كتب المحرر السياسي
تتزايد حالات المراجعة النقدية للسياسات في المواقف الغربية الصاعدة إلى سلم الحكم على كتف تغييرات أملتها الحرب التي دارت في الشرق الأوسط بين محور المقاومة ، والمحور الغربي العربي المناوئ ، والتي أسفرت عن بروز الإرهاب كتحد كبير مشترك ، كما أسفرت عن فشل ذريع لمحاولة بناء أنظمة جديدة تابعة للغرب وتحت هيمنة دول الخليج ومستقرة سياسيا وأمنيا ، بقوة تمثيل شعبي وشرعية ديمقراطية للإسلام السياسي المدعوم من الغرب والخليج لقطع الطريق على محور المقاومة ، وخلق توازن جديد بوجهه ، ففي البلدان التي إستهدفتها رياح الخماسين التي هبت مع الربيع العربي ، من تونس إلى مصر وليبيا واليمن وصولا إلى سوريا ، راوحت النتائج بين تعويم نسخة منقحة وضعيفة للنظام الذي كان قبل هبوب الرياح ، ووضع مفتوح على مخاطر تغلغل الإرهاب والتطرف ، وبين فوضى أمنية ومشاريع حروب أهلية وإقليمية ودولية تحولت إلى حرب إستنزاف لا مستفيد فيها إلا الإرهاب .
تجمع المراجعات الظاهرة بقوة مع صعود مؤشرات تغييرات سياسية كبرى في أوروبا ، من بريطانيا إلى فرنسا وألمانيا ، أن الخطاب الشرق أوسطي للغرب يتغير بعمق ، فهو يحفظ قدرا من الإنعزالية الصاعدة بقوة تطرف عنصري من جهة ، وبتمسك بأمن إسرائيل وحمايتها ومكانتها ، معبرا في ذلك عن مزاج شعبوي لوطنية فجة ترث زمن العالمية والعولمة الذي تحكم بالثقافة والسياسة في هذه الدول ، التي لم تكن حكوماتها أشد حكمة في تعاملها مع ملفي الإسلام وإسرائيل ، في خطاب العالمية والعولمة ، لكن الجديد الذي تحمله مراجعات الوطنية الفجة ، التي مثل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب نموذجها الأبرز بفجاجته ، ويمثل المرشح الفرنسي الأوفر حظا في إنتخابات الربيع الرئاسية فرانسوا فيون ، نموذجها المثقف والعقلاني ، هو التغيير في النظر لمحورية مكانة دول الخليج في سياساتها الشرق أوسطية ، لحساب نظرة نقدية لا تشكل فيها دول الخليج أكثر من سوق وحسابات مصالح نفطية وعسكرية ، وليست شريكا في صناعة السياسة ، والمقابل تغيير في النظرة نحو سوريا وحزب الله ، عبر عنها فرانسوا فيون بوضوح ، تحت شعار الدعوة الواقعية لجعل الحرب على الإرهاب أولوية السياسة الخارجية ، وما تستدعيه من إنفتاح على الدولة السورية من جهة ، وعلى حزب الله من جهة أخرى ، ودائما على التسليم بصعود روسيا ومحوريتها .
في قلب هذه التغييرات لا تزال سوريا صانع المشهد الرئيسي ، حيث غوطة دمشق كما حلب تشهدان تقدما متزايدا متعدد المحاور لصالح الجيش وحلفائه وسط صراخ متزايد للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الذي تلقى صفعة روسية بتحميله مسؤولية إضاعة فرص التقدم على المسار السياسي وفقا لتصريح وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ، ومثل دي ميستورا تصرخ فرنسا فرانسوا هولاند وتستدعي حلفاءها الخليجيين والأتراك للتشاور حول وضع حلب ، والوصفة مشروع قرار يقدم لمجلس الأمن الدولي ويسقط بالفيتو الروسي .
الإنجاز الأهم تمثل في نجاح الحشد الشعبي في العراق بالسيطرة على الطرق المحيطة بتلعفر ، رغم التهديدات التركية ، فتمكن من قطع كل طرق التواصل المفترضة بين داعش والأراضي السورية ، حيث أكدت مصارد عسكرية متابعة في سوريا ل"البناء" أن التنسيق السوري العراقي سواء مع الحكومة والجيش أو مع الحشد الشعبي ، يتابع تفاصيل المناطق الحدودية على مدار الساعة منعا لتسلل مسلحي داعش نحو سوريا هربا من الموصل .
أنقرة التي ترتبك مع مشهد تلعفر وتقف عاجزة عن ترجمة تهديداتها بالتدخل ، ترتجف على مداخل مدينة الباب التي وعد الرئيس التركي رجب أردوغان بدخولها ، ولا تجرؤ على التوغل مع التهديدات السورية الواضحة بالتصدي لأي محاولة للتقدم ومواجهة أي ظهور للطيران التركي في الأجواء السورية .
لبنانيا تستمر المساعي لإستيلاد الحكومة الجديدة دون تورط في ضرب مواعيد جديدة بعد سقوط موعد عيد الإستقلال ، وبينما بشر رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل بفرصة حكومة وحدة وطنية تضم الجميع ، "مردة وكتائب وقوميين" ، من ضمن صيغة الأربعة وعشرين وزيرا ، مشيرا لعقد بسيطة يعمل على تذليلها ، أوحى رئيس مجلس النواب ومثله أوساط الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة ، بالتفاؤل بقرب الولادة ، بينما قالت مصادر مطلعة للبناء أن صيغة الثلاثين وزيرا عادت للواجهة وفقا لمعادلة المثالثة ، بعشرة وزراء لتحالف الرابع عشر من آذار ممثلا بتيار المستقبل والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وشخصيات مثل الوزير ميشال فرعون ، وعشرة وزراء لتحالف الثامن من آذار المتمثل بحركة أمل وحزب الله وتيار المردة والحزب السوري القومي الإجتماعي والنائب طلال إرسلان والوزير السابق عبد الرحيم مراد ، وعشرة وزراء لتكتل الوسط الذي يتربط بتفاهمات مع أطراف في الثامن من آذار وأطراف في الرابع عشر من آذار ، كحال تفاهم التيار الوطني الحر مع كل من حزب الله والقوات اللبنانية ، وحال تمسك النائب وليد جنبلاط بحلفه مع كل من الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري ، ومع التيار الوطني الحر والنائب جنبلاط في الوسط ، حصة رئيس الجمهورية كحكم بين الأطراف .
2016-11-24 | عدد القراءات 8386