تحدث الأستاذ ناصر قنديل رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية ورئيس شبكة توب نيوز في حلقة جديدة من برنامج ستون دقيقة مع ناصر قنديل في هذه الحلقة سيكون عنوانها الابرز الحركة السعودية ابتداء من إعلان الهدنة في اليمن التي جاءت عشية انطلاق الملك السعودي نحو القاهرة ، ماذا فعل في مصر؟ وما هي قضية الجزيرتين "تيران وصنافير" ؟ والاتفاقات المصرية السعودية والذهاب إلى أنقرة ولقاءاته بالرئيس التركي ومن ثم القمة الإسلامية في اسطنبول ، والبيان الختامي والآفاق التي يمكن أن ترسو عليها اتجاهات ما بعد القمة ، وفي قلب هذا إطلالات على ثلاثة عناوين : عنوان يتصل بسورية ومستقبل الصراع فيها ، وعنوان يتصل بالعراق وما نشهده من اضطراب سياسي ومن خلط الأوراق خارج سياق الذي تدور فيه أحداث المنطقة ، وإطلالة على الوضع اللبناني وما يجري تسريبه عن إمكانية صدور قرار اتهام المدعي العام عن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري ويطال الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله شخصيا ....
نبدأ بالحركة السعودية التي لا تزال تشكل الخلفية لعمليات التخريب ويشكل انكسارها بداية الانخراط في التسويات ، ما هي المعادلة السعودية لمفهوم التسويات والتموضع على خط التسويات ؟
عندما نقول أن الحرب انتهت في اليمن يعني أن إرادة مواصلة الحرب من اجل أهداف محددة يمكن الرهان على تحقيقها من خلال الحرب انتهت ، فالوصول إلى إنهاءها بالمعنى السياسي الإجرائي يحتاج إلى مدى زمني تتموضع فيه الأطراف وتنخفض فيه وتيرة التوتر وتنجز فيه المفاوضات وعملية تنازلات متبادلة ورسم في المناطق الوسطة لصيغ الحلول والتسويات فهذا مسار يأخذ وقت ولكن الجوهر الذي نستطيع أن نجزم به هو أن الحرب بهذا المعنى الإرادة والرهان وبمعنى خارطة الطريق التي ترسمها الحرب قد انتهت ، فالحرب بدأت في الأصل بخلفية وحسابات غير خافية ، السعودية تراهن على إمكانية إخراج المعادلة التي يمثلها محور المقاومة من اليمن بواسطة الحضور القوي الذي مثله حركة أنصار الله منذ دخولهم إلى صنعاء في المرة الأولى والثانية ومن ثم وصولهم إلى عدن وبالتالي الحرب كانت لها خارطة طريق ليست هي التسوية بل هي إنهاء وجود الحوثيين كما كان هدف حرب تموز هو سحق المقاومة في لبنان ، فالوصول إلى تسوية بنتيجة فشل الحرب في تحقيق أهدافها يعني هزيمة الذي خاض الحرب ، فالمسار قد انطلق لان السعودية قد سلمت أنها باتت عاجزة على الرهان على أي متغير يمكن أن تؤدي إلى نتيجة التي من اجلها أطلقت الحرب وهي سحق التيار الذي يمثله الحوثيون كامتداد لمحور المقاومة .
الحوار والهدنة ليست كسابقاتها لان الذين يتقاتلون هم الذين يتفاوضون أي بين (السعودي والحوثي ) فالسعودي بدأ من خلال المفاوضات بترسيم اتفاق الهدنة ومن ثم التفاوض السياسي القائم على معادلة جوهرية اسمها التشارك اليمني وبدأ السعودي بترتيبات البيت الداخلي اليمني المحسوب عليه وذلك بإقالة "خالد بحاح" وتعين "علي محسن الأحمر" نائب للرئيس الرجل الأول التي تعتمد عليه السعودية ، فالخط البياني لهذا المسار هو انحدار التوتر والنزول عن شجرة الحرب وصولا إلى صيغة التسوية . الإشارة التي يعطيها القبول السعودي بالتسوية كالتي أعطاها الإسرائيلي بقبوله بوقف حرب تموز وفق "1701" هي إشارة العجز ، فالعاجز لا يستطيع أن يملي شروط أو التصرف كمنتصر ، نحن أمام منطق ضعيف لا يستطيع أن يقنع الحلفاء لأمرين : الأول عندما يعترف السعودي بالحوثيين كقوة سياسية وليسوا إرهابا فهو لا يستطيع أن يرفع لمنطق الدعوة لتصنيف حزب الله إرهابا ويفتح النار على إيران فهو يبدو انتهازي يريد الأمان لنفسه والتورط لسواه ، بالتالي السعودي بخروجه من حربه على اليمن يضع سقف لقوته فهو اضعف واعجز بمجابهته للحوثيين .
هنالك مفاوضات سرية (مصرية سعودية ) لم يعلن عنها حول جزيرتي "تيران وصنافير" ، الجزيرتين أعيدوا إلى مصر بموجب اتفاقية "كامب ديفيد" فمن غير المسموح على مصر أن تسلم الجزيرتين إلى أي جهة أخرى من دون الموافقة الإسرائيلية ، ولكن شرط الموافقة هو أن تستخدم الجزيرتان في مشروع مجزي وذو قيمة إستراتيجية لإسرائيل فقدمت مشروع هو جسر بري من السعودية إلى سيناء يعبر بالجزيرتين ويرافقه خط أنابيب نفط وغاز ويصل هذا الجسر والأنابيب إلى حيفا لتصبح ميناء الترانزيت التي تنزل عليه السفن الأوروبية الآتية بالبضائع إلى السعودية ، فهذا المشروع هو الأكسجين البديل بالنسبة لإسرائيل ، وبناء على هذا المشروع قبلت إسرائيل والدليل هو إعلان الملك سلمان عن إقامة الجسر البري ، فتم نقلهم إلى السعودية الآن بعد 30سنة من الرفض المصري ، السعودي يريد من إسرائيل أيضا منظومة رباعية تبادلية للمرحلة المقبلة ( تركي سعودي إسرائيلي مصري ) حلفاء أمريكا في المنطقة ، وفي قبلها حل للقضية الفلسطينية يرضي الأطراف الثلاثة ويوفر لها التغطية ، فهذا المخرج الذي يتم الاتفاق عليه يؤمن لإسرائيل و السعودية فرصة القول أن الصراع انتهى مع إسرائيل وان القضية الفلسطينية وضعت على سكة الحل فهم يراهنوا على سحب يد إيران ورقة المقاومة ومنطق فلسطين والقدس والمراهنة أيضا على إضعاف سورية وحزب الله ، بالتالي في قلب هذه الخطة المشروع الذي أعطي للملك سلمان أن يتزعم هو القمة الإسلامية بقوة أن يصالح مصر وتركيا ويضبط الإخوان نسبيا في عدد من المناطق ، بالتالي يخلق مناخ سلبي يبطئ ويعقد عملية الانفتاح على إيران . الواضح أن الخصوصية التركية والباكستانية من جهة والضعف المصري أمام الرأي العام الغاضب بنتيجة الجزيرتين من جهة وبنتيجة فاتورة المذلة التي تترتب على المصالحة التركية من جهة أخرى فهذه العناصر تجمعت لتشكل المسعى السعودي في تحويل قمة اسطنبول إلى خط اشتباك مع إيران ولكن فشلت السعودية فالبيان الرسمي الختامي لقمة اسطنبول يتحدث عن حسن الجوار بين إيران والدول الإسلامية المجاورة وعلاقات قائمة على الحوار والحلول السياسية للخلافات والاحترام المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية فهي مبادئ قانونية دولية متفق عليها ، بالتالي فشلت السعودية فشلا ذريعا بتحويل القمة الإسلامية إلى نقطة تحول في مسار العلاقات ، فالحاصل العام لحركة الملك السعودي هو صفر.
في سورية يراهن السعودي في الوضع السوري على نجاحه في القمة على إنتاج معادلة سياسية يقودها هو ويفاوض على أساسه ولكن الآن خرج بخفي حنين فالوضع في سورية ذاهب إلى الاحتكام في الميدان تأسيسا لجولة جديدة من جنيف . وفي لبنان يحاول السعودي أن يلعب بورقة المحكمة الدولية التي تتجه بصدور اتهام عن المدعي العام بحق سيد المقاومة بالتالي الخطوة التصعيدية بالاتجاه منطق الحرب على حزب الله ستستعمل فيه جميع الأسلحة ومن بين هذه الأسلحة المحكمة الدولية . وفي العراق شهد بصورة مفاجئة حراك خارج السياق فاللعبة في العراق كانت تسير في لعبة منتظمة ولكن الآن تسير خارج هذه اللعبة وهذا الخروج يعبر عن خطر اخذ العراق إلى الفوضى فلا وجود لمرجعية تمسك بالوضع فالانقسام واضح وبالتالي هذا يشل قدرة الدولة والحشد الشعبي والجيش عن الأداء المطلوب عسكريا ، هنالك مطلب شعبي له علاقة بالتخلص من الفساد وانتظام شؤون الدولة وبلورة قوة عسكرية شعبية قادرة على المواجهة فالشيء الايجابي من وراء ذلك انه عبًر عن منحى استقلالي عراقي وعبًر عن خليط طائفي.
بين الذي يجري في العراق وسورية ولبنان والذي سيجري في اليمن نحن أمام مجموعة مسارات تقول أن الأشهر القادمة ستكون هي ربع الساعة الأخير لم يعد يوجد أوراق احتياطية يمكن اللعب عليها والرهان على تغيير معادلتها كما نلاحظ المسار في سورية أصبح أحادي انتصارات لصالح الجيش السوري ، أما المسار في العراق في البعد التركي السعودي لا يوجد مكاسب لان المعركة بين الجيش وداعش ، أما في لبنان فالمناورات قد انتهت والرهان على ضعضعة ووضع حزب الله والمقاومة وموضوع ترشيح "سليمان فرنجية" استهلك واستنفد وبالتالي لا وجود لأوراق للمراهنة عليها فالخيار الذي يمكن أن يمثله الحراك السعودي الآن لم يعد لديه آفاق أن يستثمر على أوراق قوة يمكن أن يستثمر عليها ولكن البديل الذي يمكن أن تأتي به لزعزعة مؤسسات الدولة هو القاعدة . نحن الآن أمام عد تنازلي للقدرة السعودية فليس أمامه الآن سوى مسار التسويات، سنكون أمام المفاوضات الإيرانية السعودية التي تؤسس لتغيرات على مستوى المنطقة بهدوء وبتشجيع أمريكي روسي. بهذا العام ستكون حلقاته المقبلة خلال الشهرين القادمين مبنية على حسم ميداني في سورية وتقدم سياسي في اليمن وعلى تجميد مخاطر في لبنان وعلى مخاض ولادة حكومة جديدة وصيغة سياسية أكثر تماسك في العراق ، وتكريس مكانة إيران اللاعب الأول في المنطقة وفشل سعودي في تجبيه بنية تستطيع أن تواجه إيران مقابل تموضع تركي باكستاني على خط التسوية والتفاوض وبناء العلاقات الثنائية مع إيران .
2016-04-16 | عدد القراءات 6355