كتب المحرّر السياسي
كلّ العيون على سورية مع التحوّلات النوعية الفاصلة التي حملتها معارك الأمس، حيث اشتعلت جميع الجبهات، وصولاً إلى توغّل «إسرائيل» خارج خط وقف النار ترقباً لتطوّرات الأحداث، فقد كتب ليوم الثاني عشر من تموز في الذكرى العاشرة للحرب التي شنّتها «إسرائيل» على المقاومة في مثل هذه اليوم وانتهت بهزيمة «إسرائيلية» مدوية، أن يفتتح صباحه بهزائم متتالية ونوعية للجماعات المسلحة التي تشكل جبهة النصرة عمودها الفقري في شمال سورية ووسطها وريف عاصمتها، والتي قال قادة الاحتلال إنها كفرع رسمي لتنظيم القاعدة تعتبر جهة مؤتمنة على أمن «إسرائيل».
الجيش السوري وفقاً للقنوات المموّلة والمشغلة من السعودية وتنسيقيات الجماعات المسلحة سيطر على أغلب نقاط ومفاصل ما تبقى من داريا بيد الجماعات المسلحة، وتطبق على خناقها بتوغّل يفوق الخمسمئة متر داخل مناطق انتشار المسلحين، وفي الغوطة تمكّن الجيش السوري بعد تطهير ميدعا من وضع الجماعات المسلحة في الغوطة تحت نيرانه، وقد أحكم الحصار عليها وقطع خطوط إمدادها. أما في أم المعارك في حلب، فقد شكل فخ مزارع الملاح التي اختارها الجيش السوري وحلفاؤه ميداناً لمعركتهم الفاصلة مدخلاً لاستدراج المئات من مقاتلي جبهة النصرة وفتح كلّ أنواع النيران عليهم ليتمّ إخراجهم من المعركة بين قتيل وجريح، اعترفت النصرة بمئة وخمسين منهم، وقالت إنّ تسعين قتيلاً بينهم وقرابة الستين جريحاً، بينما تقول مصادر متابعة للمواجهات في الملاح إنّ العدد الإجمالي يفوق الستمئة بين قتيل وجريح. ومع فشل الهجوم المعاكس على محاور الملاح، حاولت الجماعات المسلحة التي وحّدت صفوفها وأنشأت غرفة عمليات موحدة، أن تنقضّ على عدد من المواقع الحساسة للجيش السوري وحزب الله، كفرع المرور ومقرّ قيادة حزب البعث وقلعة حلب، وزعمت تحقيق إنجازات، فاجأها التلفزيون السوري ببث مباشر من المواقع المزعومة للإنجازات وتكذيبها، مؤكداً أنّ الجيش والحلفاء لا زالوا يمسكون بمواقعهم دون تعديل، وأنّ المعارك تدور على أحياء بني زيد وبستان القصر وبستان الباشا والكلاسة وأنّ الجيش يحقق المزيد من التقدّم في الليرمون، لإحكام المزيد من الحصار على الأحياء التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة في شرق حلب، وعلى مخيم حندرات، الذي يشكل ضمّه للائحة أهداف الجيش والحلفاء تحقيقاً لربط مواقع الجيش في غربي حلب بمواقعه قرب المطار وصولاً لطريق السلمية حماة.
على خلفية هذه التطوّرات، وما سيليها من تحوّلات تنتظر مسارات الحرب في سورية في الأيام المقبلة، بدأ وزير الخارجية الفرنسية جان مارك إيرولت زيارة رسمية إلى بيروت يريد عبرها تجميع المعطيات وبلورة الأفكار تمهيداً لزيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ترجمة لمساعٍ فرنسية بتحقيق قدر من التفاهم السعودي الإيراني على تسهيل الاستحقاقات اللبنانية، بتفاهمات الحدّ الأدنى. كما رأت مصادر تابعت التحضير للزيارة وما يرافقها، خصوصاً لجهة تبديد الانطباع عن تموضع فرنسا على ضفة الموقف السعودي العدائي لإيران وحلفائها بعد استضافة باريس مؤتمر المعارضة الإيرانية المموّل من السعودية، فتضمّن جدول الزيارة لقاء اليوم الذي سيجمع إيرولت بوفد من حزب الله، بينما توقعت المصادر نفسها أن تكون الجلسة الأهمّ هي التي سيعقدها إيرولت مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، سواء لرغبة فرنسية بالاستثمار المشترك مع بري في مسعى إنجاح مشروع السلة التي ينتظر أن تشهد مناقشة مستفيضة في فرصة هامة للتوافق الداخلي، في الخلوة المقرّرة لهيئة الحوار الوطني مطلع الشهر المقبل، أو لما سيُسمِعه بري للوزير الفرنسي من مواقف ناصحة وحازمة لعدم التورّط في ملف توطين النازحين السوريين في لبنان باعتباره خطاً أحمر، وعدم الحياد في ملف الحقوق النفطية اللبنانية أمام مخاطر القرصنة «الإسرائيلية»، على قاعدة النصح بأنّ موقفاً فرنسياً جدياً في هذين الملفين سيبني لفرنسا جسوراً ومرتكزات لدور في التسويات المقبلة.
إيرولت التقى الحريري
انطلق الأسبوع الحالي المزدحم بالملفات والاستحقاقات بحراك خارجي على المستوى الرئاسي بدأه وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت بزيارة رسمية إلى بيروت التي وصلها قبل انتقاله إلى الناقورة على متن طوافة تابعة لليونيفيل لتفقد قوة بلاده، وعاد إلى بيروت عصر أمس، متوجّهاً إلى قصر الصنوبر، حيث بدأ لقاءاته الرسمية في عشاء أقيم في السفارة الفرنسية وعقد على هامشه لقاءات مع عدد من القادة السياسيين من مختلف التوجّهات السياسية.
والتقى إيرولت رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في قصر الصنوبر في بيروت، في حضور السفير الفرنسي إيمانويل بون. وجرى خلال اللقاء استعراض الجهود الجارية لوضع حدّ للفراغ في رئاسة الجمهورية والاتصالات الدولية التي تُجريها فرنسا والمساعدات المطلوبة لمساعدة لبنان على مواجهة أعباء النزوح السوري الى أراضيه، كما لتدعيم الدولة اللبنانية ومؤسساتها والحفاظ على استقرار لبنان في ظل المخاطر الإقليمية والإرهابية المحيطة.
.. وعون وفرنجية
كما التقى إيرولت رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجيه.
جولة استطلاعية
وأشارت مصادر مطلعة على الزيارة لـ «البناء» إلى أن «إيرولت لم يحمل شيئاً جديداً على الصعيد الرئاسي، بل إن زيارته عبارة عن جولة استطلاعية وسيردّد الزائر أمام المسؤولين اللبنانيين معزوفة أن الوضع في لبنان يحتاج الى خطوات إنقاذية تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، لكن المصادر شدّدت على أن «الملف السوري لا سيما النازحين سيشكل موضوع البحث الرئيسي للزيارة نظراً لأهميته بالنسبة للأوروبيين عموماً والفرنسيين خصوصاً».
بري: التوطين خط أحمر
وأكدت مصادر عين التينة لـ «البناء» أن «إيرولت سيلتقي رئيس المجلس النيابي نبيه بري اليوم، وسيناقش معه كل الملفات والقضايا المطروحة وسيرى بري إذا كانت فرنسا تستطيع مساعدة لبنان في الملف الرئاسي وسيبلغ للمسؤول الفرنسي أنه على استعداد دائم للمساعدة رئاسياً، وكما سيدعو الجميع لمساعدة لبنان لإنهاء أزمته على المستويات كافة، إن كان أزمة الرئاسة وأزمة النزوح أو على مستوى استثمار النفط في البحر المتوسط وعلى صعيد الوضع الأمني»، لافتة إلى أن «بري سيؤكد للزائر الفرنسي أن طرح ملف النازحين رفض لبنان المطلق لتوطينهم على أراضيه»، مضيفة أن «بري متيقن من استحالة حصول التوطين لرفض كل اللبنانيين ولعدم دستورية وميثاقية خطوة كهذه»، مشدّدة على أن «لدى بري قناعة كبيرة بأن هذا الأمر لم ولن يمرّ لا جزئياً ولا كلياً ويُعتبر خطاً أحمر ولا أحد يتجرّأ على إثارة هذا الموضوع بشكلٍ علني بل يحاولون طرحه في الكواليس والأروقة الخارجية ويتردّد صداه في الداخل».
فرنسا داعمة لـ «سلة» بري
وقالت مصادر مطلعة على الملف الرئاسي لـ «البناء» إن «وزير الخارجية الفرنسي يسعى من خلال زيارته لبنان لدفع الأمور باتجاه الحلول ولحثّ اللبنانيين على أن يعوا المخاطر المحدقة ببلدهم والمحيط ولضرورة العمل لانتظام المؤسسات، ويبدأ ذلك بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وإقرار قانون انتخاب جديد عادل ومنصف، ثم إجراء انتخابات نيابية، مشيرة إلى أن كلام إيرولت للمسؤولين في لبنان ليس بعيداً عن طرح رئيس المجلس النيابي نبيه بري السلّة الكاملة للحلّ المدعومة إقليمياً ودولياً، ولفتت إلى أن «إيرولت تمنّى خلال لقائه العماد عون والوزير فرنجية النزول إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس إذا كان كل منهما لديه الثقة بالحصول على الأغلبية النيابية»، لكن المصار أوضحت أن «هذا الأمر لن يتحقق، فالمسؤول الفرنسي لا يملك أمر مهمة من حكومته للتنفيذ، كما حصل في العام 1958 عندما أجبر الفرنسيون الرئيس الراحل كميل شمعون على انتخاب فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية أو كما تدخلوا في انتخابات العام 1976 التي تنافس خلالها الياس سركيس وريمون إده وعندما فرضوا الوجود السوري في لبنان».
انفجار الأزمة في آب
وأضافت المصادر أن «الزائر الفرنسي سيتطرق إلى أزمة النزوح في بلاده وفي أوروبا عموماً، حيث سيطلب من المسؤولين والحكومة الحفاظ على الوضع القائم للنازحين السوريين والسيطرة على أي انفجار لهذه الأزمة. كما تريد فرنسا وكل أوروبا أن يحذو لبنان حذو تركيا بالإبقاء على النازحين السوريين على أراضيه تمهيداً لتوطينهم». وتخوّفت المصادر من «أزمة ستنفجر في شهر آب المقبل نتيجة انهيار الوضع الاقتصادي والمالي والسياحي وتفاعل الأزمة بين حزب الله والمصارف والبنك المركزي».
وعلمت «البناء» أن إيرولت سيلتقي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في مطرانية بيروت وسيشدّد الراعي أمام الوزير الفرنسي على ضرورة أن تلعب فرنسا دوراً هاماً لانتخاب رئيس ولرفض أي شكل من أشكال التوطين، كما يقول الدستور اللبناني، والمساعدة على الخروج من أزمة النازحين».
ومن المقرر أن يعقد إيرولت مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع نظيره اللبناني جبران باسيل مساء اليوم في قصر بسترس يتحدّث خلاله عن نتائج زيارته إلى لبنان.
سفيرة أميركية جديدة في لبنان
وتزامناً مع زيارة المسؤول الفرنسي، وصلت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية الجديدة في لبنان اليزابيت ريتشارد الى لبنان آتية من بلادها، وذلك لتقديم نسخة عن أوراق اعتمادها الى المسؤولين اللبنانيين قبيل تسلمها مهامها الدبلوماسية الجديدة كسفيرة لبلادها في لبنان.
قاسم: حل الرئاسة عند السعودية
وعشية الجلسة 42 لانتخاب رئيس للجمهورية الأربعاء المقبل، اتّهم حزب الله الرياض بعرقلة إنجاز الاستحقاق، فقال على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم إن «المشكلة الأساسية تكمن في التدخل الخارجي، فقد تبين خلال العامين الماضيين أن الجهة الوحيدة التي تقف سداً منيعاً وتشترط خيارها هي السعودية، فقد رفض وزير خارجيتها السابق سعود الفيصل اتفاقاً شبه ناجز لاختيار الرئيس، ومع أن الإشارات التي صدرت من الدول المختلفة خلال هذه الفترة لم تمانع في أي اختيار، فقد بقي «الفيتو» السعودي مانعاً من الانتخاب»، مضيفاً «طريق الحل في معالجة المشكلة، فتشوا عن السعودية، إن وافقت يجري الانتخاب غداً، وإن لم توافق فالأزمة طويلة، ولن تحلّها لا التصريحات ولا التبريرات ولا الزيارات الأجنبية ولا الاتهامات. في اختصار، حل الرئاسة عند السعودية».
جلسة حكومية مالية
على صعيد آخر، يستأنف مجلس الوزراء جلساته الأسبوعية التي توقفت بسبب عطلة عيد الفطر، فيعقد جلسة اليوم تخصص للاستماع إلى تقرير وزير المال علي حسن خليل عن الوضع المالي في البلاد، على أن تناقش جلسة الخميس جدول أعمال عادياً يغيب عنه الملف النفطي الذي حظي بتوافق التيار الوطني الحر- أمل في انتظار توافق سياسي شامل لإدراجه على جدول أعمال المجلس وإقرار مرسوميه.
النفط بانتظار مجلس الوزراء
وأشارت مصادر مواكبة الملف لـ «البناء»، أن «ملف استثمار ثروة لبنان النفطية والغازية تقدمت خطوات إيجابية جديدة لتضع الملف على السكة الصحيحة ويسلك طريقه نحو الخواتيم النهائية بانتظار أن يتخذ مجلس الوزراء خطوات جدية في إصدار المراسيم للانطلاق في التنقيب عن النفط في البحر». وعلمت «البناء» أن «اللجنة الوزارية المختصة في هذا الملف لم تتبلّغ حتى الآن أي دعوة للاجتماع للبحث في الملف»، مرجحة أن «تعقد الأسبوع المقبل جلسة تسبق جلسة مجلس الوزراء التي ستكون مخصصة لإقرار المراسيم».
.. وجلسة للجان الأربعاء
في غضون ذلك، دعا الرئيس بري أمس، اللجان النيابية المشتركة لجلسة قبل ظهر الأربعاء، لمتابعة درس اقتراح القانون الرامي الى تعديل قانون الانتخاب باعتماد صيغة النظام المختلط بين الأكثري والنسبي.
2016-07-12 | عدد القراءات 4468