من حق الرئيس نبيه بري ...لكن عليه أيضا ! نقاط على الحروف
ناصر قنديل
يظهر موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري مفاجئا للكثيرين في تعامله مع الإستحقاق الرئاسي من بوابة جلسة الإنتخاب يوم الإثنين ، وسيبدو طبيعيا توقع ممانعة الرئيس بري بقياس النظر لتصدر صفوف المتفاجئين من رسموا للعلاقة بين الرئيس بري وحزب الله صورة نمطية مستمدة من نظرتهم للتحالفات بمفهومها الأعرج ، فإنطلق هؤلاء من أن تبني حزب الله لترشيح العماد ميشال عون من جهة ، و من جهة مقابلة إمتناع الرئيس بري عن خوض غمار إيصال المرشح النائب سليمان فرنجية بصورة تكسر موقع وموقف حزب الله يوم كان ذلك متاحا ، إنطلاقا من رؤيته للإنعاكسات التي سيرتبها ذلك من معادلة نصر وهزيمة في المعارك الإقليمية ، للمقاومة التي يتصدرها حزب الله بوجه إسرائيل ، وفي سوريا التي يشكل قتال حزب الله فيها قيمة مضافة لحربها على الإرهاب ومشغليه ومن يقفون وراءه ، فيسهم عمليا بتظهير حزب الله يفقد مكانته عند حليفه وشريكه الأبرز ، وتظهير من وقفوا محليا وإقليميا ودوليا لدعم ترشيح النائب فرنجية ، وكلهم خصوم لحزب الله في معاركه بوجه إسرائيل وفي الدفاع عن سوريا ، كأنهم ينتصرون عليه في بيته ، ويطعن من بيت أبيه ، وهذه إستحالة في عقيدة بري وفلسفته للسياسة ، وليست إستبباعا لموقف الحزب ، لترتسم صورة بني عليها أنه عندما تنضج ظروف قبول الرئيس سعد الحريري بترشيح العماد عون لن تكون ثمة حاجة للتساؤل عن موقف الرئيس بري ، الذي سيكون سهلا التفاهم معه و إقناعه ، إن لم يكن المونة عليه وإعتباره في الجيبة وتحصيل حاصل ، فمن حق بري أن يصوب ويصحح وهذا بعد التجاهل الذي تلمسه لموقعه موقفه لا يتم بالكلام والعتاب بل بموقف ، خصوصا ان الفريقين اللذين يوجه نحوهما بري موقفه قريبان منه ويفهمان مواقفه ودغواته لهما بالتوافق والحوار ، وفتح ذراعيه لهما ليتشاركاه في غرفة مغلقة مجاورة يقدمها لهما ، فأوحيا له بأن الطرق موصودة بينهما حتى نضج تفاهم قيل عنه الكثير وعن أسراره ، وصار من حقه تصديق ما يقال ، لأنه لو لم يكن يثير الريبة لما أخفياه ، وصارمن حقه أن يقول أن التهرب من طاولة الحوار تهرب من حوار لا تشوبه شائبة ، إلى حوار الشوائب .
بحساب مواز يستشعر الرئيس بري أن التيار الوطني الحر الذي يربطه تحالف وثيق بحزب الله ، أصر على تصوير هذا التحالف محصورا بحزب الله من دون أن يترك فيها مناسبة للغمز من تصنيف الرئيس بري وفريقه السياسي كجزء من محور يضمه مع الرئيس الحريري والنائب جنبلاط ، والوصول للحديث عن قوى سلب التمثيل الصحيح للمسيحيين ووضع بري في القائمة ، والحديث عن قوى التعاون مع سوريا بإستخدام وصف"الوصاية" وترتيب بري في المقدمة ، والحديث عن نظام المحاصصة والفساد وتركيز النار كي لا يفوت بري نصيب منها ، وبينما كان بري لا يقصر في الرد ، كان يتلقى كل مسعى للوصل بمثله ، لكنه كان ينتظر مع ترشيح العماد عون للرئاسة أن تحل العقلانية السياسية على خطاب التيار الثوروي ، ويرى أن ذلك باب حتمي وممر إلزامي لتوفير النصاب اللازم نيابيا لبلوغ قصر بعبدا ، والعقلانية هي إنخراط بتفاهمات مع من يوصفهم خطاب التيار بتحالف ثلاثي تزوير التمثيل المسيحي وإقتسامه ، وجماعة نظام الوصاية ، وقوى المحاصصة والفساد، الذين لم ينفك التيار عن وضع الرئيس الحريري وتياره في طليعتهم ، من دون أن يعني ذلك أن التيار لم ينل بري ردودا مناسبة في إتهامات مشابهة ، لكن هذه بقيت مشاكسات ومشاغبات ، ليست ضربا تحت الحزام ، خصوصا أن تيار المستقبل كان يقول في التيار ورئيسه ما يكفي ، للتنبؤ بأن أي تقارب بينهما ، بما هو ممر إلزامي للرئاسة عموما ، ولرئاسة العماد عون خصوصا ، فإن بركات هذا التفاهم ستتكفل بتصويب مسار علاقة ملتبسة وغير مفهومة ، ليتبين أن ثمة ما ليس مفهوما ومفسرا في سلوك من يجد تفسيرا للتفاهم مع الحريري ، ويحاول تفسير موقف بري الممانع بإعتبارات وخطاب يفترض أن التفاهم مع الحريري يتكفل بنسيانها ، وبالمقابل ليس مفهوما لمن يتقبل التفاهم مع التيار الوطني الحر بدواع يضفي عليها الإعتبارات الوطنية ، ألا تشمل إعتباراته الواصلة إلى الرابية عين التينة ، إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها ، وهذا لا تنهيه التطمينات الكلامية ، خصوصا أنها ستتم تحت ضغط الإنتخاب الرئاسي كتسوية مجاملات ، وبقوة وهم أن بري سيسير بما يقرره حزب الله فلا تأخذ الواقف حجمها ويحسب للتحفظات ما تستحق ، فصار من حق بري أن يخوض إستطلاع المخفي بالنار ، لا بالسؤال ، وأن يكشف ما وراء الأكمة حبة حبة لا بالمنظار والوصف الإجمالي ، وهذه لا تنسجم إلا مع معادلة ما بعد الإنتخاب وبدء المشوار الحكومي .
من حق الرئيس بري أن يتساءل عن قانون الإنتخابات النيابية الذي يشكل بإجماع القوى التي إلتقت على طاولة الحوار الأولوية التي يفترض أن تكون على جدول أعمال الحكومة الأولى في العهد وهل كانت هذه الأولوية هي الضحية ، إن لم تكن الإنتخابات نفسها ، فليس سواهما ما يخجل الآخرين البوح به ، وإستكشاف الأمرين ، مستقبل القانون والإنتخابات ، سيظهره البحث في مرحلة تأليف الحكومة ، ويعيد الإصطفاف السياسي على أساس برنامجي لا شخصي ولا مصلحي ، ويمنح التفاهمات بعدا وطنيا لا فئويا ، وهنا سيكون الرئيس بري وحزب الله في موقع واحد بالتأكيد ، وسيكون صعبا على العماد عون ألا يكون معهما وهو صاحب مشروع إصلاحي من جهة ، وحليف موثوق لحزب الله من جهة أخرى ، وستكون ممانعة بري ضمانة للعهد الجديد ومساره ومصيره لا خصومة معه وتعطيلا له ، ويمكن للخائفين اليوم من موقفه ، المطمئنين بالأمس إلى سهولة تذليل عقدته ، أن يطمئنوا بأن الرئيس بري عندما يراكم أسبابا لموقف لا يذهب لما يسميه البعض ثأرا وإنتقاما وشخصنة ، بل يؤسس من كل هذه التراكمات موقفا سياسيا يصوغ عبره عنوانا للمشاركة والمقاطعة ، للتعاون أو للمعارضة ، ويعرف الذين واكبوا عهودا ماضية أن الرئيس بري عندما إستشعر إستخفافا ودعوة للمشاركة معا ، رسم سقفا سياسيا ، كان في عهد الرئيس أمين الجميل إلغاء إتفاق السابع عشر من ايار ، وفي عهد الرئيس إميل لحود حكومة وحدة وطنية ، وقد بدأ مع العهدين بروحية التعاون وفتح الفرص ، واليوم من حقه أن يجعل قانون الإنتخاب والإنتخابات عنوانا للمشاركة والمقاطعة ، فيشكل الرافعة لإيضاح الغموض و عدم الوقوع في المرفوض أو لكشف المستور وتصويب الأمور.
طالما أن كل ذلك من حق الرئيس بري ، ولعله بات يحظى بتفهم العماد عون الذي سيتوج رئيسا للجمهورية اللبنانية يوم الإثنين ، واثقا من إمتلاكه ما يطمئن هواجس بري ، وينهي الممانعة ليفتح باب مشاركة ، وحدها تحقق الإرتياح لحزب الله ، الحليف الذي بذل الكثير وتحمل الكثير حتى الفوز بهذا الإنتصار ، فإن على الرئيس بري أن يدرس الخطوات بأناة ، وهو يعلم ثلاثة أشياء بحسه وفطرته وبديهته ، وتراكم خبرته ، ووطنيته ، وصفاء ذهنه ، وهي اشياء لا يطالها الكثيرون ولو أنفقوا وقتا في التمحيص والتدقيق ، أولها أن وصول العماد عون للرئاسة مهما قيل فيها على صفحات التواصل من مناصرين ، هو نصر لحلف يشكل الرئيس بري أحد اركانه ، وانه لولا هذا التحول في الموازين الإقليمية والدولية لصالح محور المقاومة وحليفته روسيا ، لما حدثت معجزة تحول الحريري نحو العماد عون ، وأن العماد عون قد موثوق بصدق المواقف التي يتخذها من ضمن حلف النصر الذي تشكل المقاومة وسوريا حجر الرحى فيه ، وأن موقفا بحجم موقفه ومكانته ، لا بد أن يؤثر على صورة هذا النصر مهما سعى ويسعى لحصرها بإعتبارات من نوع العتب ، وربطه بالحريري لا بالعماد عون ، وثاني هذه الحقائق ، أن مشاركته اللاحقة من موقع ممانعته الراهنة التي تتخذ النائب فرنجية عنوانا كمرشح رئاسي ، ستكون بفعل منظومة القيم التي يعتمدها مشروطة بحفظ مكان ومكانة في هذه المشاركة للحليف فرنجية ، تزداد صعوبة مع تشنجات الصراع السياسي ومفرداته ، ويزداد معها إستئثار ثنائي الحريري والقوات اللبنانية بالإحاطة بالعهد الجديد ولو بدون حكومة ، وهنا تطرح الحقيقة الثالثة ذاتها ، إذا بقيت ممانعة بري وبقي تضامن حزب الله معها ، والأمران يحتاجان تدقيقا ، فالممانعة المفتوحة من ضمن التضامن لفريقين رئيسيين إفشال لعهد في بداياته ، و الإفتراق بين الحليفين مخاطرة بما هو أبعد من بلد وطائفة ، والسؤال عن معنى هذا النصر يصير مشروعا إذا ضرب من بيت أبيه ؟
هل من فكرة مبتكرة في جعبة بري لصبيحة اليوم الإنتخابي ، تضمه مع فرنجية ، بعدما وصلت الرسائل ، لعلها معجزة لا تطلب إلا من قامات بحجم قامة رجل دولة إسمه نبيه بري ، تريح كل الحلفاء ، وترخي الأعصاب المشدودة للبنانيين ، وتبشر بالإستقرار دون التنازل عن ذرة من التحفظات والمواقف ؟