فشل السعودية لرعاية المصالحة التركية المصرية وفشل إنشاء جبهة معادية لإيران... وأمن إسرائيل مهدد بصواريخ المقاومة

تحدث الأستاذ ناصر قنديل رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية ورئيس شبكة توب نيوز في حلقة جديدة من برنامج ستون دقيقة مع ناصر قنديل في هذه الحلقة بالرغم من وجود الكثير من الأحداث المحيطة بالمنطقة سواء على مستوى اليمن أو العراق أو سورية أو لبنان فهي تبدو هامشية قياسا بالتطور الجوهري الذي برز من خلال الموقف الإسرائيلي بالاجتماع الاستثنائي للحكومة الذي عقد برئاسة نتنياهو في الجولان المحتل ، وأعلن من خلاله عن تمسك إسرائيلي ببقاء الجولان إلى الأبد كجزء من ارض إسرائيل كما ورد في البيان ، التطورات اللبنانية عبر زيارة الرئيس الفرنسي "هولاند" لم تقدم شيء يستحق أن يتفوق أو أن يتساوى مع الحدث كي نعطيه جانبا من هذه الحلقة ، والتطورات في العراق مراوحة في المكان بحثا عن مخرج مناسب في منتصف الطريق يحفظ ماء وجه الطبقة السياسية التي فشلت في تقدير حجم الغضب الشعبي ومتطلباته وجاءت بصيغة هجينة للإصلاح لم تلقى قبولا، وهي الآن تبحث عن صيغة ما يمكن أن تطفئ شيء من هذا الغضب ، في اليمن تبدأ المشاورات السياسية تمهيدا لانطلاق المفاوضات بين اليوم وغدا وتستمر الهدنة في تعثر وفي سير منتظم وتتشكل لها لجان محلية لكن السياق العام هو سياق إقلاع مسار التسوية اليمنية ، أما في سورية فالأولوية في الميدان وان التعثر على الصعيد السياسي قائم ومستمر ، فالسعودية التي خرجت من الحرب اليمنية بفشل ذريع حاولت أن تجعل من هذا الفشل مدخلا لدخولها في التسوية لتقول بأنها تخففت من أعباء الحرب اليمنية وهي قادرة الآن أن تنتقل إلى المدى السياسي الأوسع لخوض حربها بأشكال جديدة لذلك كان السفر المباشر للملك سلمان إلى مصر مع مجرد الإعلان عن بدء تطبيق الهدنة ، جدول الأعمال المصري الذي كان الأهم فيه هو التنازل عن الجزيرتين " تيران وصنافير " وتمرير المشروع الإسرائيلي السعودي مقابل إقامة جبهة ضد إيران تقودها السعودية وتضم إليها مصر وتركيا وبنسبة ما باكستان.

لم ينجح الملك سلمان في رعاية المصالحة التركية المصرية ولم ينجح أيضا في إنشاء الجبهة المعادية لإيران التي كان يراهن أن باكستان وتركيا ومصر جزء أساسي منها والدليل هو المواقف التركية الباكستانية التي تتحدث عن وساطة بقولهم " إننا نعتبر أن إيران والسعودية دولتان إسلاميتان مهمتان وان الخلاف بينهما يضعف العالم الإسلامي وان باكستان مستعدة للقيام بمساعي الوساطة بين حكومة البلدين " ، فالفشل السعودي لا يلغي حقيقة أن الذي جرى في قضية الجزيرتين هو كبير جدا ، وان الذي يشكل موضوع التنازل المصري عن الجزيرتين فيه مدخلا للنقاش داخل مصر بعنوان السيادة وبعنوان الضعف المصري والتبعية للسعودية وانهيار جزء كبير من الهالة التي رسمت حول النظام الجديد ، لكن البعد الأهم من هذا التنازل هو ما يتصل بمستقبل الجغرافية السياسية والاقتصادية في المنطقة .

الجسر البري الذي يربط السعودية  بسناء عبر جزيرتي " تيران وصنافير " سيؤمن بوصوله إلى حيفا موقع جيواستراتيجي جديد لإسرائيل الذي يتمثل في سوق النفط من جهة وسوق الترانزيت من جهة أخرى فهذا حلم "شيمون بيريز" عندما تحدث عن الشرق الأوسط الجديد في الرباط  عام 1992، فكان يتحدث عن استبدال الهيمنة العسكرية الإسرائيلية بدور اقتصادي من خلال التطبيع مع الحكومات المرتبطة بالمشروع الأمريكي ، ولكن هذا المشروع يستحيل أن يبصر النور إن لم يوجد حل أو تسوية للقضية الفلسطينية لثلاثة أسباب :

الأول : أن السعودية مهما بلغ مستوى الغباء السياسي لها لا تستطيع أن تذهب لهذا المستوى من التعاون مع إسرائيل من دون أن تقول أن القضية الفلسطينية حلت والصراع العربي انتهى .

الثاني : تعلم إسرائيل انه لو أعطيت هذا الدور من قبل السعودية من دون مقابل فإذا الصراع حول فلسطين مستمر يعني أن الصراع مع سورية وحزب الله مستمر أيضا بمعنى إذا بقى حزب الله بحالة الاشتباك والجهوزية فهذا يشكل خطرا للمشروع النفطي ومهدد بصواريخ حزب الله فيجب أن يسبق هذا حالة سلام .

أمن إسرائيل أصبح تحت رحمة نيران صواريخ المقاومة التي تطال كل الجغرافية الفلسطينية ، فإسرائيل عليها أن تختار إما أن تخفف من أعباء التخزين الداخلي للذخائر النووية والكيميائية والبيولوجية وذخائر الوقود ومستودعاته لكي لا تتحول هذه المستودعات إلى قنابل متفجرة تدمر إسرائيل في حال إصابتها .    

كيف يمكن للإسرائيلي أن يذهب إلى التسوية الذي سيقدم من خلالها حل مسألة الجولان وموضوع سلاح المقاومة ؟ فمن خلال زيارة "نتنياهو" إلى أمريكا ولقائه بالرئيس "اوباما "  خلال المؤتمر الصحفي المشترك ، فقد تم التسليم الإسرائيلي بانتقال المشاركة والقبول الأمريكي بالتفاهم على الملف النووي الإيراني وهذا لم يكن خطأ أو تخاذلا ، فالإسرائيلي أدرك أن هنالك معادلة جديدة لموازين القوى يجب أن تأخذ باعتبار وأن القدرة الإسرائيلية العسكرية محدودة وأدرك أن أمريكا اقرب إلى فهم الواقع أكثر ، ورأى التموضع الروسي في سورية بحماية حركة الجيش السوري وتمكنه من استرداد الأجزاء الجغرافية الكبيرة التي خسرها. فكان الهدف الأمريكي الإسرائيلي المحدد هو شطب حزب الله ، فالنظرية تقول أن النصر الذي يتهيأ به الحلف الإيراني الروسي السوري سيفقد الكثير من لمعانه إذا كان حزب الله خارجه بعد أن شكًل القيمة المضافة التي استندت إليها انتصارات هذا الحلف ، فإخراج حزب الله من معادلة النصر يعني إفقاد الآخرين فرصة الاحتفال بهذا النصر ، فالقوة الوحيدة القابلة للنمو بلا سقف هو حزب الله ، فهم يعملون على إضعافه ليس بالوصفة العسكرية بل بالوصفة السياسية أي بالسلام المزيف وبالتالي إغلاق إسرائيل جبهتي الجنوب والجولان ، الإسرائيلي ليس لديه مصادر قوة تسمح له بأن يقول أن الجولان سيبقى جزءاً أبديا لإسرائيل فهو يريد أن يستحضر الجولان كقضية إشكالية ويضعه في التداول وان يستحضر معه رفض التهميش ، بالتالي الرهان على إضعاف سياسي ومعنوي لقوة وهيبة حزب الله وصولا إلى اللحظة لتصبح إمكانية الذهاب إلى ضربة عسكرية خاطفة لا تتعدى يوم أو يومين يتلقى خلالها الإسرائيليون وابل من الصواريخ تستهدف الكثير من مواقعهم ومناطقهم لكنهم يراهنون على أن هذه المواجهة ستعطي الفرصة ليدخل الأمريكيون إلى مجلس الأمن ويتمكنوا من انتزاع لوقف إطلاق النار خصوصا أن الإسرائيلي يريد أن يربط وقف النار بتعميم قرار1701على جبهة الجولان بنشر وحدات من اليونيفل والى جانب ذلك الانسحاب من مزارع شبعا ونشر وحدات اليونفيل وبالتالي لبنان يستعيد سيادته، أيضا قضية اللاجئين الفلسطينيين فسيتم حلها على طاولة المفاوضات ، فالهدف هو أن لا يبقى لحزب الله ذريعة على إبقاء السلاح ، فالرهان هو أن تنتج الحرب حالة  إضعاف سياسي تفتح ملف السلاح ووضع حزب الله في دائرة المهزوم سياسيا من بوابة رئاسة الجمهورية .

هنالك سيناريو استراتيجي الأهم في القرن الواحد والعشرين يغير المعادلة الإستراتيجية في المنطقة بدأ طرحه في التداول ، فالمنطقة لم تعد تحكم سابقا لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا عسكريا، خلال الأشهر القادمة سنشهد نقلة إستراتيجية نوعية اسمها قناة قزوين وهي قناة بحرية بطول 1000كيلو متر تربط بحر قزوين بمياه الخليج تعبر الأراضي الإيرانية صالحة وقادرة على أن تحمل نقل السفن الكبرى وناقلات النفط والمدمرات والبارجات العسكرية ، فهذه القناة هي المشروع الاستراتيجي المشترك لكل من روسيا وإيران وبذلك تصبحان شريكان استراتيجيان في الاقتصاد ليس فقط امنيا أو عسكريا ، فتتمكن روسيا من استعمال شبكة الأنابيب الإيرانية ، وإيران أنجزت الوصلة التي تأخذ النفط والغاز من إيران إلى الهند عبر الأراضي الباكستانية وأنجزت من إيران إلى العراق ، فأهمية هذه القناة أنها كانت قرار استراتيجي وضع قيد التنفيذ في الدراسات التنفيذية والتفصيلية بعد أن حسمت روسيا أمرها مع تركيا فهذا التحول يعني تهميش تركيا في المعادلة وتهميش السعودية في السوق النفطي ، روسيا هي الدولة الأولى التي تنتج النفط والغاز ومن ثم إيران الدولة الثانية وبالتالي الإمساك في السوق العالمي في مجال النفط والغاز ، بالتالي نحن أمام مواجهة بين حلفين على الساحة الاقتصادية حلف سعودي مصري ضعيف غير متماسك وحلف روسي إيراني استراتيجي قوي ومتماسك .  

 

2016-04-19 | عدد القراءات 2854