كتب المحرر السياسي
تصدّرت الأوضاع الأوروبية والدولية المستجدّة في ضوء الزلزال البريطاني بمغادرة الاتحاد الأوروبي، اهتمامات المسؤولين الغربيين والصحافة ومراكز الدراسات، فيما استساغ الكثيرون مقارنة ما جرى بالحدث المعاكس في الاتجاه والمشابه حجماً وتأثيراً، بما حدث قبل ربع قرن مع سقوط جدار برلين والسير نحو وحدة ألمانيا، التي يتجاهل المتحدثون عن الاتحاد الأوروبي، أنّ التأريخ لولادة هذا الاتحاد سياسياً يأتي كنتيجة لوحدة ألمانيا التي تمثل القوة القائدة للاتحاد، وانفتاح الأفق لضمّ دول أوروبا الشرقية مع انهيار الاتحاد السوفياتي، فالحدثان بدايتان لمراحل أوروبية جديدة، وحدة ألمانيا بداية الصعود، وخروج بريطانيا بداية السقوط، ومثلما كان الأول نقطة انطلاق لوضع عالمي جديد، سيكون الثاني.
أول الاهتمامات التي هبطت سياسياً وإعلامياً إلى مرتبة دنيا كانت أحداث الشرق الأوسط وحروبه، وبدا التصميم التركي «الإسرائيلي» على تحويل التفاهم على تطبيع العلاقات الثنائية وتخطي أزمة أسطول «مرمرة»، تعبيراً عن قرار لم يخفه الفريقان لتشكيل ثنائي إقليمي يسهم في تحصين الأمن الخاص بكلّ من أنقرة وتل أبيب، تسليماً ضمنياً بأنّ العامل الدولي سيتراجع لحساب العناصر الإقليمية، وقد أولى الفريقان اهتماماً خاصاً بتقديم «إسرائيل» الدعم السياسي اللازم لتجنيب تركيا خطر حراك كردي انفصالي، بدءاً من سورية، بالتحرك أميركياً وكردياً وأمنياً لتقديم الدعم لتركيا، مقابل التزام تركي بوضع الثقل اللازم لنقل حركة حماس من موقع الاشتباك مع مقتضيات الأمن «الإسرائيلي»، إلى موقع الهدنة، والشريك إذا أمكن في ضمان هذا الأمن عبر فتح الباب لتسوية تنهي الحصار عن قطاع غزة وتفتح باب الاستثمارات في المرفأ والمطار وتوليد الطاقة، والتنقيب عن النفط والغاز، وفقاً لما قالته مصادر إعلامية تركية واكبت ما يجري على ساحة التفاوض والحوار بين الفريقين الحكوميين التركي و»الإسرائيلي».
في المقابل حملت أخبار الميدان السوري المزيد عن اشتعال جبهات القتال المختلفة، وخصوصاً الشمال السوري الذي شهد عودة لمشاركة فعّالة واسعة للطيران الروسي إلى جانب الطيران السوري ومدفعية الجيش السوري والحلفاء، في استهداف الجماعات المسلحة، بصورة رسمت أسوارة من نار حول مدينة حلب.
لبنانياً، واصل الرئيس سعد الحريري جولاته الرمضانية الشمالية، بعدما حسم خياره بتبنّي خطاب ينافس المنشقين عنه، وخصوصاً الوزير أشرف ريفي والنائب خالد الضاهر، بخطاب أشدّ تطرفاً، لا تغيب عنه النبرة الميلشياوية في مقاربة العلاقة مع كلّ من سورية وحزب الله، بينما تنشغل الحكومة بحلحلة قضية جهاز أمن الدولة مع خروج نائب المدير العام إلى التقاعد، بانتظار التوافق على تعيين بديل له.
لا سقف محدّداً عند الحزب في إرسال المقاومين الى حلب
تعهّد الأمين العام لحزب الله يوم الجمعة الفائت بزيادة وجود قواته وعناصره في حلب، لأنها معركة سورية كلها والمنطقة. وتمكن حزب الله امس من استعادة جثامين ثلاثة من مقاتليه الذين ارتقوا شهداء في المواجهات الأخيرة في خلصة بريف حلب الجنوبي. ويؤكد قطب سياسي في 8 آذار لـ»البناء» أنّ حزب الله يقرأ في حسم معركة حلب تحديد معيار النصر الاستراتيجي ووحدة التراب السوري، ومسألة التدخل التركي، ويرى أنّ هذه المعركة تختصر كلّ المعاني دفعة واحدة فهي تضرب تنظيم «القاعدة» نظراً لامتداد حلب الى إدلب، فـ»جبهة النصرة» هي القائد الفعلي للعمليات.
وأشار القطب السياسي الى «أنّ حزب الله قرّر المضيّ في هذه المعركة وتخصيصها بالحجم المناسب بالمقاتلين مهما بلغت الحاجة، ولن يكون هناك سقف محدّد يتوقف عنده الحزب في إرسال المقاومين». ورأى «أنّ هذه السياسية لا تعبّر عن موقف الأمين العام لحزب الله فحسب إنما عن قرار الجمهورية الإسلامية والرئيس السوري بشار الأسد الذي اعتبر في خطابه الأخير أمام مجلس الشعب انّ حلب هي ستالينغراد. وشدّد القطب السياسي على إجماع قوى الحلف بعد خمس سنوات من الصمود وإفشال الأهداف انّ سورية وصلت الى الاستحقاق الأكبر هي معركة حلب، المعركة الفيصل التي يتقرّر عبرها مصير المنطقة».
ميدانان سياسي وعسكري
ورفض القطب السياسي قراءة خطاب السيد نصرالله من منظار «التعليم» على الدور الروسي، مشيراً الى أنّ موسكو تزيد اقتناعاً على محور المقاومة، بضرورة حسم معركة حلب لكن المشكل انّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يريد أن يذهب حسم المعركة من دون غضّ نظر أميركي. والواضح أنّ الادارة الأميركية لم تسلّم بهذه القراءة ولا تريد أن تسمح لحلف المقاومة وروسيا باستعادة حلب. وشدّد القطب على أنّ جزءاً أساسياً من الضربات يشارك فيها الروس ولو بشكل نسبي، لكن العملية الطويلة المديدة التي لا أحد يتوهّم أنها ستنتهي بشهر وشهرين لم تبدأ بشكل رسمي، معتبراً أنّ الدور الروسي موجود بقوة وانخراطهم سيكون بشكل تدريجي متدحرج. ولفت إلى أنّ لقاء وزراء الدفاع الثلاثة الإيراني والروسي والسوري وزيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الى الرئيس الأسد تأتي في هذا السياق، فالرئيس الروسي يدير معركة مركبة لها ميدانان: ميدان سياسي دولي إقليمي، وميدان عسكري بطريقة منسجمة ويأخذ بعين الاعتبار هوامش المناورة والتداخل بين المعركة السياسية الدبلوماسية والمعركة العسكرية. وشدّد القطب السياسي على «أنّ حركة المعارك في مزارع الملاح التي هي مدخل للريف الشمالي وتقطع طريق الكاستيلو وتفصل الأحياء الشرقية لها طبيعة استراتيجية، معتبراً أنّ المعارك في حيّ جمعية الزهراء في الجهة الغربية من حلب لها الطبيعة الاستكشافية والنارية، وفي الوقت نفسه هي معارك جسّ نبض ذات بعد استراتيجي، على عكس المعارك التي حصلت في ريف حلب الجنوبي منذ الهدنة حتى معارك خلصة والتي حاول الطرف الآخر الإرهابيون ان يضع الايرانيين وحزب الله تحت قواعد استنزاف وقضم تدريجي، ولذلك قال السيد سنقوم بنقد ذاتي للهدنة وما انتجته من وقائع».
الخيارات الاستراتيجية الأكثر جذرية
وجزم قطب 8 آذار أن لا مشكلة عند حزب الله في بيئته الحاضنة ولو كان هناك من اعتراضات لما تحدّث السيد نصرالله بهذه الصراحة بقوله «ينتظرنا المزيد من التضحيات ومزيد من الشهداء والآلام»، مؤكداً على الخيارات الاستراتيجية الأكثر تحدياً فهو أعلن أنّ حزب الله معنيّ بمعركة حلب، وخطاب يوم الجمعة هو الأكثر جذرية بتاريخ الحرب السورية.
الحريري وتبيان قدرته في تجييش الشارع السني!
في غضون ذلك، واصل الرئيس سعد الحريري من عكار والضنية خلال زيارته الشمالية التي انتهت أمس رفع سقف خطابه السياسي، في محاولة لاسترجاع ما فقده من قاعدة شعبية اختارت الوزير أشرف ريفي ليمثلها، وترجمت ذلك في صناديق الاقتراع البلدية. وبعد أقلّ من أربع وعشرين ساعة على خطاب الأمين العام لحزب الله في ذكرى اربعين الشهيد القائد مصطفى بدر الدين، خرج الرئيس سعد الحريري من الضنية خلال إفطار رمضاني يوم السبت ليردّ على السيد نصرالله عله يستجلب عطفاً سنياً طرابلسياً، بعد ان غاب التحريض عن إفطار يوم الجمعة الذي صودف بعد كلام السيد نصرالله بساعة. وقال الحريري من الضنية: الكلام الذي سمعناه في حفل التفخيم بمصطفى بدر الدين ودوره في حروب سورية والعراق والمجازر القائمة ضدّ الشعوب العربية، كلام لا يعنينا، لأنّ دور بدر الدين بالنسبة لنا محصور بأنه شخص متهم باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فكلّ البطولات المنسوبة إليه تقف هنا وتصبح في سجل التاريخ صفرا مكعّباً. أما باقي الكلام فلا يزال يدور في دوامة التورّط بالدم السوري، وهذا تورّط فُرض على اللبنانيين، فيما اللبنانيون يرفضونه اليوم وغداً ودائما»!
وحاول الحريري تبيان قدرته في تجييش الشارع السني ومحاولة استمالته من جديد، واختار ببنين العكارية للهجوم على الرئيس السوري بشار الأسد وزعمه أنّ سورية ستتخلص منه، في كلام بدأه منذ سنوات وسيستمرّ يكرّره ولو بعد عشرين عاماً مستخفاً بعقول جمهوره الذي بدأ يستهزئ من أوهام رئيس تياره. لكن أصواتاً نيابية بدأت تغرّد من داخل تياره تدعوه إلى الاستقالة لأنه أخفق مرة واثنتين وثلاثاً، وأنّ الناس فقدت الثقة به ولم تعد تستجيب للنداءات ولكلّ المحاولات اللعب على الألفاظ والاستخفاف بعقولها.
الزعامة المهدّدة
في المقابل، أشار عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض إلى أنّ هناك من يستخدم بصورة يومية خطاباً تصعيدياً ضدّ حزب الله، وهو يعتقد أنّ هذا الخطاب الذي يعمل على إثارة الغرائز والعصبيات من شأنه إعادة ترميم قواعد تياره السياسي المفككة، وهذه الزعامة المهدّدة، فهذا ليس الحلّ في مقاربة هذه المسألة، بل إنّ الحلّ يكمن في التفكير بمشاكل البلد العميقة بهدف إيجاد حلول لها. واوضح أنّ خطاب تيار المستقبل والقوات اللبنانية يلتقيان عند نقطة رفض منطق السلة الشاملة في معالجة كلّ المشاكل، وكذلك الأمر في ما يتعلق برفض النسبية الكاملة، فمن ناحية يرفضون السلة الشاملة أي ترابط الملفات ببعضها البعض بعدما تعقدت على مستوى الوصول إلى نتيجة في قانون الانتخاب، ومن ناحية أخرى يقطعون الطريق على إمكانية أن نعتمد قانون انتخابي نسبي، وبالتالي لا يمكن لنا أن نحقق انفراجاً في البلد.
جلسة مالية الثلاثاء
وفيما يغيب الحوار الوطني وقانون الانتخاب عن روزنامة الأسبوع الحالي، يعقد مجلس الوزراء جلستين الاولى غداً الثلاثاء يقدّم خلالها وزير المال علي حسن خليل شرحاً مفصلاً عن الوضع المالي بالتفاصيل والأرقام، لعدم الذهاب الى حدود الأزمة، والثانية الخميس المقبل من أبرز جدول أعمالها طرح وزير الاتصالات بطرس حرب التمديد لشركتي الخلوي ومرسوم أموال استملاكات توسيع اوتوستراد جونية.
تقاعد الطفيلي لا يحتاج إلى مرسوم تسريح
إلى ذلك، يبلغ نائب مدير جهاز أمن الدولة العميد محمد الطفيلي سنّ التقاعد اليوم، من دون أن يتمّ تعيين البديل. وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ»البناء» انّ بلوغ سنّ التقاعد لا يحتاج الى مرسوم تسريح من مجلس الوزراء»، مستبعداً ان يطرح تعيين البديل عن العميد طفيلي في جلسة الثلاثاء المخصصة للوضع المالي، الا اذا طرح هذا الملف من خارج جدول الاعمال. وشدّد درباس على انّ ملف جهاز امن الدولة مرتبط بمجلس الوزراء، واذا كان التمديد للواء ابراهيم بصبوص صدر عن الوزير المختص، فإنني أجزم وبشكل مطلق انّ الرئيس تمام سلام لن يمدّد للعميد طفيلي». واكتفى الوزير الياس بوصعب بالقول لـ»البناء» انّ التمديد لن يحصل لأنّ أيّ اجراء من هذا النوع من قبل الرئيس سلام يعني أنّ على الحكومة السلام».
وقالت مصادر عسكرية لـ»البناء» «لو كان رئيس الجمهورية موجوداً لا يعرض مرسوم توقيع بلوغ العميد طفيلي سنّ التقاعد على مجلس الوزراء، لأنه مرسوم عادي، لكن في غياب رئيس الجمهورية يقوم مجلس الوزراء مجتمعاً بمهامه». وتابعت: مجلس الوزراء لا يحق له اصدار أيّ مرسوم، فمهمته تقتصر على توقيع الوزراء مرسوم التقاعد فقط»، لافتة إلى «أنّ الوزراء المستقيلين لا يوقعون على المرسوم لأنّ هذا التوقيع هو عمل الحكومة مجتمعة ونصاب الثلثين لا يزال متوفراً».
بري يرفض ترك المنصب شاغراً
وعلمت «البناء» من مصادر مطلعة «أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري أبلغ المعنيين من مكونات الحكومة رفضه القاطع ترك هذا المنصب شاغراً». وأشارت المصادر إلى أنه اقترح اسمي العميدين حسين خليفة وسمير سنان للاختيار بينهما لمنصب نائب مديرعام أمن الدولة»، لافتة إلى «أنّ حزب الله لا مشكلة عنده بالاسمين المطروحين ولم يمانع تعيين أحدهما»
2016-06-27 | عدد القراءات 3131