كتب المحرّر السياسي
أنهى وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف زيارته لأنقرة بعدما مهّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لها بالمحادثة التي جرت بينه وبين الرئيس التركي رجب أردوغان. والحصيلة، كما قالت مصادر متابعة، هي التزام تركي بالبقاء خارج مدينة الباب منعاً للتصادم مع الجيش السوري الذي يحظى بالتغطية الروسية، بينما بقي التمسك الروسي بمواصلة الحسم في حلب، كما قال لافروف، مع مدّ اليد لإخراج المدنيين من مناطق سيطرة الجماعات المسلحة إذا رغبت تركيا المساعدة في ذلك. وهو ما لم يتفق عليه بين موسكو وأنقرة وبقيت المبادرات لوقف النار كلاماً إعلامياً للفريقين بلا خطة عملية قابلة للتنفيذ، بينما يحقق الجيش السوري المزيد من الإنجازات ويتقدّم في الأحياء التي بقي منها تحت سيطرة المسلحين ربع الأحياء الشرقية تقريباً فقط.
في المشهد الإقليمي أيضاً كان الحدث اللافت ما توصلت إليه منظمة الدول المنتجة للنفط من تفاهم الثنائي السعودي الإيراني بدعم من روسيا من خارج المنظمة، بما يضمن تخفيض الإنتاج ويمهّد لتوازن الأسعار بعد حرب إغراق للأسواق خاضتها السعودية لعامين وخسرت خلالها مئات مليارات الدولارات، أملاً بالضغط على روسيا وإيران. فعادت تسعى للتوافق معهما ضماناً للخروج من خطر الإفلاس بعدما صمدت روسيا وإيران على خياراتهما في سورية خصوصاً، وبدت ملامح نصرهما تقترب من ساحات حلب، وبعدما خسرت السعودية مع رهاناتها في سورية واليمن رهانها على رئاسة أميركية تدعم خيار الحرب، ويأتي الاتفاق النفطي ليحمل إشارات الانكفاء السعودي تعبيراً عن الإقرار بحصاد الفشل، ما سينعكس مرونة في التفاهمات للخروج من حروب لم يعد ممكناً تمويلها.
لبنانياً، لم تواكب عواصف السياسة العاصفة الممطرة التي خيّمت على لبنان وتستمرّ اليوم، فالهدوء السياسي والتداول الصامت بمخارج للأزمة الحكومية كانا حصاد أمس، حيث يجري التداول بمخارج من نوع تثبيت حقيبة التربية لتيار المردة وعودة حقيبة الأشغال لحركة أمل مقابل ذهاب حقيبة الاتصالات للوزير ميشال فرعون المشترك بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية، على أن يستمرّ البحث في شأن تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب طلال أرسلان إذا أفضت المساعي المتداولة لحلحة عقدة المردة وحقيبتها المتصلة بكلّ من حركة أمل والقوات اللبنانية.
اتصالات بعيدة عن الأضواء
كما العاصفة المناخية التي هبّت على لبنان والمستمرة لأيام، بحسب مصلحة الأرصاد الجوية، لم تهدأ رياح التفاوض «الجافة» حول الحكومة المتوقفة على عقدة تمثيل تيار المردة بوزارة أساسية وعلى رسم التوازنات السياسية في حكومة العهد الأولى بدقة متناهية. فالشروط و«الفيتوات» المتقابلة على حالها رغم الاتصالات والنقاشات التي تتبادلها القوى المعنية بالتأليف بعيداً عن الأضواء، والتي تمحورت أمس على اقتراح الرئيس المكلف إسناد حقيبة التربية للمردة بدلاً من الأشغال والاتصالات، بينما عادت صيغة الثلاثين وزيراً الى التداول كأحد مخارج الحل.
وإذ لم تنف مصادر في «المردة» لـ«البناء» تلقيها اقتراح توليها التربية والتخلي عن تمسكها بالأشغال، قالت مصادر قيادية في المكتب السياسي في تيار المستقبل لـ«البناء» إنه «طالما لم تعلن الحكومة يعني أن المفاوضات لا تزال في نقطة الصفر، والسجال القائم خلال الأيام الماضية يثبت أن المشكلة ليست في الحقائب إنما في ثلاثية قرار تشكيل الحكومة، في حين أن الدستور يؤكد أن لا علاقة لرئيس المجلس النيابي بالتأليف بل الرئيس المكلف يؤلف ورئيس الجمهورية يعلن التشكيلة بناءً على التوازنات الطائفية. وهنا قمة جبل الجليد، فالمسألة ليست في حقيبة ولم تكن يوماً حقيبة وزارية سبباً في تعطيل تشكيل الحكومة».
الحكومة تتأرجح بين الصيغتين
ورداً على سؤال أشارت المصادر الى أن «رئيس الجمهورية هو مَن ضخّم حصة «القوات اللبنانية» على حساب القوى المسيحية الأخرى»، وحول تمثيل حزب الكتائب من حصة الرئيس الحريري أشارت الى أن «الرئيس المكلف لن يتخلى عن مقعدٍ سني مقابل تمثيل حزب الكتائب، وكذلك لن يتخلى عن المقعد الوزاري المسيحي».
وإذ أوضحت المصادر أن «المفاوضات بدأت بتأليف حكومة ثلاثينية ثم انتقلت الى حكومة 24 وزيراً»، لم تستبعد «العودة الى صيغة الثلاثين لتسهيل التشكيل ولا تزال تتأرجح بين الصيغتين، لكن الأكيد أن حقائب الأموال مزرعة الدولة الطاقة والأشغال والاتصالات ستبقى مشكلة حتى في ظل الحكومة الثلاثينية بينما تنتهي المشكلة في حكومة الـ 24 ببقاء الأحزاب الصغرى خارج الحكومة كالكتائب والمردة». في حين أشارت مصادر أخرى في «المستقبل» لـ«البناء» الى أن «الحريري يعمل على تدوير الزوايا لتمثيل المردة بحقيبة ومشاركتها في الحكومة».
وأبلغت مصادر مطلعة في 8 آذار «البناء» أن العقد التي تعترض عملية تشكيل الحكومة في طريقها الى الحلحلة»، مشدّدة على أن «الأمور يجب ألا تتأخر وأن ولادة الحكومة بسرعة ضرورة وحاجة للبلد لا سيما وأن العقد ليست مستعصية، بل تحتاج الى قليل من التنازلات»، وأشارت الى أن «التشكيلة استقرّت على الـ24 وزيراً نتيجة تمسك الحريري بهذا القرار»، لفتت الى أن «الرئيس بري لا يمانع بحسب نقاشات لقاء الاربعاء تشكيلة حكومية من 24 وزيراً إذا كان ذلك يسهل التشكيل». ولفتت الى أن «رئيس الجمهورية متمسك بإقرار قانون انتخاب جديد انطلاقاً من خطاب القَسَم وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها على القانون الجديد».
عون لن يقبل الشروط
وتحدّثت مصادر في تكتل التغيير والإصلاح لـ«البناء» عن «مساعٍ حثيثة وجدية لحلحة عقدة تيار المردة التي ربما هي آخر عقد التأليف والتي على أساسها سيبتّ بالحقائب المتبقية وإسقاط الأسماء عليها لتعلن الصيغة النهائية للحكومة، لكن لم يتم حسم الأمر بشكلٍ نهائي حتى الآن بانتظار نتيجة المشاورات»، موضحة أن «إسناد حقيبة التربية إلى المردة أحد الخيارات المقبولة»، مرجّحة أن «تفضي الجهود في نهاية المطاف الى تشكيل حكومة توافقية»، نافية أي «فيتو» من «التكتل» على إشراك المردة بحقيبة أساسية»، ولفتت الى أن «التفاوض على الحقائب مسألة دقيقة، مؤكدة على تمسك رئيس الجمهورية ميشال عون والتكتل والتيار الوطني الحر بحكومة الوحدة الوطنية كاتجاه عام، لكن لا يمكن القبول بفرض شروط على العهد وطلب حقائب معينة أو التهديد بعدم المشاركة في الحكومة بل الطريق الأسلم والأمثل هي التواصل والحوار والنقاش والعمل على تدوير الزوايا».
«الستين» نقطة سلبية على العهد!
وفي ما خصّ قانون الانتخاب، لفتت المصادر الى أن إجراء انتخابات نيابية وفقاً لقانون الستين نقطة سلبية للعهد، مؤكدة «دعم التكتل لإقرار قانون جديد على قاعدة النسبية، لكن هناك قوى أخرى لا تريد ذلك وتيار المستقبل أعلن رفضه للنسبية ويؤيد القانون المختلط المشترك مع القوات والحزب الاشتراكي». مبينة أن «الحديث عن تحالف بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل والقوات يوضع في إطار الكلام السياسي، وهو ليس تحالفاً بقدر ما هو عبارة عن تفاهمات على بعض المسائل وتجلت في الانتخابات الرئاسية، فالتفاهمات التي عقدها التيار الوطني والرئيس عون مع المستقبل وحزب الله كانت أساسية في بناء الرئاسة»، مشددة على «ثبات التيار وعون على القضايا الاستراتيجية رغم بعض الهوامش في التكتيكات المطلوبة لحل بعض المشاكل والخلافات».
ونقلت المصادر عن عون تفاؤله بقرب ولادة الحكومة واتفاقه مع الرئيس المكلف على عدم تجاوز مرحلة التكليف حد المعقول بالتفاهم مع القوى السياسية الأخرى.
وفي غضون ذلك واصل رئيس الجمهورية تسلم أوراق اعتماد رؤساء البعثات الديبلوماسية، بعدما كانوا يمارسون مهامهم بصفة قائمين بالأعمال، فتسلم اليوم أوراق اعتماد تسعة يشكلّون الدفعة الرابعة، من بينهم السفيرة الأميركية إليزابيث ريتشارد.
وغرّد رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط عبر حسابه على تويتر قائلاً: «الحكومة الافتراضية لا تزال في الحجر الصحي، يبدو».
وأكدت كتلة الوفاء للمقاومة أنها «لا ترى مبرراً لتأخير تشكيل الحكومة، خصوصاً أن العقبات المتبقية ليست عصية عن الحل». وجددت الكتلة التأكيد «على ضرورة توسعة قاعدة التمثيل لتشمل القوى السياسية كافة». وفي الموازاة، استهجنت «المماطلة الحالية والسابقة في إنجاز قانون الانتخاب». ورأت أن إقرار قانون انتخاب جديد يؤمن عدالة التمثيل هو المدخل الضروري لإعادة بناء دولة الشراكة الحقيقية، والإصلاح الفعلي، وتستهجن المماطلة الحالية والسابقة في إنجاز القانون المنشود، وكأن المقصود هو إحباط الشعب اللبناني وتجاهل إرادته في رفض التمديد ورفض قانون الستين الذي يشكل اعتماده تعطيلاً لكل مشاريع النهوض بالدولة وإعادة بناء مؤسساتها على أسس سليمة».
أوغلو وشتاينماير في بيروت
على صعيد آخر، وصل الى مطار بيروت، مساء أمس، وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، آتياً من تركيا مع وفد على متن طائرة خاصة في زيارة للبنان تستمر ليومين، يقدم خلالها التهنئة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، كما سيلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء تمام سلام، والرئيس المكلف سعد الحريري ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، ويبحث معهم آخر التطورات الراهنة في لبنان والمنطقة.
كما يصل الى لبنان فجر اليوم وزير خارجية المانيا فرانك وولتر شتاينماير في زيارة للبنان تستمر يوماً واحداً، يلتقي خلالها المسؤولين اللبنانيين، ويبحث معهم العلاقات الثنائية بين البلدين، والأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة.
2016-12-02 | عدد القراءات 3642