عندما يصوت البرلمان الأوروبي على توصية لمعاقبة وسائل الإعلام الروسية كخطر على أوروبا ويضعها مع الإعلام الذي يسوق لداعش في منزلة الخطر ذاتها فهو يكشف كم تشعر أوروبا بالقلق من نمو وتطور الإعلام الروسي بنسخته الحديثة والمعاصرة ، وليس ما يعلم الأوروبيون أنه محض إفتراء بالتشبيه بين الإعلام الروسي والإعلام الذي يسوق داعش والإرهاب ، فالأوروبيون يعرفون كرأي عام أن روسيا تتموضع في المكان الحقيقي للحرب على الإرهاب ، وأن حكومات أوروبا وقفت في الموقع الملتبس والذي تحوم حوله شبهات دعم الإرهاب ، وهذا ما تقوله إستطلاعات الرأي الأوروبية نفسها حول تدني شعبية الرئيس الفرنسي إلى 4% بالتوازي مع إتهام معارضي الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند له بالوقوف مع جبهة النصرة التي تمثل تنظيم القاعدة رسميا في حربها ضد الدولة السورية ، كما يقول مرشح يمين الوسط الأوفر حظا ومرشحة اليمن ماري لوبان التي تنافسه على الرئاسة المقبلة في فرنسا ويتقاسمان قرابة ال80% من الناخبين ، لكنهما يتفقان على أن إنحياز هولاند للنصرة شكل سببا في نموها وإستمرار الحرب في سوريا ، حيث المأخذ الذي يسجله حكام أوروبا على روسيا هو وقوفها مع الدولة السورية بوجه النصرة .
قبل شهرين كانت الحملة الأوروبية الرسمية الشرسة تستهدف الدبلوماسية الروسية وفشلت حملات التهويل والتضليل في إضعاف موقف روسيا الدبلوماسي ، واليوم يعترف حكام أوروبا بحقيقة أن الإعلام الروسي لم يعد هامشيا ، ولا هو مجرد خصم إفتراضي ، بل هو إعلام ينفذ إلى قوى الرأي العام في أوروبا ويؤثر في رسم إتجاهاتها ، والتوجه نحو معاقبة وسائل الإعلام الروسية ماليا وتاليا بالحظر والتضييق ، ليس إلا إشهارا للضيق الذي يشعر به حكام الغرب وهم يرون جمهورهم يصدق ما يقوله الإعلام الروسي بحق هؤلاء الحكام ، بعدما كان الإعلام الغربي مصدرا ليعرف المواطنون الروس ما يرديون معرفته عن بلادهم وحكامهم ، وها هي الأدوار تنقلب ، ومعها تثور الهيستيريا الغربية العدوانية ، علامة على الثقة بالعجز عن المواجهة في ساحة الحرية ومساحاتها الواسعة ، وخوض اللعبة وفق قواعد مهنية ، يحظى بقبول الراي العام الأقرب للحقيقة والأشد صدقا ، واللجوء للعقاب والملاحقة ليس إلا التعبير عن التسليم بحقيقتين ، الفعالية العالية للإعلام الروسي من جهة والعجز عن مجاراته ومنافسته وفق قواعد المعادلة الإعلامية المهنية .
عندما يخرج الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ويقول أن إدارة الرئيس باراك أوباما كانت شريكا في ولادة تنظيم داعش ، وسندا لجبهة النصرة ، وان المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون تدعم عبر علاقتها بالسعودية التشكيلات الإرهابية في سوريا ، ويصدق الناس ترامب وينتخبونه رئيسا لبلادهم ، بينما تكون الدبلوماسية الروسية قد قالت ذلك قبل سنوات ، ويكون الإعلام الروسي قد جهد بتوثيق مهني للوقائع التي تكشف هذه الحقيقة ، وعندما يكون المرشحون للرئاسة الفرنسية يتبارون في توجيه الإتهامات للرئيس فرانسوا هولاند بالمسؤولية عن نمو الإرهاب وتجذره في فرنسا بسبب إباحة سياسة تطويع المتطرفين إلى سوريا ، وينفق الإعلام الروسي جهدا ومالا ووقتا لتوثيق هذه الحقائق وتقديمها للرأي العام ، فالمنطقي أن يحدث شيئان ، الأول أن يصير الإعلام الروسي اقرب للرأي العام الغربي من وسائل إعلامه العملاقة التي تستهلك مليارات الدولارات ، ورغم ذلك تفشل في تسويق المرشحة كلينتون ، وفي رفع شعبية الرئيس هولاند ، والثاني أن يضيق حكام الغرب ذرعا بالإعلام الروسي فيخلعون قناع الحريات ويذهبون لتصفية الحساب بقوة لقمع والمنع والحظر ومحاكم التفتيش ، وهنا يحظى الإعلام الروسي بإحترام الرأي العام وتعاطف أهل الحريات الحقيقيون ، ويخسر خصوم الحرية والحقيقة معاركهم دفعة واحدة .
تحية للنقلة النوعية المهنية التي تشهدها وسائل الإعلام الروسية ، والتي أهلتها لنيل أعلى وسام غربي ، هو وسام العقوبات .