حكومات جديدة على مساحة المنطقة... وعام 2016 هو عام التسويات وصناعة السياسة

 في هذه الحلقة سنتوقف أمام هذا التزامن في ولادة الحكومات ، سنشهد هذا الشهر أربع حكومات على مساحة المنطقة ،ربما لم يلفت نظر المواطنين أو المتابعين والمحللين إلى أن ثمة شيء يجب أن يكون جامعا ، ليس مجرد المصادفة أن تولد حكومة الوفاق في ليبيا وان يهتم مجلس الأمن بتقديم الدعم لها ، وان تكون حكومة سورية قيد الولادة بعد الانتخابات التشريعية التي ستتم خلال أيام قليلة قادمة ، وان تولد حكومة عراقية لا تزال بموقع الآخذ والرد داخل المجلس النيابي ، وحكومة يمنية قيد الولادة بعد المفاوضات المتوقع البدء خلال الأيام القليلة القادمة ، لدينا نموذجين متشابهين هما سورية واليمن ، حكومتي مفاوضات ، ففي سورية ستكون الحكومة الظهير الخلفي السوري الذاهب إلى جنيف في سلسلة من الجولات المتلاحقة، ونموذجين آخرين متشابهين هما العراق وليبيا وذلك بتشكيل حكومتين جديدتين على قاعدة فرضية أنهما حكومتا الوفاق الوطني ومحاربة الإرهاب .

ما دلائل هذه الولادات المتزامنة للحكومات كيف نفهمها وكيف نفسرها ؟ خصوصا أن عام 2016 هو عام التسويات وصناعة السياسة يرسم علامة سؤال ما هي دلائلكم ومؤشراتكم ؟ البعض ما يزال يعتقد أن الحرب و التدخل الأمريكي ما يزال فرضية قائمة ، فالأمريكي اضطر أن يرحل عندما كانت عملية التدخل العسكري محكومة بالفشل لا يتحمل أوزارها فهو قرر الانسحاب من العراق وأفغانستان انطلاقا من مفهوم الحروب الفاشلة التي خاضها .

القيادة العسكرية الأمريكية فاوضت الرئيس "اوباما " على شروط الرئاسة وهو في عام 2011يجب أن يكون الانسحاب من العراق ، وفي عام 2014 الانسحاب من أفغانستان وقبل نهاية الولاية يجب أن تكون قد أنجزت انهيار سورية و خضوع إيران وروسيا بمساعدة السعودي والإسرائيلي والقاعدة ولكن لم يحقق شيء من ذلك و كان خيار قرار شن الحرب ممنوع . 

الأمريكي يفترق عن الروسي بمسألتين وهذا الافتراق سيؤدي إلى أثناء التفاوض والوصول إلى تفاهمات أن نفهم كيف تتم هذه التفاهمات ، الأمريكي هو قوة عظمى مهيمنة ومسيطرة ويحسم الصراع جذريا  لصالحه علنا ، أما الروسي فهو متصالح مع القانون الدولي وهو قيمة مضافة مساندة من دون مقابل استعماري واستبدادي تحكمي ، فروسيا قررت أن التخلي عن صفة الدولة العظمى الندية أي المساوية للأمريكي هو خيانة لتاريخ روسيا ولجغرافيتها ولكرامتها ولقدراتها ، ولكن كلفة المواجهة مع أمريكا مكلفة لا تستطيع روسيا وحدها تحملها فهنالك قبضة للدول ذات مصلحة للمواجهة مع أمريكا للحد من هذه الاندفاعة الاستبدادية التي تمارسها بتكبر وتعجرف على دول العالم ، كما قال الرئيس"  بوتين " إنما ما تفعله روسيا هو أنها تتشارك في الكلفة مع الآخرين.

في عام 2013 عندما جاء الأمريكي بأساطيله تحت عنوان الضربة التأديبية لسورية ولكن سقط الغزو العسكري وسقط الرهان على استمرار الحرب فالتسليم بالتفاهم على الملف النووي الإيراني فتح الباب سريعا للبحث عن كيف يمكن أن يكون شكل الحل السياسي في سورية وعندها جاء التدخل العسكري الروسي لوضع سقف للتدخل الأمريكي فسقط الرهان على رحيل الأسد وسقط الرهان على جبهة النصرة كحصان سياسي وعسكري وسقط الرهان على الحدود التركية وبعد سقوط الرهانات جاءت الدعوة إلى جنيف.

الحقبة القادمة هي الحرب على الإرهاب ، فخطر الإرهاب في أوروبا وشعور الغرب بمزيد من الاستنزاف في سورية والذي يضخ له مزيد من اللاجئين الذين باتوا يشكلون عبء سياسي واقتصادي واجتماعي وامني ، فحل قضية اللاجئين كما قال الرئيس "بوتين" للغرب هو إنهاء الحرب في سورية وبالتالي عودة اللاجئين إلى سورية ، الجيش السوري هو الجهة الوحيدة التي يمكن الرهان عليه واستثمار عليها من اجل الفوز على الإرهاب فأمن أوروبا وعودة اللاجئين وإنهاء الإرهاب وخطره يمكن أن يتم  بدعم الجيش السوري وقدراته و بفتح السفارات وعودة البنوك السورية.  

الرئيس الأسد قدم مبادرة بعد انتصار تدمر أنها تصلح قاعدة أساس لجبهة عالمية لمحاربة الإرهاب ، فخارطة الطريق أصبحت واضحة  ، نحن الآن أمام مشهد الانتقال إلى عام 2016 عام السياسة  ، في اليمن 7نيسان تبدأ الهدنة و 17 تبدأ المفاوضات ، وفي سورية في 10 من نيسان تبدأ بذهاب الوفود ، في هذا الشهر ستكون فيه المفاوضات حول الحكومات فالعراق مشروع حكومته قيد الإنضاج وليبيا حكومتها قيد الإنضاج ، وسورية واليمن تركيبتان حكوميتان كل منها في اتجاه  واحدة لتعزيز وضع المفاوض القوي بعد أن حققت الانتصارات في الميدان وطرح مبادرات سياسية متفق عليها دوليا عنوانها حكومة موحدة فدستور فانتخابات رئاسية مبكرة وحكومة ثانية متخوفة ، فهم يعلمون أن العمل العسكري في اليمن إلى طريق مسدود والعمل السياسي إلى فشل ذريع ، ويعلمون أن العمل العسكري في سورية التي تقوده الدولة والجيش إلى مزيد من انتصارات و العمل السياسي  إلى نصر مؤكد في أي انتخابات ، بهذا المعنى الصورة ترتسم في الشرق الأوسط بالثنائية السورية السعودية ، السورية التي تحقق المزيد من الانجاز والسعودية التي تحقق المزيد من الإخفاق ، وعلى الضفتين العراقية والليبية نحن أمام مشهدين مختلفين في محاولة ترميم هذه المحاولة تصطدم بإصرار الغرب على الزج بالإخوان المسلمين كجزء من الحل إرضاء لتركيا مما يجعل الحل مفخخ ، فالخلاصة العراق وليبيا أنه لن ينتصر العراق إلا في ظل حكومة متماسكة حول الجيش والحشد الشعبي ، كذالك الأمر في ليبيا لن تنتصر إلا في ظل حكومة تلتف حول الجيش وتحميه وتتفاعل معه .

مشهد روسيا وأمريكا الدولي في ضوء هذه المتغيرات الإقليمية التي شكلت الأساس لصياغة نظام إقليمي الجديد ومن الواضح أن معالم هذا النظام الإقليمي تتبلور ونحن للمرة الأولى في العالم نشهد الأمور بطريقة مقلوبة ، النظام العالمي لم يولد من حرب عالمية نشبت بين أمريكا وروسيا أو بين حلفين عالميين ونتج عنه نظام عالمي جديد ، ولكن هنا المعركة على آسيا تتحدد معالم هذا النظام الإقليمي الجديد وأدواره ، المدى الحيوي في آسيا الممتد من البحر المتوسط إلى الصين ( سورية العراق إيران أفغانستان الصين ) يقع كل شماله في المدى الحيوي للثنائية الروسية الصينية ومعها إيران التي دخلت لاعب جديدا على المعادلة الدولية وأصبحت جزءا من مكونات هذه المعادلة الدولية ، وبالتالي الوضع الجديد على المستوى الإقليمي من يملئ البر الآسيوي ومن يمسك سوق الطاقة العالمي ومن يشكل أساس امن الطاقة الجديد هذه المكانة  المتعاظمة لإيران أي الخليج سوف يكون مدى امني إيراني لان السعودية بعد هزيمتها في اليمن لن تكون القوة القادرة على تقديم الحماية ، ولن تكون أمريكا مصدر أمان الطاقة بل التفاهمات السياسية ، فروسيا تقف على ضفة حلف المنتصرين إقليميا في المواجهة المباشرة التي خيضت عليها فخرجت روسيا منتصرة ، في هذا المسار السعودي لن يكون قوة فاعلة  و إسرائيل لن تكون قوة فاعلة وتركيا ستشهد تغيرات سياسية داخلية  ستسقط معها بقايا الإخوان المسلمين وتعيد معها إنتاج معادلة تتأقلم مع هذا المحيط الجديد.

في هذا النظام العالمي الجديد نحن أمام تقدم روسيا سياسيا وتقدم الصين اقتصاديا وتقدم إيران  في معادلة الإقليم الجديد ، فنحن نشهد نظام عالمي جديد قوامه رباعية ، أمريكا تمثل بإسم الغرب، والعالم الأرثوذوكسي التي تمثله روسيا ، والعالم اللاديني أي (البوذي والغنفوشي ) تمثله الصين ، والعالم الإسلامي تمثله إيران ، هذه الأقطاب الأربعة في صناعة السياسة والاقتصاد.    

2016-04-05 | عدد القراءات 3105