كتب المحرر السياسي
المشهد الإقليمي الذي خطفت أضواؤه معركة تحرير الموصل من سيطرة داعش ، بدا مراوحة في المكان على صعيد الإتصالات الخاصة بسوريا ، دون توقفها رغم عدم عودة المتحاورين في لوزان إلى اللقاء كما وعد وزير الخارجية الأميركية جون كيري ، فإدارته لا تبدو مستعجلة لحلحلة تفرضها على حلفائها المنخرطين في الحرب في سوريا ، وخصوصا تركيا والسعودية ، ومن معهما من الجماعات المسلحة ، بينما تبدو الأولوية السعودية يمنية والأولوية التركية عراقية ، لذلك تقول مصادر إعلامية أميركية مقربة من البنتاغون ، أن تحقيق إنجاز نوعي في معركة الموصل سيكون كافيا بالنسبة للأيام المتبقة من ولاية الرئيس الأميركي باراك اوباما ودعما مناسبا لمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون ، فيما يبدو افنجاز على المسار السوري أشد تعقيدا ، سواء بسبب عدم حماسة الأفرقاء المعنيين لتعويم التفاهم الروسي الأميركي ، الذي كان أفضل ما يمكن بلوغه على المسار السياسي ، أو بسبب عدم حماسة العسكريين الأميركيين لقيود تعاون مع العسكريين الروس تستدعي السير بالتفاهمات المتعددة خصوصا ما يتثل بالأسلحة الإستراتيجية التي تسبب حرجا كبيرا للبنتاغون ونظرته لمستقبل إقتصاديات صناعة الأسلحة الصاروخية ومكانتها في إقتصاد أميركي مأزوم ، فيصير التشاور على نار هادئة هو الأمثل ، بعد قناعة الذين إجتمعوا في لوزان على أهمية مواصلة السعي لإيجاد تفاهمات ، ربما تبدأ من اليمن ، وتتواصل في سوريا .
مندوب روسيا رئيس مجلس الأمن فيتالي تشوركين ، قال بعد جلسة إستماع للمبعوث الأممي الخاص في سوريا ستيفان دي ميستورا ، أرادها المشاركون في لوزان بديلا عن إجتماعهم ، قال أن لا تقدم إلا بالإستعداد للمناقشة البراغماتية ، لكن لاإنجاز في مجال فصل جبهة النصرة عن المعارضة ، وفقا لما تراه روسيا طريقا لوقف الأعمال العدائية ، وما تضمنه التفاهم الروسي الأميركي ، وما سلم به المجتمعون في لوزان ، ولذلك قال تشوركين أن وقف النار الذي اعلنته موسكو من طرف واحد في شرق حلب لثمان ساعات يوم الخميس المقبل هو محاولة لفتح الباب لخروج المسلحين ، مشيرل إلى أن تعداد عناصر النصرة شرق حلب يقارب أحد عشر مسلحا وفقا لوزير الخارجية البريطانية ، وليس قرابة الألف كما سبق وقال المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا .
المراوحة السياسية ، مع التسليم بعدم التصعيد ، عبر عنه موقف الإتحاد الأوروبي الذي صعد كلاميا ضد روسيا وحلفائها في سوريا ، لكنه رفض السير بنهج العقوبات ، خلافا لما سبق ولوح به الفرنسيون والبريطانيون ، بينما سجل الميدان العسكري في سوريا مواصلة للعمليات الواسعة والمتسارعة للجيش السوري والحلفاء في شرق حلب ، وفي شمال حماة ، وفي ريف دمشق ، ليقرر هذا الميدان جولة سياسية جديدة كما في كل مرة .
مقابل هذه المراوحة السياسية والحماوة العسكرية في سوريا ، تقدم لمساعي وقف النار في اليمن مع إعلان حكومة منصور هادي الموافقة على وقف للنار لإثنين وسبعين ساعة يشمل وقف الغارات السعودية ، ووقف العمليات الحدودية السعودية اليمنية ، بينما كانت معارك الموصل في ذروتها ، حيث يخوض الجيش العراقي والبشمركة والحشد الشعبي ، بمشاركة خمسة آلاف جندي أميركي من الوحدات الخاصة ، وغطاء ناري يقدمه الطيران الأميركي ، بينما لا يزال التقدم بوجه داعش محصورا في الجوار الريفي ، بإنتظار ما ستسفر عنه لحظات المواجهة الأولى في المدينة ، وترسم عبره مسار المعركة .
لبنانيا ، يبدو الإرتباك والإنشغال على المستويين الدولي والإقليمي ، سببا لضياع لبناني في التعامل مع الإستحقاق الرئاسي ، فبينما يحسم الرئيس سعد الحريري خيار ترشيح العماد ميشال عون ، وينتظر وفقا لمصادرمطلعة أن يعلن هذا الترشيح بعد إجتماع دعا كتلته إليه اليوم ، مطلقا بذلك ماراتون الإتصالات التي يزمع العماد عون مباشرتها كمرشح يحظى بدعم يؤهله السعي للحصول على الإجماع ، ترى مصادر المتشائمين تجاه مسعى الحريري وعون أن المبادرة الحريرية تأتي بلا تغطية دولية وإقليمية ، وهذا وجه إيجابي من جهة يرجح مساحة اللبننة ، لكنه يخفض فاتورة الحريري التي كانت تتربط بها خياراته الرئاسية بما يجلبه معه من دعم خارجي لهذه الخيارات ، وتضيف هذه المصادر بالقول إن ما حصل عليه الحريري وفقا للمعلومات المتداولة من مفاوضاته مع فريق العماد عون ، تصح في حالة الحريري القوي محليا وصاحب التغطية الدولية والإقليمية ، ولا تصح عندها إلا عندما يتشارك الجميع في إلتزامها ، لكن في وضع الحريري المأزوم من جهة وحاجته المساة لتسوية تعود به لرئاسة الحكومة ، وما يجعله في وضع المطالب بسداد فاتورة إنقاذ من مأزق ، وبغياب أي تغطية دولية وإقليمية يمنحها وجوده في أي تسوية ، يصير ما منح له خطأ مزدوجا ، مبالغة وتفريط من جهة ، وتخط للشركاء من جهة أخرى ، وتقول المصادر أن ما يفترضه البعض من جولة بروتوكولية للعماد عون تقف على خاطر رئيس المجلس النيابي نبيه بري ، هي إختزال لقضية سياسية كبرى بالمجاملات ، فالرئيس بري لا مشكلة لديه مع العماد عون ، لكنه لا يجب تناول الطبخات الجاهزة ، ولا الديليفري .
المصادر ذاتها لم تستبعد أن يكون موعد بري وعون بعد عودة بري من سفره للمشاركة في مؤتمر الإتحاد البرلماني الدولي بصفتيه كرئيس للبرلمان اللبناني وكرئيس للإتحاد البرلماني العربي ، ما يجعل المهلة الفاصلة عن جلسة نهاية الشهر الجاري لإنضاج أي تفاهمات حقيقية غير كاف ، ويطرح تأجيل الجلسة لموعد ثان ، يتيح مواصلة التشاور ، إلا إذا إعتبر العماد عون والرئيس الحريري أن تفاهمهما كافيا للنزول إلى جلسة الإنتخاب ، التي يحضرها نواب كتلة التنمية والتحرير التي يترأسها الرئيس بري ، بصورة دائمة ، وبالتالي إكتفائهما برفع العتب مع الرئيس بري ، ما قد يجعل من إقدام بري على إعلان دعمه لترشيح النائب سليمان فرنجية واردا ، وترك التنافس تحت قبة البرلمان يحسم إسم الرئيس ، أو الذهاب للتأجيل .
2016-10-27 | عدد القراءات 1511