دي ميستورا : حان وقت الرحيل نقاط على الحروف

ناصر قنديل

 

  • لا يوجد عاقل يسمح لنفسه بالحكم على أداء أي مبعوث الأممي  من موقع الرهان على حياده وإنصافه أو التوقع بأن ينطلق في مبادراته من ثوابت القانون الدولي وحدود نطاق مهمته كما وصفها قرار تعيينه ، فهذه تمنيات لا يقع فيها من يعلم ان كل مبعوث أممي يأتي إختياره وفقا لسيرة مهنية تؤكد إلتزامه بالتعليمات الأميركية من جهة ، وعندما يتصل الأمر بالشرق الأوسط أن يكون منتبها للحسابات الإسرائيلية من جهة أخرى ، وهذا ينطبق على ستيفان دي ميستورا وقبله الخضر الإبراهيمي وقبلهما كوفي عنان ومثلهم إسماعيل ولد الشيخ أحمد في اليمن ، ومن كلف من مبعوثين مثلهم في ليبيا ، ويمنح المبعوث هامش تحصيل مبالغ مجزية من المال من الصناديق السعودية التي ترتبط عضويا بأزمات هذه البلدان وحروبها ، لكن تحت سقف محدد هو البقاء بصورة رجل القانون والمساعي الحميدة والمسؤولية عن تخفيض التوتر ومعاداة الإرهاب والإهتمام بالشؤون الإنسانية .
  • الحديث عن دي ميستورا هذه المرة لا ينبع من كونه يضبط متلبسا بأداء مهمة لصالح إسرائيل وهذه ليست الأولى ، أو بكونه يتنعم بالمال السعودي ويقف على خاطر ولي الأمر ، وهذه صارت من العادات التي أدمن عليها ، ومثله من قبله ومن يوازيه في اليمن وليبيا ، ولا حتى في كون المبادرة التي جاء بها تعني مساسا مباشرا في الصميم لمفهموم الدولة السيدة ، بإقتراح منح إدارة ذاتية لجماعات مسلحة في قلب الجغرافيا الوطنية لدولة سيدة ، تتمسك القرارات الدولية التي يكلف دي ميستورا بالسهر على تنفيذها ، وفي مقدمها القرار 2254 ، بوحدتها ووسيادتها ، وبما تعنيه أيضا من تشريع للتقسيم ومعه تشريع للإرهاب ، وهذه جرائم حرب يرتكبها دي ميستورا يستحق عليها المحاكمة كمجرم حرب ، لكنها لا تفاجئ من يعلم من هو الشخص وما هو تاريخه ، وما هي مرجعيته ولمن ، وممن يتلقى التعليمات ، ولماذا جاءته النخوة لزيارة دمشق ، وكيف بلغته إستغاثات جبهة النصرة ومن معها ، وتطوع للقيام بالمحاولة الأخيرة لإنقاذ ما ومن يمكن إنقاذه .
  • مناقشة ما قام به دي ميستورا ترتبط  فقط بالغباء الذي يتضمنه مسعاه ، وإفتقاده لأبسط حسابات السياسة التي يفترض أن يتمتع بها شخص يملك خبرته وتاريخه وسيرته ، والغباء هنا هو الذي يستدعي  من مشغليه إعفاءه لأن عواطفه مع تنظيم القاعدة تفضح مهمته ومن وراءه وماذا يريدون ، ولأن تحكم صاحب المال بتحريكه لمهمة مستحيلة وإنتحارية ، يشكل مخالفة لأبسط شروط السلوك التي تدرب عليها هو وأمثاله من الذين يجري إعدادهم لهذه المهام ، فكيف يعقل لمن تشتغل بعض خلايا دماغه تخيل الحصول على موافقة الدولة السورية على صيغة كالتي حملها دي ميستورا بقبول جزيرة تحكمها جبهة النصرة في حلب ، مقابل خروج المسلحين منها ، وتمهيدا لعودتهم وعودة سلاحهم بغطاء الأمم المتحدة وسيارات دي ميستورا وقوافل الإغاثة التي يسيرها ، وكيف يعقل أن يتوهم من يحمل بعضا من خبرة وسيرة دي ميستورا أن يمرر هذه الفضيحة على وزير بحنكة وخبرة وزير الخارجية السورية وليد المعلم ، وفي دولة يقودها الرئيس بشار الأسد وتحكمها ثقافة الوحدة والسيادة حتى النخاع الشوكي ، ولا تساوم عليهما وهي في أضعف ايامها ، فكيف وهي تنتصر ؟
  • غباء دي ميستورا وفضيحته سيرتبان قرب رحيله ، وقد جاء في زمن التغييرات والتقلبات يلعب لحساب مموله وعواطفه ، وهو يعلم أن مهمة الأمين العام للأمم المتحدة كرئيس مباشر لعمله تنتهي بعد شهر ، وأن عليه إنتظار قرارات الأمين العام الجديد بالتجديد له اولا ومن ثم معرفة تعليماته ، كما يعلم أن مرجعيته الفعلية في واشنطن عرضة للتغيير ايضا ، وعليه التصرف بحكمة الإنتظار حتى تتبلور المرجعية الجديدة ويعرف سياساتها ، ويكتفي في زمن التغيير بمواصلة النص الحرفي لمهامه ، وفقا للتكليف القانوني بتحفظ ، والمخاطرة باللعب بالوقت الضائع لحساب المال والعواطف ، فاضح ومقامرة تعرضان بقاءه للخطر ، فكان عليه قليلا من التعفف أمام المال السعودي في هذه الفترة وقليلا من التقشف في حب تنظيم القاعدة ، ريثما  تنجلي الأمور في واشنطن ونيويورك .
  • لم يستطع دي ميستورا أن يقاوم إغراء المال ولا شغفه بالنصرة، فسقط سقوطا مدويا ...وحان وقت الرحيل .

2016-11-21 | عدد القراءات 4099