كيري يعرض عمره دليل حكمته... فيسأله بوتين... هل جلبتَ مالاً لتساومنا؟

كتب المحرّر السياسي

افتتح وزير الخارجية الأميركية جون كيري لقاءاته الرسمية في موسكو بممازحة استعراضية مع نظيره وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، واختتمها بعدما تلقفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعليق ساخر، بجدية دبلوماسية ترتبط بالمواعيد الجازمة، قائلاً نريد نحن وأصدقاؤنا في موسكو أن نرى دستوراً جديداً في سوريا في نهاية شهر آب المقبل.

خلال ثماني ساعات من المفاوضات الشاقة التي أجراها كيري في موسكو، مستعرضاً حكمته أمام لافروف بالتهنئة بعيد ميلاده، قائلاً إن الحكمة تزداد مع العمر مشيراً إلى أن عمره أكبر بست سنوات ليجيبه لافروف إذا قيست الحكمة بعدد أعياد الميلاد فلن يكون بمستطاعي اللحاق بك. ولمجرد انتهاء الاجتماع المغلق وانتقال كيري بصحبة لافروف للقاء الرئيس الروسي بادر الرئيس بوتين الذي بلغته طرفة كيري بالقول بلغني أن حكيماً سيأتي لمساومتي فهل في جيبك مال يكفي لهذه المساومة؟

في نهاية جولة الساعات اللاحقة مع الرئيس بوتين عقد الوزيران كيري ولافروف مؤتمراً صحافياً مشتركاً، أكدا فيه اهتمامهما بنجاح المفاوضات في جنيف وتحوّلها إلى مفاوضات مباشرة بين وفدين مفاوضين يمثلان الحكومة والمعارضة، وأنهما ينتظران نجاح هذه المفاوضات بعد نجاح الهدنة التي يسعيان إلى تدعيمها، وظهور دستور جديد لسوريا قبل نهاية شهر آب المقبل.

مصادر إعلامية روسية قالت لـ»البناء» إن الدبلوماسية الروسية نجحت بتثبيت ثلاث نقاط في مفاوضات موسكو، الأولى هي العمل الأميركي الروسي المشترك لإقناع الأكراد بدخول مفاوضات جنيف وتوفير البيئة المناسبة لمشاركتهم، مقابل نقل مناقشة الفدرالية التي أعلنوها من طرف واحد على طاولة المفاوضات والبحث بالدستور الجديد لسوريا، والثانية هي تثبيت موعد حكومة الوحدة الوطنية في نهاية حزيران، والثالثة هي تثبيت موعد الدستور الجديد في نهاية آب، ليصير عندها التعاون بين الحكومة السورية الموحدة والمجتمع الدولي لبحث خطوات تطبيع علاقات سوريا بالخارج وترتيبات الحرب على الإرهاب التي ستكون عندها ورقة الرئيس الأميركي الرابحة لحزبه في الانتخابات الرئاسية في خريف العام.

كيف سيتمّ تشكيل الحكومة ووضع الدستور، هو ما تركه الوزيران لمحادثات جنيف بعد التفاهم على أن التفاوض بين وفدين سوريين يمثل أحدهما الحكومة والآخر يمثل المعارضة بشكل يشمل كل أطيافها، معني بآليات الانتقال السياسي وموقع الرئاسة فيها، وهو شأن بقي موضع خلاف روسي أميركي، لكنه ليس عائقاً أمام تفاهمهما طالما أن التفاهم قائم على التسليم بأنه ليس شأناً دولياً بل هو أمر متروك للسوريين.

هذا التفاهم الروسي الأميركي سيدفع محادثات جنيف خطوة إلى الأمام بكسر احتكار جماعة الرياض لتمثيل المعارضة التي تشكل الحلقة الراهنة التي تعيق انطلاق التفاوض، والتي قد يحتاج إنجازها الكامل شهر نيسان حتى تبدأ في شهر أيار مفاوضات حول آليات الشراكة في الحكم التي تسمى بالانتقال السياسي، وفيها سيكون التفاوض شاقاً وصعب بلوغه بتفاهمات سريعة لما يرتبه التراجع على جماعة الرياض من وقع قاسٍ وما يمثله القبول بحكومة موحّدة في ظل الرئاسة السورية من نهاية مفجعة لكل خطابها السياسي الذي دفعت سوريا أثماناً مكلفة بسببه وشكل الغطاء لدخول كل التشكيلات الإرهابية إليها.

وفقاً لمصادر متابعة سيساهم كسر احتكار تمثيل المعارضة من قبل جماعة الرياض بالتزامن مع الإنجازات التي يحققها الجيش السوري في الميدان، كما تقول معارك تدمر والانتصارات المبهرة للجيش السوري فيها، الأساس لمرحلة جديدة تمهّد الطريق للحلقة المقبلة التي قد تستدعي زيارة قادمة في شهر أيار لكيري إلى موسكو للإقلاع مجدداً نحو تحضيرات الحكومة الموحّدة، بينما يكون الجيش السوري قد حسم إدلب أو حلب أو كلتيهما وصار على أبواب الرقة.

في هذا المناخ المرتبط بالتسويات الشاقة لأزمات المنطقة، حيث تقف السعودية على ضفة العرقلة والتعطيل، رغم تسليمها بفشل حروبها وارتضائها لغة التفاوض بخصوص سوريا وكذلك اليمن، الذي يدخل العام الثاني من الحرب مع إعلان عن هدنة وحوار سينطلقان الشهر المقبل، فيما يبدو أنه مشروع سيسير على الطريقة السورية، بثبات لكن ببطء.

وفي هذا المناخ أيضاً شكلت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى لبنان، إشارة للبطء المحيط بالحلول، والضغوط التي يخشى لبنان أن يكون عرضة لها سواء لفرض التوطين عليه، بالحديث عن اللاجئين السوريين والعين على اللاجئين الفلسطينيين، كما بربط المساعدات المالية بالشأن الرئاسي المعطل تمهيداً لنضوج ساعته الإقليمية والدولية بالتزامن مع تقدم الحلول في سوريا واليمن.

بان يحمل سلة متكاملة

حطّ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في لبنان في أول زيارة لمسؤول أممي حاملاً سلة متكاملة تتضمّن السعي لاستيعاب النازحين في لبنان، وتوجيه رسالة إلى سورية أن حربها طويلة، والضغط مالياً على لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية في تناغم واضح مع الإجراءات والضغوط الخليجية والسعودية حيال لبنان. والتقى بان في اليوم الأول من زيارته التي تنتهي يوم السبت رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام، ووزير الدفاع الوطني سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي، والقائد العام لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان «اليونيفيل» في الناقورة الجنرال لوتشيانو بورتولانو مختتماً اليوم الأول بعشاء في السراي أقامه الرئيس سلام على شرفه، على أن يلتقي اليوم البطريرك الماروني بشارة الراعي في البطريركية المارونية في بيروت، ويزور المجتمعات المضيفة للاجئين السوريين والفلسطينيين، قبل توجهه إلى الأردن يوم الأحد.

وتركّزت محادثات كي مون حول موضوع اللاجئين وكيفية المساعدة على التحديات الأمنية في لبنان نتيجة النزاع في سورية، حماية البلاد من الإرهاب، وفي التعاون بين اليونيفل والجيش لضمان تطبيق القرار 1701، بالإضافة إلى الملف الرئاسي وكيفية الخروج من مأزق الفراغ هذا.

وشدّد الأمين العام للأمم المتحدة في تصريحات أطلقها خلال جولته على «أن الزيارة المشتركة مع رئيس البنك الدولي جيم كيم ورئيس البنك الإسلامي احمد محمد إلى بيروت تظهر أن المجتمع الدولي متحد في دعم لبنان»، لافتاً إلى «أن دولاً قليلة أظهرت الكرم الذي أظهره لبنان في استضافة النازحين وأن المؤتمر الذي انعقد أخيراً خطوة مهمة للانتقال في حل أزمة النازحين، ونحن خائفون من أن زيادة عمل النازحين يزيد عمل الأطفال ونسبة الفقر». واعتبر كي مون أنه «يجب أن نجد طرقاً لتحسين ظروف النازحين والمجتمعات التي تستضيفهم». وأشار إلى «أنه من الأهمية بمكان أن يتم ملء الفراغ في الرئاسة، لبدء العمل في وقت قريب».

وفي تكرار لمواقف سابقة ووعود كبيرة لم يتحقق منها شيء، دعا بان كي مون إلى «زيادة الدعم للجيش اللبناني الذي نعتبره مؤسسة وطنية فعلية، من هنا ضرورة حصوله على الموارد التقنية اللازمة للقيام بمسؤولياته الحيوية في جميع أنحاء البلاد»، مضيفاً «علينا أن نتحد لمواجهة الأعمال الإرهابية، ومن المهم أن يتحد المجتمع الدولي لهزيمة الإرهاب ومعالجة جذوره وأسبابه».

وجدّد سلام من جهته في كلمته خلال العشاء «أن لبنان لن يتخلى عن دوره الإنساني في مساعدة الشعب السوري الشقيق في مأساته الراهنة، لكننا نؤكد رفضنا توطينهم على أرضنا بأي شكل من الأشكال، ونعتبر أن وجودهم في لبنان، هو وجود مؤقت يجب أن يزول بزوال مسبباته».

وإذ أشاد بالجهود التي يبذلها المبعوث الدولي إلى سوريا السيد ستيفان دي ميستورا للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، اعتبر سلام أن الأمم المتحدة يمكن أن تطور أفكاراً لعودة اللاجئين وتطرح للنقاش في إطار مفاوضات جنيف، التي نأمل لها النجاح في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية. وأكد رفض لبنان توطين الفلسطينيين في أرضه، داعياً المجتمع الدولي إلى تمويل نشاطات منظمة «الأونروا» وإيجاد الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية وفق القرارات الدولية.

وطلب سلام من الأمين العام للأمم المتحدة بذل مساعيه من أجل ترسيم منطقة الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة المتنازع عليهما بين لبنان و«إسرائيل».

اعتراض ضمني على المهمة

ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «أن بان حمل إلى لبنان رسالتين: الأولى تتعلّق بالنازحين السوريين من خلال التمهيد لاستيعابهم التدريجي في لبنان في المرحلة الأولى عبر تأمين الخدمات الإنسانية من تعليم وصحة وإفساح في المجال لتوفير فرص عمل لهم، ما يطرح علامات استفهام حول موقف الأمم المتحدة التي تنظر إلى النزوح السوري كنزوح طويل الأمد»، مشيرة إلى «أن هذا التعاطي يذكرنا بسلوك الأمم المتحدة بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين. والرسالة الثانية: تتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية من خلال ربط مساعدة لبنان بإنجاز الاستحقاق». ورأت المصادر «أن هناك برودة من قبل السلطة اللبنانية في التعاطي مع الزيارة من قبل وزارات عدة»، مشيرة إلى أن «اعتذار وزير الخارجية جبران باسيل عن استقباله على المطار، بسبب وفاة خاله في حدث الجبة، ردّه كثيرون إلى أنه يأتي في سياق الاعتراض الضمني على مهمته التي تعمل على توفير ظروف جيدة للنازح السوري في لبنان وتحفيزه على البقاء بدلاً من العودة إلى المناطق الآمنة في سورية».

رؤية موحّدة لعناصر الحكومة

وتشير مصادر وزارية لـ«البناء» إلى «أن لا رؤية موحّدة لعناصر الحكومة بالتعاطي مع ملف النازحين، متحدّثة عن علامات استفهام تشوب هذا الملفّ من طرحه في لندن والمساعدة المشروطة وخطط العمل بين الحكومة والأمم المتحدة، لا سيما أن الحديث عن تأمين المساعدات يجري تدبيجه وتجميله بمصطلحات إنسانية عنوانها تحسين ظروف النازحين والمجتمعات التي تستضيفهم».

ولفتت المصادر إلى «أن القراءة الحقيقية للمساعي الأممية من التجارب الماضية التي كانت الأمم المتحدة شريكة فيها أثبتت أن أي عمل مؤقت في هذا المجال يتحوّل ثابتاً ودائماً، فإنسانية لبنان في ملف الفلسطينيين في الماضي أدّت إلى ما أدت إليه اليوم»، وتحدثت المصادر عن «أن الوضع اليوم أخطر بكثير لأن عدد السوريين الموجودين في لبنان يفوق المليون ونصف سوري أدخلتهم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تحت الضغط الدولي والعنوان الإنساني». ولفتت المصادر إلى «أن مصلحة الغرب المتآمر على سورية كانت تنظر إليهم أداة من أدوات الحرب على سورية واليوم تستخدمهم في الحرب على المقاومة باستخدام النزوح السوري كبيئة حاضنة لداعش والإرهابيين». وتشير المصادر إلى أن ما عدّل في الخطة الغربية الخوف من تحول ساحل لبنان المتوسط إلى منصة لتصدير النزوح إلى أوروبا كما هو حال الساحل التركي بعد التفجيرات في فرنسا وآخرها في بروكسل.

رافض قاطع لأي عرض فيه رائحة التوطين

وأكد مصدر وزاري كتائبي لـ«البناء» أن «كل الزيارات الدولية إلى لبنان هي زيارات للنازحين السوريين أكثر مما هي للبحث في مصير لبنان، ولو كانت كذلك لكانت حلت أزمة الرئاسة، فأحد من كبار العالم لم يشرفنا للبحث في مصير الرئاسة التي ليست عند الرئيسين بري وسلام اللذين يعملان كل ما في وسعهما لانتخاب رئيس». ولفت المصدر إلى أن «هذه الزيارات تأتي لإقناع ما تبقى من دولة لتثبيت الوجود السوري في لبنان، وتحقيق هذا الأمر أسهل بكثير على المجتمع الدولي بغياب رئيس للجمهورية من وجود رئيس يُقسم على الدستور بالحفاظ على وحدة لبنان». وقال «نحن لا نريد من المجتمع الدولي حلاً للنازحين في لبنان إنما حلّ يعيدهم إلى سورية»، مضيفاً «كل هذه الأموال التي يُقال إنها تخص لبنان لا تساوي شيئاً أمام استقرار ووحدة لبنان وتوازنه الديمغرافي، علماً أننا لا نعلم ما وصل إلى لبنان من كل هذه الأموال، وكيف صُرفت ومن صرفها، ما عدا ما يطلعنا عليه وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الذي يتحمل مشقة هذا الملف»، معلناً «الرافض القاطع لأي عرض فيه رائحة التوطين للمازحين السوريين في لبنان من أي جهة أتى».

البنك الدولي يربط المساعدات بعمل المؤسسات

في المقابل، أشارت مصادر وزارية أخرى لـ«البناء» إلى أن زيارة بان وإلى جانبه رئيس البنك الدولي ورئيس البنك الإسلامي للتنمية بحثت في حصة لبنان التي أقرّت في مؤتمر لندن وتبلغ ملياراً ونصف مليار دولار، وضرورة صرف هذه الأموال، مشيرة إلى «أن الزيارة شهدت توقيع قروض ميسّرة بقيمة 400 مليون دولار، منها 300 مليون بين «البنك الإسلامي للتنمية» و»مجلس الإنماء والإعمار» لخمسة مشاريع بنى تحتية و100 مليون بين البنك الدولي ووزارة التربية لقطاع التعليم»، وأشارت إلى أن «البحث تناول قرار البنك الدولي تقديم أموال إلى لبنان، لأن مجلس النواب لا يجتمع لإقرار القروض، وهناك شلل في عمل المؤسسات فيه».

الحوار الأربعاء في الرئاسة وقانون الانتخاب

وفيما تدخل البلاد اليوم عطلة عيد الفصح، تلتئم هيئة الحوار الوطني الأربعاء المقبل في عين التينة للبحث في الملف الرئاسي وقانون الانتخابي الذي أعلن الرئيس نبيه بري أنه سيعرضه على طاولة الحوار. ويأتي ذلك مع بدء العقد العادي للمجلس النيابي يوم الثلاثاء الماضي، حيث يُنتظر أن تشهد هذه الدورة ورشة تشريعية لإقرار العديد من المشاريع والاقتراحات النيابية التي تخطت الـ 300 وفي طليعتها قانون الانتخابات.

وأكد وزير الداخلية نهاد المشنوق من لندن «أن لا جديد في الاستحقاق الرئاسي»، لافتاً إلى أن «انتخاب الرئيس سيكون إقليمياً»، معرباً عن «تفهمه لعدم نزول رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية للمجلس النيابي في جلسة انتخاب الرئيس الأخيرة، لكن لا أقبله أننا ككتلة لا زلنا عند تأييدنا لفرنجية».

وأوضح المشنوق أن «من يسمّي رئيس الحكومة المقبل لن يكون الرئيس الجديد بل تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري، وهذا أمر معروف».

وأعلن المشنوق «أن يوم غد سيصدر مرسوم بدء الانتخابات البلدية ولا أعتقد أن رئيس مجلس النواب نبيه بري سيقايض التمديد للبلديات الحالية لمدة سنة مع تفعيل العمل النيابي».

وفي سياق آخر، رفع بري بناء لطلب لجنة الإعلام والاتصالات النيابية السرية عن محاضر جلسات اللجنة التي ناقشت فضيحة الانترنت غير الشرعي، ووضعها بتصرف المراجع القضائية المختصة، وقد أبلغ ذلك إلى المدعي العام التمييزي والمدعي العام المالي والمدعي العام العسكري.

2016-03-25 | عدد القراءات 2752