كتب المحرر السياسي
يبدو شهر تشرين أول شهرا حاسما للبنان وسوريا ، ففيه تبدو روسيا قد وضعت ثقلها لتوظيف رئاستها لمجلس الأمن الدولي ، مرفقا بالثقل العسكري والتفاوضي اللازمين ، للخروج بقرار أممي يضع مضمون التفاهم الروسي الأميركي إذا تعذر وضع التفاهم ذاته موضع التطبيق ، بينما تبدو الفرصة في لبنان أشد حرجا مع تشرين الأول فمرور الموعد المقرر للجلسة النيابية المخصصة نهاية الشهر لإنتخاب رئيس للجمهورية دون ملء الفراغ بتوافق ينتج رئيسا ، سيكون للمسار الذي بدأه الرئيس سعد الحريري تحت عنوان فتح الباب لفرصة إعتماد ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية ، مصيرا مشابها لمسار إعتماد ترشيح النائب سليمان فرنجية .
في تشرين الأول الروسي لسوريا تبدو الأيام السبعة القادمة هي الأهم ، فمن جهة يفرض التطور العسكري في ميادين شرق حلب إيقاعه ، مع التقدم المتواصل للجيش السوري الذي بلغ أمس أجزاء هامة من حي صلاح الدين ، وتلة ابي سعيد التي تشرف على أحياء السكري وابي سعيد عدا التقدم المستمر في حي بستان الباشا وتفرعاته في حلب القديمة ، ومن جهة مقابلة بدأت ثمار التفوق الميداني المدعم بلغة روسية وإجراءات عسكرية حاسمة يعطيان ثمارهما ، عبر ما طرحه المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في مبادرته ، تحت عنوان عريض هو مقايضة وجود النصرة بوقف النار ، وهو ما قبلته موسكو كمبدأ ، ومدخل للتفاوض .
تتحرك موسكو على جبهتين ، تغلق الباب لكل البدائل لمشروع دي ميستورا ، فتعلن إشهار الفيتو بوجه المشروع الفرنسي ، وتشهر سلاح الردع العسكري بوجه التلميحات الأميركية عن فرضيات عسكرية ، من إعلان جهوزية الشبكات الصاروخية للدفاع للجوي بالتصدي لأي عمل عسكري أميركي ، إلى حشد المزيد من السفن الحربية ، وتوثيق الإتفاقيات العسكرية مع سوريا بمصادقة البرلمان الروسي ، وصولا لتصعيد التغطية النارية لعمليات الجيش السوري في شمال سوريا ووسطها وجنوبها ، وإستثمار ما يرد من وقائع حول إنشقاقات ومعارك ضارية في صفوف الجماعات المسلحة ، أهمها تشقق جيش إدلب الحر وإنضمام فصيل صقور الجبل إلى جبهة النصرة ، بعدما تبنت واشنطن هذا التشكيل وسملته أسلحة نوعية تقول التقارير الأميركية أنها باتت اليوم بيد النصرة ، لتسألها موسكو ، أين المعارضة المعتدلة التي تتحدثون عنها ، بينما تخوض أحرار الشام وجند الأقصى حرب تصفيات ، شهدت إعدامات بالعشرات في ريف إدلب الجنوبي ، وإنضم إليها بمؤازرة أحرار الشام كل من جماعة نور الدين زنكي وجيش الإسلام ، وكلها فصائل مدعومة من واشنطن ، وأصدروا بيان إنذار لجند الأقصى عنوانه " العودة إلى شرع الله وإلا " .
ترسم موسكو خارطة طريق لتشرينها السوري ، بإغلاق المنافذ أمام اي بدائل سياسية وعسكرية لدى الغرب ، لجعل مبادرة دي ميستورا ممرا إلزاميا لمفاوضات تعرف أنها شاقة وطويلة ومشتعبة ، فالمبادرة سيئة في كل شيئ ما عدا تسليمها بمعادلة خروج النصرة مقابل وقف النار ، وكل ما عداها يحتاج تعديلات ومفاوضات ، ومعهما المزيد من جرعات الدواء الذي جعل المبادرة تبصر النور ، وهو الضغط العسكري ، الذي سيسبق خطوات دي ميستورا إذا تباطأ .
تشرين اللبناني الضيق المجال على الإستحقاق الرئاسي ، هو الآخر فيه سبعة ايام حاسمة ، لكنها ليست اسبوعا متصلا ، بل هي الأيام التي تتقاطع فيها روزنامة رئيس مجلس النواب نبيه بري مع روزنامة الرئيس سعد الحريري في بيروت ، وهي الأيام ما بين السابع عشر والعشرين من هذا الشهر وما بين الثامن والعشرين والواحد والثلاثين منه ، فالحريري يسافر لعشرة ايام يعود بعدها ، وبري يسافر في النصف الثاني لأسبوع كامل ، وفي هذه الأيام السبعة ستستعرض حصيلة المشاورات الداخلية والخارجية للحريري ، وقياس مدى نضجها لإنتاج حصاد رئاسي في جلسة الواحد والثلاثين من هذا الشهر ، بينما بدأ الحريري خطوة التمهيد الأولى بإعلان كتلة المستقبل على لسان النائب عمار حوري أن الكتلة باتت بمناخ إعتماد العماد عون كخيار جدي مطروح بين الخيارات الرئاسية بإنتظار المزيد من المشاورات ، بينما تكفل كل من مشاركة التيار الوطني الحر في جلسة الحكومة أول أمس وزيارة وزير المال علي حسن خليل إلى بكركي بتذليل العقبات من طريق البحث بعيدا عن اي تشنجات ومعارك جانبية بملفات التفاهمات التي يتوقف عليها التقدم نحو الإستحقاق الرئاسي بتوافق شامل وفي مقدمتها قانون الإنتخابات النيابية ، وأزالت التشنجات والإحتقانات التي سيطرت على الجو السياسي لأيام مضت ، لتفتح الطريق الهادئ أمام المحادثات والمفاوضات ، التي لا يعترف بها الجميع وهم يعرفونها ، ويعرفون انها ليست اسهل من المفاوضات التي تنتظر مبادرة دي ميستورا بخصوص حلب ، كي لا يصير الخطاب عن ملء الفراغ الرئاسي بعد الفشل "إنه حصرم رأيته في حلب ".
2016-10-27 | عدد القراءات 1829