تحدث الأستاذ ناصر قنديل رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية ورئيس شبكة توب نيوز في حلقة جديدة من برنامج ستون دقيقة مع ناصر قنديل في هذه الحلقة ندخل مع شهر رمضان المرحلة الفاصلة من الحرب السورية هذه المرحلة التي تهيأت لها الظروف ، فالمتغيرات شكلت مقدمات نحو بلوغها منذ الثلاثين من أيلول العام الماضي أي منذ ماعرف بعاصفة السوخوي والتموضع العسكري الروسي في سورية ، فاحتاج الأمر من الحلفين المتقابلين اختبار مجموعة من الخيارات والتفاهمات والمواجهات إلى أن وصلنا إلى هذه اللحظة ، في هذه الحلقة سوف نقارن أداء الحلفين المتقابلين في هذه الحرب واللحظة الفاصلة التي يصلانها والنتائج التي سوف تترتب على نهاية المواجهة التي قد تدوم لشهر رمضان أو ما بعده لنصل إلى مشهد سيرسم ليس معادلات سورية فقط أو نهاية الآفاق التي ستسلكها الحرب في سورية بعد ذلك وحسب بل مشهد المنطقة ككل ، وربما نستطيع أن نتحدث عن قواعد النظام الإقليمي والدولي الجديد ، ليس خافيا على احد أن المعركة في سورية كانت ولا تزال هي الساحة والموقع والجغرافيا والحسابات التي سينبثق منها نظام إقليمي جديد والتي ستبنى عليها توازن نظام إقليمي جديد ، فالجميع يعلم انه وفق الاتجاه التي تستقر عليه سورية بعد جولة السنوات الستة التي عاشتها فان العالم ومعه الإقليم سيعرف شكلا جديد ، إسرائيل سنراها بعد نهاية محطات الأزمة والحرب في سورية ستكون وفق الصيغة التي تنتهي عليها هذه الحرب وكذلك تركيا والسعودية وإيران وحزب الله وروسيا وأمريكا فالحرب في سورية لم تكن حرب محلية بل كانت هنالك أسباب ساهمت في توفير بيئة مناسبة لتموضع طرفي الصراع داخل الساحة السورية لاقتطاع جزء من جغرافيتها ولكن هذا في سياق صياغة الوسائل والأدوات التي ساعدت في نشوب حرب عالمية ثالثة وهذه الحرب التي سيخرج منها النظام والإقليم العالمي الجديد .
نحن أمام حلفين حلف تقوده واشنطن ومعها ثلاثة أطراف إقليمية مؤثرة وفاعلة والذي سيتقرر حجمها ومستقبلها الأمني والسياسي من نتائج هذه الحرب وهي السعودية وتركيا وإسرائيل ، ومقابل هذا الحلف حلف تقوده روسيا ومعها إيران وسورية وحزب الله ، فهذه معادلة التقابل ، الحلف التي تقوده أمريكا الذي منذ تموضع السوخوي وبدء المعارك التي خاضتها القوات السورية في الشمال وحققت انتصارات متدحرجة فمن الواضح أن الأمريكي تخلى عن ثوابت كانت أساسيات في مقاربته للحرب في سورية .
نحن مع بداية مؤشرات تقول أن تركيا التي لن تفعل شيئا الآن إلا بترك النصرة تخوض حربها بعدما قدمت لها كل الأسباب اللازمة لهذه الحرب فإذا نجحت النصرة بأحد أمرين إما بالتقدم أو بتحويل الحرب إلى حرب استنزاف فسيكون الحديث التركي عالي السقف وسيتم إغلاق الطرق أمام التسويات ، إما إذا فشلت النصرة ونجح الجيش السوري وحلفاءه بإسقاط مواقع النصرة ، ففي هذه الحالة ستعتذر تركيا لروسيا عن إسقاط الطائرة الروسية وستذهب إلى إيران وتقول أن أولويتها هي مع وحدة سورية أي لم تعد مع إسقاط الرئيس الأسد ، فهي تقوم بإقامة جسر قابل للبناء عليه إذا فشلت النصرة وعنوانه التخلي عن مشروع إسقاط الرئيس الأسد واستبداله بأولوية جديدة اسمها وحدة سورية أي منع قيام كيان كردي على الحدود .
السعودية التي تقول أن سياستها منيت بالفشل ووصلت إلى طريق مسدود ففي اليمن لم تلقى من الحلفاء تنفيذا لما تعهدوا به وفي سورية لم تنجح بإسقاط الرئيس الأسد لان الضمانات التي قدمها الأمريكي والتركي لم تنفذ ، وبهذا يستدعي إعادة تقييم الحسابات والنظر بالسياسات ، والطريق يلزمها بالاستعداد بتقديم التنازلات المؤلمة أي عليها بإعادة التعاطي والتفاهم مع نظام الرئيس الأسد وحركة أنصار الله الحوثيين والإيرانيين وبالتالي عليها أن ترتضي بالحجم والمكانة والدور غير الحجم والمكانة والدور التي كانت تطمح بها في سياسات المنطقة .
إسرائيل التي تقول أيضا انه إذا ربحت النصرة ودخلت سورية بحرب استنزاف فستكون على هذا الخط من الحرب بتعزيز الوضع في الجنوب وتعميم صيغة الحزام الأمني والاندفاعة للنصرة في المناطق الجنوبية ، وفي حال فشلت النصرة فخيار الحرب أيضا قائم من اجل فتح باب للتسويات والمفاوضات .
إستراتيجية الأمريكي التي لديه للخروج من الحرب في سورية هي الانكفاء عن معادلة حرب النصرة التي تدور رحاها بين روسيا وسورية وإيران وحزب الله من جهة وبين تركيا والسعودية وإسرائيل وتنظيم القاعدة من جهة أخرى فإذا ربح حلفاءها توظف نتيجة حلفهم وإذ انهزموا يتقاسموا كلفة الهزيمة ، بينما هي الآن تخوض رهانها في منطقة الرقة بواسطة من تعتبرهم حصان رهانها السوري العسكري أي المجموعات الكردية المسلحة مع المجموعات العلمانية الصغيرة التي تؤهلها لتكون ممسكة بجزء من الجغرافية السورية في قلب أي تفاوض مقبل ، وإذا فشلت فهي تبرئ ذمتها أمام جميع حلفاءها وتذهب بالانخراط بالتفاهم كما تم التفاهم بالملف النووي الإيراني .
وبالمقابل نحن أمام حلف روسيا إيران وسورية وحزب الله حلف ذات قوى ليست لديه عقيدة واحد يجمع وطنية روسيا التي عمرها آلاف السنوات ولها نظام ديمقراطي ليبرالي ، وإيران التي لديها نظام إسلامي وديمقراطي شعبي ، وسورية لها نظام قومي عربي علماني ، وفي السياسة روسيا مشروعها بناء وترميم مكانة الدولة الروسية كدولة عظمى تتشارك في قيادة العالم ، وإيران مشروعها النهضة ببناء عالم إسلامي قادر أن يكون حاسم ورقم صعب في المعادلة الدولية ، وسورية مشروعها قومية عربية ، وحزب الله مشروعه مقاومة لا تنتهي إلا بزوال إسرائيل ، عظمة هذا الحلف انه يلتقي على ما هو الأهم بالرغم من التباين في العقيدة والإستراتيجية لكل حلف ، فهذا الحلف قائم على معادلة ومفهوم الدفاع عن فكرة الدولة المستقلة والقتال معا حتى تسقط الهيمنة الأمريكية وعندما تسقط هذه الهيمنة تتبلور بنظام عالمي يقوم على تعدد الأقطاب وستكون روسيا دولة مقابلة في الوزن والقوة أمام أمريكا .
السياسة ليست صناعة تحالف استراتيجي فالتحالف الاستراتيجي تصنعه المصالح العليا والأهداف البعيدة والسياسة ليست ترجمة التحالف الاستراتيجي بتحالفات تكتيكية ، وبالتالي السياسة ليست إنشاء تحالف استراتيجي وليست إنتاج تفاهمات تكتيكية بحصيلة هذا التحالف الاستراتيجي وليست بخصومة إستراتيجية، فالسياسة هي أمرين إدارة حلف تكتيكي مع خصم استراتيجي ، فهي ليست إدارة الحلف التكتيكي مع حليف استراتيجي ولا إدارة الخصومة التكتيكية مع خصم استراتيجي فهي براعة وفن إدارة حلف تكتيكي مع خصم استراتيجي وفن وبراعة إدارة خلاف تكتيكي مع حليف استراتيجي .
2016-06-07 | عدد القراءات 9307