حزب الله جيش الشرق الأوسط الجديد نقاط على الحروف

ناصر قنديل

 

  • جهد الغرب وجهدت الحركة الصهيونية خلال  نصف قرن ممتد منذ العام 1947 أن تكون "إسرائيل" ، وحدها من ميتلك جيشا فعليا في الشرق الأوسط ، فتكون جيش الشرق الأوسط المهاب الجانب ، القادر على خوض الحرب ساعة يريد ، ويفوز بها بمعياري ، حرب خاطفة ونصر حاسم ، وكانت حرب العام 1967 بعد عشرين عاما على ولادة الكيان الترجمة الفعلية لهذا التطلع ، بعد تجربة مرتبكة في العدوان الثلاثي الإسرائلي الفرنسي البريطاني على مصر عام 1956 ، إضطرت واشنطن للتدخل  مباشرة لإستنقاذ من الدخول في حرب إستنزاف عبر وقف الحرب ، وجاءت حرب 1973 اتهز  صورة جيش الشرق الأوسط ، عبر إنجازات الجيشين السوري  والمصري في حرب تشرين وسقوط الدفاعات الإسرائيلية ، ومباغتتها بقرار الحرب ، لكن واشنطن تدخلت مرة أخرى لإخراج مصر من الحرب تمهيدا لوقفها على الجبهة السورية بصيغة أرادت لها واشنطن أن تكون لا غالب ولا مغلوب تمهيدا لخروج نهائي لمصر من حال الحرب ، وإسترداد "إسرائيل" صفة جيش الشرق الأوسط ، ليكون إجتياح لبنان علامة تعافي إسرائيل من عقدة حرب  تشرين ، و يكون إتفاق فيليب حبيب بإنسحاب القوات السورية إلى البقاع والخروج النهائي لمنظمة التحرير الفلسطينية وإستيلاد  رئيس جمهورية لبناني في كنف الإحتلال ، وتوقيع إتفاق سلام يكرس اليد العليا لإسرائيل عرف بإتفاق السابع عشر  من أيار ، كثمرات لعودة الروح  لمشروع جيش الشرق الأوسط  الممسك بقرار الحرب .
  • زادت أهمية الجيش افسرائيلي بعيون الغرب ، والعيون الأميركية خصوصا مع الثورة الإيرانية وتفكك جيش الشاه الذي  كان يعتبر الجيش الأشد تقدما بين جيوش حلفاء واشنطن ، كما شجعت الإنقلابات  التي عصفت بتركيا في بقاء التركيز على الجيش الإسرائيلي ، الذي حظي بمساعدات عسكرية ثابتة عنوانها أن يبقى التفوق العسكري في ضفته بين جيوش المنطقة ، وحظيت إسرائيل بسبب جيشها بمساعدات مالية وتقنية تتيح لها التنفس إقتصاديا ، كما  حظيت الإعتداءات الإسرائيلية بالحماية القانونية والدبلوماسية ، حفاظا على اليد الطليقة لجيشها في خوض الحروب وإستخدام الأسلحة المحرمة وإرتكاب الفظائع والجرائم  الوحشية ، وعطلت مكل مشاريع لتسوية الصارع العربي الإسرائلي لا تلبي الشرط المحوري وهو بقاء اليد العليا واضحة جلية ، أنها اليد الإسرائيلية ، وجعل التطبيع مع إسرائيل وشرعنة ما تحتله من الأراضي الفلسطينية ، شرطا لأي سلام ، بل شرط كل علاقة مميزة بواشنطن تريدها اي دولة  من دول المنطقة ، كما توضح الوثائق الأميركية المنشورة عن التعامل مع حكم الرئيس محمد مصدق في إيران وتحضير الإنقلاب عليه بعد الثورة الشعبية التي جاءت به ورغبة حكمه بعلاقات جيدة مع واشنطن ، والسبب هو رفضه غقامة علاقات مع إسرائيل ، مثله مثل رئيس الوزراء التركي  عدنان مندريس الذي أطاحه إنقلاب مدبر للسبب ذاته ، رغم ما تقوله الوثائق الأميركية من تفضيل أميركي لكل من مصدق  ومندريس  على الشاه والعسكر التركي  ، ومثل ذلك ما يقوله بطرس بطرس  غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة عن سياق ولادة إتفاقية كامب ديفيد وزيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات للقدس ، فيقول كانت نية السادات زيارة واشنطن لتوقيع معاهدة تعاون فكان الجواب الأميركي أن الطريق إلى واشنطن يمر من القدس والقصد رضا إسرائيل .
  • منذ ثمانينات القرن الماضي كان جيش الشرق الأوسط يدخل حرب الإستنزاف التي سعى الأميركيون لإستنقاذه من مثلها في حرب العام 1956 ، والتي وضعت سوريا وإيران رغم كثرة همومهما وإنشغالاتهما ، ثقلهما لإنجاحها ، فقدمتا الدعم بلا حدود للمقاومة اللبنانية ، التي  شكل حزب الله ثمرتها الناضجة وقوتها المحورية ، ليتوج صعوده بنصرين متلاحقين في العامين 2000 و2006 ، ويدخل إسرائيل في مأزق تاريخي وإستراتيجي فقدت معه صفتها الملازمة كجيش للشرق الأوسط ، وجاءت الحرب على سوريا لتشكل التحدي والفرصة لكل من حزب الله وإسرائيل ، للفوز بلقب جيش الشرق الأوسط ، فراهنت إسرائيل على إسقاط حزب الله عبر بوابة هذه الحرب بمواجهة مباشرة مع القوة التي سعت لمنافسته على لقب جيش الشرق الأوسط العالمي ، والقصد تنظيم القاعدة ومتفرعاته ، وبعد سنوات على حرب سوريا ، يبدو تنظيم القاعدة يحتضر ، وتبدو غسرائيل تذبل ، وتبدو ساعة رفع شارة النصر من قبل حزب الله بإعلان الفوز باللقب قريبة .
  • يتزامن إنجاز حزب الله في ميادين حلب وسائر ساحات حرب سوريا ، مع العرض العسكري الجامع بين بنية نظامية وبنية شبه نظامية ، وبنية حرب المقاومة السرية ، لجيش يضم آلاف المقاتلين ، أو عشرات الآلاف من المقاتلين ، ويشكل النواة التي تقاتل بقدرة تشكيلات رديفة وحليفة ، لا تضم الجيوش النظامية للدول الحليفة كسوريا وإيران ،  بل تشكيلات  شعبية موازية للجيوش ورديفة لها ، من الدفاع الوطني في سوريا والحشد الشعبي في العراق ، واللجان الشعبية في اليمن تقدر بقرابة  مليون مقاتل يمتد إنتشارهم على مساحة الشرق الأوسط ن ويشاركون حزب الله حروبه ومواقفه وقضاياه ويضعون قائده في منزلة خاصة كمرجع لحروب الشرق الأوسط ، ويظهر هذا الجيش الجديد ، المزود بأحدث تقنيات السلاح ، والمتقن لفنون الحرب ، وقد إمتلك خبرات أستثانئية من جمع حروبه مع الجيوش النظامية ، ومع أسلحة الجو الحديثة ، دون التفريط  بخصوصية حرب الشعب وحرب العصابات ، وإمتلاك  قوات نخبة مميزة فائقة المهارة والبسالة والقدرة ، وبينما حزب الله يثبت هذه القدرة ، ضمن شبكة عنكبوتية للحلفاء ، يوصل رئيس جمهورية من كنف المقاومة إلى سدة الرئاسة اللبنانية ، ويرد بعد إسقاط واشنطن للعودة السورية إلى بيروت بتمزيقها إتفاقية فيليب حبيب ، عبر القرار 1559 ، وما إتنهى إليه من خروج للقوات السورية ، بتمزيقه لإتفاقية سايكس بيكو التي قسمت كيانات المنطقة ، فينجز عرضه العسكري برضا الدولة السورية ومباركتها ، داخل الحدود السورية ، جاعلا مدى الحدود الشرقي نحو القلمون والشمالي نحو القصير ، إمتدادا حيويا للمقاومة خارج نطاق اللعبة السياسية اللبنانية وتجاذباتها ، برضا وتشجيع الدولة السورية وحماية شبكاتها الصاروخية المشتركة مع روسيا ، مثلما يبني الحشد الشعبي ويبني أنصار الله أوضاعا شبيهة في المناطق ذات الصفة الجيوغستراتيجية في افلشرق الأوسط ، ويخرج وزير الخارجية ألإيرانية محمد جواد ظريف في مؤتمر  منعقد  في طهران ، ليقرأ في التوازانات الجديدة لما وصفه بالمرحلة الإنتقالية الدولية والإقليمية ، من موقع إيران التي مزقت القاعدة الأميركية الذهبية بجعل إسرائيل ممرا إلزاميا للإتفاق معها ، وأجبرت واشنطن على توقيع التفاهم حول الملف النووي الإيراني ، من وراء ظهر غسرائيل ورغما عن رغبتها بعدم التوقيع ، فيقول ظريف إن السمة الأبرز لهذه المرحلة ظهور حزبالله كقوة إقتدار وأمان لحركة شعوب المنطقة والعالم .
  • بينما تفقد إسرائيل لقب جيش الشرق الأوسط ، ويسقط تنظيم القاعدة كمشروع رديف لإسرائيل ، ويتقهقهر الدور السعودي المالي والسياسي وتغرق السعودية وجيشها في مستنقعات حرب اليمن ، يتقدم حزب الله وشبكة حلفائه العنكبوتية ، كدولة رخوة تعيش في كنف  دول عدة ، لا تنافسها ، تتكامل معها ، تعيش وتنمو برضاها كقوة ردع وقيمة مضافة إستراتيجية ، ليكون الحقيقة الأهم التي تولد مطلع القرن الواحد والعشرين ، في رسم معادلات الإستراتيجيات ، وبينما  تتكفل القدرة الروسية بشل قدرات إقليمية مثل  تركيا ، تتراجع القدرة الأميركية ويتكلل تراجعها بإنتخابات رئاسية تكرس الإنكفاء نحو الداخل ، فتغيب القوة التي يمكن أن تهدد نمو جيش الشرق الأوسط الجديد الممتد من لبنان حتى أفغانستان ومن حلب حتى باب المندب .

2016-11-15 | عدد القراءات 3148