعنوية .
2016-03-19 | عدد القراءات 3520