كتب المحرر السياسي
يصف مرجع سياسي مخضرم يواكب المشهد بأبعاده الدولية والإقليمية والمحلية، ما يجري بالقول، إنّ الشيء الجدّي الوحيد الذي يمكن وصفه بكتابة الحدث وصناعة الوقائع الصارخة هو ما بدأ للتوّ في مدينة حلب مع التقدّم النوعي للجيش السوري وحلفائه، واكتمال عدة الحرب الروسية، التي ستوفر لها الانتخابات الرئاسية الأميركية غطاء دخانياً كافياً لأيام مقبلة ستكون كافية لإحداث التحوّل اللازم عسكرياً، قبل أن ينجلي غبار المعارك الانتخابية الأميركية واحتفالات المنتصر وجمهوره، وغضب الخاسر وطعنه بالنتائج.
عن الانتخابات الرئاسية الأميركية يقول المرجع إنّ فوز كلينتون المرجّح بفارق ضئيل، ستوصل أياً كان شخص الفائز رئيساً منهكاً باتهامات وحملات، أفقدته المهابة، في دولة اعتادت على صناعة السياسة الخارجية بالخروج للحرب، سيكتشف رئيسها الجديد بعيداً من التمنيات، أنّ جيوشه ستصارحه بالحقيقة المرّة، «تستطيع سيدي أن تهدّد بالحرب، لكنك لن تستطيع أخذنا إليها». وفي دولة اعتادت أن تنجح اقتصادياً برئيس جمهوري يطلق يد الشركات الكبرى فتتضاءل الضمانات الاجتماعية للطبقات الوسطى والفقراء والمهمّشين لكي ينطلق النمو ويزدهر الإنتاج، أو تنجح اجتماعياً بازدهار الطبقة الوسطى مع رئيس ديمقراطي يفرض الضرائب على الشركات الكبرى لتنفتح الأبواب لنمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومعها مئات آلاف وملايين فرص العمل الجديدة، ستكون على موعد مع رئيس جمهوري يهدّد وحدة النسيج الاجتماعي، من دون أن يطلق الاقتصاد، أو مع رئيسة ديمقراطية يتأرجح بين استرضاء الشركات الكبرى وملاطفة الطبقة الوسطى، ليخيّم الاضطراب الاجتماعي في الحالين. فالخيار هو بين ممثلة تتقن إلقاء مسرحيات شكسبير تخرج من منصات برودواي الارستقراطية، لكن لكي تقبض أجراً مرتفعاً، وبين ممثل في تلفزيون الواقع، يلهث ليفاجئ بغير المألوف، سيرى فيه الأميركيون صورتهم التي حرصوا دوماً على إخفائها بأطنان المساحيق، وجاء تلفزيون الواقع يفضحها، فيلاحقهم في غرف النوم وهم عراة.
يقول المرجع السياسي إنّ العيون المشدودة نحو المشهد الانتخابي الأميركي، والأنفاس المحبوسة بانتظار النتائج، ستصاب بالصدمة من أنّ السياسة الخارجية التي رسمها الرئيس باراك أوباما ودأب المرشحان على انتقادها ستكرّس كسياسة رسمية أياً كان الفائز. ويضيف أنّ المشهد الإقليمي كان بليغاً من بيروت، حيث حلّ وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف ضيفاً على الأمين العام لحزب الله، كراعٍ للنظام الإقليمي الجديد الذي تبلورت ملامحه منذ توقيع التفاهم على الملف النووي الإيراني، ليوقع على نسخة لبنانية من الملامح التي ستتبلور تباعاً للتسويات المقبلة التي تشبه ما جرى في التسوية اللبنانية، بعدم ممانعة متبادلة، عنوانها عدم ممانعة سعودية بتسوية تحمل مرشحاً مدعوماً من حزب الله لرئاسة الجمهورية، مقابل عدم ممانعة حزب الله بوصول مرشح مدعوم من السعودية لرئاسة الحكومة، وتقف إيران بين طرفي التسوية اللبنانية، السعودية وحزب الله كراعٍ يضع توقيعه بتواضع القوي، ليلفت الانتباه إلى دور رئيسي حاسم في استكمال بنود التسوية لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، مقدماً لبنان كفرصة قابلة للتكرار في سورية واليمن، بعدم ممانعة سعودية ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد، مقابل عدم ممانعة الرئيس السوري بصيغة حكومية تتمثل فيها جماعة السعودية، وبعدم ممانعة سعودية مماثلة بتنحّي منصور هادي عن الرئاسة في اليمن مقابل عدم ممانعة من تحالف أنصار الله والمؤتمر الشعبي بوصول نائب رئيس وسطي مقبول من السعودية إلى الرئاسة.
التسوية اللبنانية الفرصة تبدو في منزلة بين التقدّم والمراوحة، بعدما تخطت وفقاً للمرجع السياسي نفسه، عنق زجاجة التمثيل السياسي الذي بات محسوماً لحساب ضمّ أوسع مروحة سياسية من التيارات والأحزاب، وبدأت تتضح معالم الأسماء المرشحة لتمثيلها والحقائب التي ستسند إليها، لكن التي تبقى رهناً بنهاية التشكيلة، كما يتمّ تركيب لعبة «البازل»، حيث تركيب آخر الحجارة قد يستدعي إعادة النظر بكلّ ما بدا محسوماً، والحجر الأخير يبدو مع تخطي عنق الزجاجة في الوقوف وجهاً لوجه أمام سدادة القنينة المقفلة حتى اللحظة، متمثلة بتمسك حزب القوات اللبنانية بحقيبة سيادية، قد يكون المخرج منها وفقاً للمرجع، ببقاء الحقائب السيادية الأربع على حالها في حكومة الرئيس تمام سلام.
ظريف بين بيت الوسط والضاحية وعين التينة
واصل وزير الخارجية الإيراني أمس، محمد جواد ظريف جولته على القيادات اللبنانية، متنقلاً بين الوسط وعين التينة والضاحية الجنوبية، حيث التقى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في حضور عدد من قياديي الحزب، حيث تم عرض آخر الأحداث والتطورات السياسية في لبنان والمنطقة.
وفي زيارة لافتة وهي الأولى من نوعها لمسؤول إيراني الى الرئيس سعد الحريري منذ سنوات، زار الوزير الإيراني بيت الوسط، والتقى رئيس الحكومة المكلف. وبعد اللقاء، تمنى ظريف التوفيق للحريري في مهمته، وقال: «لقد عقدنا لقاءً مميزاً مع دولة رئيس الحكومة المكلف الاستاذ سعد الحريري، كما أكدت له من جانب آخر على عزم وارادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية على التعاون والانفتاح على الجمهورية اللبنانية الشقيقة في المجالات كافة في ظل الحكومة الحالية والحكومة التي ستبصر النور قريباً، وأن الأخطار الصهيونية والتكفيرية تهددنا جميعاً، ونحن مستعدون للعمل مع الشعب اللبناني بجميع أطيافه لمواجهتها».
كما التقى ظريف في عين التينة، رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأكد بعد اللقاء أن الدور الذي يلعبه رئيس المجلس أساسي وجوهري، وهو يأخذ في الاعتبار مصلحة اللبنانيين»، معرباً عن أمله في أن «نشهد في المرحلة المقبلة ولادة الحكومة الجديدة».
وكان ظريف قد استهلّ جولته أمس بلقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام في المصيطبة متمنياً «تشكيل الحكومة بسرعة»، ومشدداً على أن «لا حل إلا سياسياً لأزمات المنطقة وخاصة في سورية واليمن».
دور إيران وسورية الأقوى في العهد الجديد
وقالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إن «زيارة الوزير الإيراني إلى لبنان تأكيد على الدعم الإيراني للعهد الجديد وعلى أن وصول الرئيس ميشال عون الى رئاسة الجمهورية هو إنجاز لإيران التي تؤيد خياراته الاستراتيجية التي وردت في خطاب القسم»، وأوضحت المصادر أن «زيارة ظريف الى بيت الوسط تأتي في إطار سياسة إيران المتوازنة تجاه الأطراف اللبنانية وأنها لا تدعم طرفاً ضد آخر، بل تدعم التوافق بين اللبنانيين وما تقديمها التهنئة للرئيس الجديد إلا دليل على ذلك». وأشارت إلى أن «السعودية لا تستطيع منع الحريري الذي بات لديه صفة رسمية، من استقبال ظريف، لكن لا دلالات سياسية للزيارة لجهة تفاهم بين إيران والسعودية حول المسألة اللبنانية»، موضحة أن «أكثر من مسؤول إيراني زار لبنان في السابق وكانوا يلتقون الرئيس سلام وآخرين، فالزيارة الإيرانية ليست بجديدة، لكن الزيارة السورية هي المفاجئة وتحمل دلالات».
وأكدت المصادر أن «زيارة ظريف قد فتحت نوافذ للتعاون الاقتصادي بين إيران ولبنان الذي سيستفيد من الانفتاح الاقتصادي العالمي على إيران، لكن ترجمة ذلك مرهونة بالوقت والتفاهمات السياسية داخل الحكومة الجديدة لا سيما وأن هناك عشرات الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعت بين الجمهورية الإسلامية وحكومات الرئيس الراحل رفيق الحريري لم ينفّذ منها شيء لأسباب سياسية وممانعة أميركية سعودية».
وشدّدت المصادر على أن «لقاء ظريف والسيد نصرالله ذو طابع رسمي وأصرّت قيادة الحزب على حضور وفد قيادي من الحزب، لأن الزيارة ليست خاصة أو حديث خاص أو نقل رسائل، بل حزب الله مستقل في سياساته المحلية وإيران تدعم ما يتفق عليه اللبنانيون وما يوافق عليه حزب الله وليس لديها سياسة خاصة في لبنان وزيارته للسيد نصرالله استكمال لزياراته على القيادات الرسمية والحزبية».
واعتبرت المصادر نفسها أن «زيارة موفد الرئيس السوري منصور عزام إلى قصر بعبدا كانت مفاجئة وكسرت الحظر الذي فُرض على سورية ورفض التعامل مع حكومتها من قبل فريق 14 آذار والحكومة السابقة، لكن الوضع الآن تغيّر ولم يعُد كالسابق، الأمر الذي يمهّد الى التعامل الرسمي بين الحكومتين السورية واللبنانية التي ستبصر النور قريباً، وبالتالي حل الملفات العالقة بين البلدين مع الحكومة السورية لا سيما النازحين السوريين وأزمة التبادل التجاري والتنظيمات الإرهابية على الحدود».
وشدّدت المصادر على أنه «من خلال مشهد التهنئة للرئيس الجديد يظهر أن الدور الإيراني والسوري في لبنان أقوى من الدور الخليجي في العهد الجديد، وبعد زيارة الموفد السوري وقبل وصول المسؤول الإيراني سارع وفد سفراء دول الخليج الى زيارة الحريري الذي أكد على ضرورة عودة العلاقة الجيدة مع مجلس التعاون الخليجي، بينما أكد وزير الخارجية جبران باسيل خلال لقائه ظريف بأن لبنان يتفق مع إيران في الاستراتيجيا، وبالتالي فإن لبنان مقبل على تنافس في الأدوار بين السعودية التي أصيبت بنكسات في المنطقة وبين إيران المنتصرة في أكثر من جبهة إقليمية». ونفت المصادر أن «يكون انتخاب رئيس في لبنان قد أتى نتيجة تسوية إيرانية سعودية، متوقعة أن تواجه الحكومة المقبلة الكثير من الخلافات السياسية».
عون: سنعتمد التخطيط في بناء الدولة
وشدّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على «اهمية وجود خطة اقتصادية شاملة مبنية على خطط قطاعية للنهوض بالبلاد»، مؤكداً «أهمية التنسيق بين مختلف الوزارات والمؤسسات العامة واعتماد التخطيط، لأن بناء الدولة لا يمكن أن يستقيم من دون ذلك». وقال خلال استقباله وفداً من جمعية المصارف برئاسة الدكتور جوزف طربيه «إن تحسّناً ملموساً طرأ على الوضع العام في البلاد خلال الأسبوعين الماضيين»، مؤكداً «أن لا عودة الى الوراء». واعتبر «أن الاستقرار الأمني والسياسي لا بد أن يترافق مع الاستقرار الاقتصادي، لأن لبنان المستقرّ يساعد على تحفيز المستثمرين اللبنانيين والعرب والأجانب للاستثمار فيه، كما يشجع المغتربين على استمرار التواصل مع وطنهم الأم والمساهمة في نهوضه».
التصعيد غاب عن بيان المستقبل
وفيما خلا بيان كتلة المستقبل خلال اجتماعها الأسبوعي أمس، من المواقف التصعيدية ضد حزب الله وسورية وإيران، كما درجت العادة كما لم تأت على ذكر زيارة الموفد السوري الى بعبدا، نقلت مصادر الرئيس الحريري لـ «البناء» أن اجتماع الكتلة كان سريعاً ومحدداً بموضوع تشكيل الحكومة ولم يتطرق الى الملفات والمستجدات في لبنان والمنطقة، لكن لا يعني ذلك أن بيانات الكتلة المقبلة لن تتطرق الى أي تطور على الساحة اللبنانية أو الإقليمية أو الدولية»، وشددت المصادر على أن «الحريري تطرّق خلال اجتماع الكتلة الى زيارة ظريف، وأكد أن الحديث دار حول الوضع في لبنان والمنطقة بشكل عام ولم يتم الدخول في التفاصيل، وأن الزيارة أتت في إطار زيارة الدبلوماسي الإيراني لتهنئة الرئيس عون»، موضحة أن «لا مشكلة في استثمارات إيران في لبنان إذا كانت لا يتعارض مع العقوبات الدولية على طهران».
كما نقلت المصادر عن الرئيس المكلّف قوله إن «الأمور مسهلة ولا عقبات أمام تشكيل الحكومة ولن يطول تأليفها، وأن كل طرف حدّد مطالبه ويعمل الحريري على صيغة توافقية تضم الأطراف كافة قدر الإمكان، كما نقلت عنه ارتياحه لانتخاب رئيس الجمهورية وتكليفه تشكيل الحكومة والتعاون الذي يبديه جميع الأطراف».
ودعت كتلة المستقبل جميع القوى السياسية لالتقاط هذه اللحظة الإيجابية وتسهيل عملية التأليف التي يقوم بها الرئيس المكلف سعد الحريري، من أجل إنجاز تشكيل حكومة العهد الأولى، ورأت أنه «من الضروري أن تتّسم مطالب جميع الأفرقاء بالواقعية السياسية بما يعجل في تأليف الحكومة، وبالتالي تمكينها من ممارسة مهماتها وواجباتها للعودة بالبلاد إلى الحياة الطبيعية على الصعد الوطنية والسياسية والاقتصادية والمعيشية».
..و«القوات»: متمسّكون بـ«السيادية»
وفي حين أكدت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ «البناء» أن «ولادة الحكومة ستكون قريبة إذا حلت عقدة القوات التي تتمسك بحقيبة سيادية، وأما إذا لم تحل فقد تطول فترة التشكيل لوقت طويل»، أشارت مصادر أخرى الى أن «حزب الله لن يتدخل في عملية تشكيل الحكومة، بل أوكل الأمر للرئيس بري الذي لن يتنازل عن حصة الطائفة الشيعية ولا عن تمثيل حلفائه، لكنها رجحت أن يتم التوصل الى صيغة حكومية تؤدي الى مشاركة حزب الله وأمل في الحكومة المقبلة».
بينما قال مصدر «قواتي» لـ «البناء» إن كل ما يتم تداوله في الإعلام والصحافة عن الأسماء والحقائب والحصص غير دقيق، وأن المفاوضات تجري في غرف مغلقة وبسرية ومع المعنيين بشكلٍ مباشر». ونفى المصدر أن تكون القوات قد تنازلت عن الحقيبة السيادية التي تطالب بها لصالح حقائب خدمية عدة من بينها الأشغال، موضحاً أنها «لا زالت متمسكة بحقيبة سيادية ويحق لها أن تطالب بحصص وزارية كغيرها من الأطراف وهي تعتبر نفسها شريكة أساسية في العهد الجديد».
ولفت المصدر الى أن «حديث رئيس القوات سمير جعجع عن أن القوات لن تبقى خارج الحكومة وأن هدفها إنجاح العهد لا يعني أن يفسره البعض اننا سنقدّم تنازلات عن حقوقنا، فنحن حريصون على العهد، لكن حريصون أيضاً على أن نبقى شركاء وحاضرون في السلطة التنفيذية وليس أن نُغيّب». وقلل المصدر من احتمالات ولادة الحكومة قبل عيد الاستقلال لوجود عراقيل عدة تعترض ذلك».
وعن وجود اتفاق بين التيار الوطني وحزب القوات قبل انتخاب الرئيس على تقاسم الوزارات بين الفريقين بالتساوي، رفض المصدر الإجابة، مشيراً الى أن «مطالب القوات أبلغها جعجع للحريري المعني بتشكيل الحكومة».
.. وجلسة للحوار الثنائي اليوم
وتُعقد اليوم الجولة 35 من حوارهما الثنائي بين «تيار المستقبل» و»حزب الله» في عين التينة برئاسة الرئيس بري وهي الجلسة الأولى بعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي على أن يبقى بند تخفيف الاحتقان المذهبي أساسياً.
2016-11-09 | عدد القراءات 2132