كتب المحرّر السياسي
اليوم التاريخي الأميركي في الانتقال من عهد إلى عهد تاريخي عالمياً، بما يتخطى كون ما يحدث في أميركا عالمياً أصلاً، بما لها من تأثير وامتداد على مساحة العالم وصناعة أحداثه، فما هو تاريخي عالمياً اليوم يتمثل بالأكثر وهو إعلان الرئيس الأميركي الجديد أن شعاره هو العودة إلى الداخل الأميركي بعدما اختبرت أميركا مشروع نخبها لحكم العالم من واشنطن، واكتشفت أن كلفته فوق طاقتها وأن عائداته لا تخلو من أعراض جانبية بمرابح وهمية، كما هو حال الربيع العربي.
أميركا الجديدة ستنكفئ عن دور الشرطي الحاكم للعالم، لكن بعدائية تجاه الحلفاء والخصوم، وربما باستخفاف أشد بالمعايير الدولية في ملفات مثل التغيير المناخي والتلوّث والاحتباس الحراري لصالح تخفيف أكلاف الصناعة، وتحويل القوات المسلحة الأميركية إلى قوات مدفوعة الأجر من الراغبين بالحماية. لكنها مهما كانت الأوصاف نهاية إمبراطورية، وعودة إلى لغة القرن الثامن عشر في عهود الإمبراطوريات الأوروبية حيث الأوزان الإقليمية للدول أهم من أوزانها الدولية، فالمكسيك وكندا يصيران أولوية أميركية، مثلما أوكرانيا وسورية تصيران أولويتين روسيتين، وتصير إيران في محيطها الحيوي قوة عظمى بمثل ما هي أميركا وروسيا في مدى الجغرافيا السياسية لكل منهما.
تركيا الحائرة بين عالمية أميركا وأميركيتها تبحث عن مكان تضع فيه قدمها في الجغرافيا السياسية الإقليمية الجديدة، فتخطو خطوة وتتراجع، ثم تعيد الكرة وتوضح وتنفي وتؤكد، حتى تتبلور الصورة، وهذا ما فعله نائب رئيس الحكومة التركية محمد شيمشك من مؤتمر دافوس الاقتصادي بتمهيد الطريق لسقف حوارات أستانة، تسوية لا إمكانية لإنجازها بدون الرئيس السوري بشار الأسد، كلام يعقبه توضيح أن الموقف لم يتغير فلا تفاوض مع الرئيس السوري، لكن الوصف مجرد قراءة للمتغيرات.
أميركا تتأقلم مع المتغيرات التي أظهرها ربع قرن من حروبها الإمبراطورية، ولا تصنع هذه المتغيرات، وكذلك تركيا، وتبقى الكلمة الفصل لموازين القوى في ميادين الحروب والمواجهات، وتبقى سورية ساحتها الأهم.
لبنانياً، تقابل فيتو جماعة قانون الستين الذين تحدث بالنيابة عنهم النائب وليد جنبلاط ضد قانون يعتمد النسبية، بفيتو مشابه لمؤيدي النسبية يتقدمهم التيار الوطني الحر وحزب الله وبلسان رئيس الجمهورية على قانون الستين. ومثلما لوّح الفريق الأول بالذهاب بموقفه حتى النهاية فعل الفريق الثاني، فتحقق التعادل بالفيتو وصار خطر الفراغ النيابي ماثلاً، لتتحوّل البطاقات الحمراء صفراء تمهيداً لجولة تفاوض وأكثر، بحثاً عن تسوية لا تزال ضبابية وغامضة رغم التسليم المتبادل بأنها واجبة.
الستين – تمديد فراغ أم قانون جديد؟
بعد أن سلك المسار الحكومي طريقه رغم تعثره أمام الملفات الخلافية، وفي حين وضع قطار التشريع على السكة الصحيحة، ينصبّ اهتمام العهد على قانون الانتخاب مع إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق بأنه أعطى الضوء الأخضر للإدارات الرسمية للاستعداد والتحضير للعملية الانتخابية في موعدها في أيار المقبل، وفي ظلّ رفض قوى أساسية أيّ انتخابات على قانون الستين وتمسك قوى أخرى به ورجم القانون النسبي ووصفه بالإلغائي، ما هي السيناريوات المتوقعة؟ هل نحن مقبلون على تمديدٍ ثالث يجري العمل في ربع الساعة الأخير على ابتداع مسوّغات قانونية وسياسية له كما كانت الظروف الأمنية ذريعة التمديدين الأول والثاني؟ أم أننا سائرون باتجاه الفراغ النيابي؟ وما هي خيارات قوى الرفض للستين وكيف سيواجه رئيس الجمهورية هذا الواقع؟ وهل سيكون الشارع الخيار الأخير؟ وهل هناك فرصة حقيقية للتوافق على قانون جديد في ضوء ضيق المدة المتبقية؟
بحسب ما علمت «البناء» فإنّ قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر مستمرون بتمسّكهم بقانون على أساس النسبية الكاملة دائرة واحدة، لكن تيار المستقبل مصرّ على المختلط، أما الحزب الاشتراكي فيسعى في جولاته الى تسويق القانون الأكثري مع بعض التعديلات ويجري التفاوض حالياً للبحث عن صيغة توافقية، إذا كان الأمر يسهّل الوفاق فتأخذ النسبية بعين الاعتبار، وآخر الصيغ المتداولة في الاجتماعات والاتصالات التي تحصل بشكلٍ شبه يومي هي المزاوجة بين مبدأي الأكثري والنسبي، الأكثري لضمان تمثيل الأقليات السياسية والطائفية على مستوى الأقضية كمرحلة أولى، ثم مرحلة ثانية على اساس النسبية الكاملة ولبنان دائرة واحدة».
وقالت مصادر قيادية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» إنّ «رئيس البلاد لن يقبل بالفراغ في المجلس النيابي كما لن يسمح بالتمديد للمجلس مرة ثالثة، تحت أيّ ذريعة، ولن يمرّر الاستحقاق الانتخابي على قانون الستين الذي سيعيد التركيبة البرلمانية نفسها، بل الأفق مفتوح ومشرّع على التغيير الإيجابي ولن يقفل مجدداً بل الخيار الوحيد المتاح هو إقرار قانون جديد يؤمّن عدالة التمثيل وصحته، وأدوات الضغط التي يملكها الرئيس كثيرة: أولها دعم الشعب وإقناع الأطراف الرافضة للتغيير بضرورة تطوير النظام الانتخابي الذي هو مطلب أغلب الشعب، وأن هؤلاء لن يستطيعوا إقناع رئيس الجمهورية بالتنازل عن حق الشعب في قانون انتخاب جديد».
ولفتت المصادر الى أنّ «التيار الوطني الحر لن يوفر أي وسيلة من الوسائل الديمقراطية من ضمنها اللجوء الى الشارع لفرض قانون جديد ومقاومة شعبية ضد فرض الستين كأمر واقع»، لكنها أوضحت أنّ «التيار ليس الوحيد الذي سيخرج الى الشارع بل هناك تنسيق مع قوى حليفة أخرى فضلاً عن قوى المجتمع المدني التي ستتلاقى هذه المرة معنا في ميادين وساحات التظاهر، أما إذا استمرّ البعض بعناده ومقاومته للشعب وللتغيير، فإنهم يدفعون البلاد الى مأزق حقيقي، وبالتالي الى مؤتمر تأسيسي لأن الرئيس عون الذي لم يقبل بالفراغ في الرئاسة الأولى لن يسمح له أن يتسلل هذه المرة الى المجلس النيابي».
واعتبرت أنّ «جماهير التيار والحشود الشعبية التي زحفت الى قصر بعبدا بعد انتخاب عون، تقف وتدعم الرئيس في أي خيار يتخذه ومستعدة للنزول الى الشارع متى يطلب منها عون وقيادة التيار ذلك. والتظاهر ليس موجهاً ضدّ أحد بل دعماً لحقوق الشعب ولن يستطيع أي طرف الوقوف فى وجه عدالة التمثيل». وأضافت: «عون سيخاطب مجلس النواب بحسب صلاحياته الدستورية، إذا اقتضى الأمر ويدعوه الى إقرار قانون جديد وسيضغط في مجلس الوزراء أيضاً في هذا السياق في الجلسة المقبلة التي ستعقد في بعبدا، كما ضرب يده على الطاولة أمام السلك الدبلوماسي»، موضحة أنّ «التيار الوطني سيخسر بعض المقاعد في النسبية كما معظم القوى، لكن كلنا سنربح الوطن ونحن نتفهّم الهواجس لدى تيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط، لكن لا يعني أن نتردّد أو نتقاعس في تحقيق الخطوات الإصلاحية التي وعدنا بها الشعب، وتفاهمنا مع المستقبل كان على الرئاسة والحكومة وبعض العناوين السياسية، لكن لم نعقد أيّ صفقة على قانون الانتخاب، بل تفاهمنا على إنجاز قانون يحقق صحة التمثيل، وبالتالي نحن مقبلون على تغيير نوعي ولن نسمح بإفشال الأحلام الإصلاحية التي رسمها سيد العهد ونتوجه الى الطرف الآخر بأن لا يضعنا أمام خيارات صعبة بين الستين أو التمديد».
واستمر النائب جنبلاط بإطلاق النار السياسية على النسبية وغرّد عبر تويتر أمس، قائلاً: «النسبية في نظام طائفي توازي المنزلة بين المنزلتين أي حالة من عدم التوازن في التمثيل والاستقرار».
لقاء نصرالله ـ فرنجية
وحضر قانون الانتخاب في لقاء الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية الذي زار الضاحية أمس، بحضور وزير الأشغال العامة يوسف فنيانوس والمعاون السياسي للأمين العام حسين الخليل ومسؤول لجنة الارتباط والتنسيق وفيق صفا. وهي الزيارة الأولى لفرنجية في العهد الرئاسي الجديد، وتمّ البحث في الأوضاع العامة والمستجدات السياسية في لبنان والمنطقة.
وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إنّ «زيارة فرنجية للسيد نصرالله هي زيارة حليف لحليف، لا سيما أنّ فرنجية كان ولا يزال «نور عين» السيد، رغم مرحلة التباين في وجهات النظر الذي حصل حول موضوع الرئاسة». مضيفة أنّ الآراء ووجهات النظر كانت متقاربة بين الطرفين في ملفات عدة، لافتة الى أنه لا يمكن الحديث أنّ اللقاء طوى مرحلة الماضي، لأنها طويت منذ فترة طويلة والتواصل لم ينقطع يوماً وزيارة فرنجية الى الضاحية أمس، كانت استكمالا لزيارة وفد حزب الله الى بنشعي عشية عيد الميلاد في كانون الأول الماضي».
وجرى نقاش في اللقاء، بحسب ما علمت «البناء» للوضع السياسي في البلد والتطورات الميدانية في سورية وآفاق الحل السياسي وأهمية عمل الحكومة وتطرّقا الى صيغ قانون الانتخاب التي يتم تداولها».
وقالت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ«البناء» إن «الثنائي الشيعي متمسك بالنسبية الكاملة، كما الرئيس عون رغم حديثه عن قانون يتفق عليه اللبنانيون»، موضحة أن «قوى أساسية في البلد ترفض الستين في مقابل تمسك البعض به، وبالتالي لن يكتب له الحياة في الانتخابات المقبلة، وبالتالي يجري البحث في الكواليس عن قانون يتفق عليه الجميع ثم يتمّ التصويت عليه في المجلس النيابي ويتراوح بين المختلط والأكثري، والقانون النسبي على أساس 13 دائرة أو ما يُعرف بقانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لكن الأمور حتى الآن غير واضحة وتحتاج الى مزيدٍ من الحوار والدرس والنقاش لكن لن يتمّ الذهاب الى المجلس بقانون مختلف عليه». ولفتت المصادر الى أنّ «القوات اللبنانية ليست بعيدة عن الموافقة على النسبية، إلا أنّ الرفض الشديد يأتي من المستقبل والاشتراكي».
وعن دور لحزب الله في المصالحة بين التيار الوطني والمردة، أوضحت المصادر أنّ تياري المردة والوطني الحر ليسا بحاجة إلى وسيط لتوفيق وجهات النظر بينهما، بل هما حليفان منذ فترة طويلة وكان خلافهما فقط حول الرئاسة، كما أنّ الوزير فرنجية موجود في الحكومة من خلال الوزير يوسف فينانوس وعلاقته مع وزراء التيار جيدة، لكن الأمور تحتاج الى وقت كي يتم ترتيب زيارة لرئيس المردة الى بعبدا للقاء الرئيس عون». بينما لفتت مصادر عونية لـ«البناء» أن رئيس الجمهورية يستوعب الجميع ولا مشكلة لديه مع فرنجية ولم يصل الخلاف حول الرئاسة حدّ العداء، وهو مستعدّ لأيّ خطوة للقاء مع فرنجية إذا كان يريح الساحة المسيحية ويشدّ عضد فريق المقاومة».
قضية المخطوف ريشا تتفاعل
وتفاعلت قضية خطف رجل الأعمال سعد ريشا أمنياً وسياسياً وشعبياً، وفي حين لم يتمّ إطلاق سراح المخطوف بعد أيام على اختطافه إلى جرود بريتال البقاعية، صعّد أهالي زحلة والبقاع تحرّكاتهم الاحتجاجية فعمدوا الى قطع طرق رئيسية في مناطق بقاعية عدة بالإطارات المشتعلة والجرافات. بينما واصل الجيش اللبناني تنفيذ حملة دهم في بريتال بحثاً عن مطلوبين لعلاقتهم بعملية الخطف.
وعلمت «البناء» أن الأجهزة الأمنية تمكنت من تحديد أسماء الخاطفين، وهم علي مهدي صالح، حسن سعيد اسماعيل ومحمد قاسم شعلان اسماعيل من بريتال ، ومن تحديد مكان الخطف وتسعى الى تحريره، إلا أن جهود الجهات التي دخلت على خط التفاوض أبرزهم موفد رئيس المجلس النيابي نبيه بري بسام طليس مستمرة بالتواصل مع الخاطفين الذين طلبوا فدية مالية كبيرة وصلت الى المليون دولار لإطلاق ريشا، لكن لم يتم حتى الآن التوصل إلى اتفاق.
وأكد رئيس الجمهورية متابعة قضية المخطوف ريشا مباشرة واستنفار كلّ القوى الأمنية لإعادته سالماً إلى عائلته. ووصف الرئيس بري خلال استقباله وزير الداخلية نهاد المشنوق في عين التينة عمليات الخطف في البقاع، وآخرها خطف المواطن سعد ريشا، بأنها خطيرة. وقال: «إنّ موضوع الخطف في البقاع بات يحتاج الى حسم من الجيش والقوى الأمنية، وأكثر المتضرّرين من هذه الأعمال هو البقاع».
صاروخ إرهابي على النبي عثمان
على صعيد أمني آخر، وفي اعتداء إرهابي جديد على الأراضي اللبنانية، أطلقت المجموعات الإرهابية في جرود عرسال صاروخاً سقط على تلة في أعالي بلدة النبي عثمان من دون وقوع إصابات.
وردّت راجمات الجيش اللبناني بإطلاق صليات من الصواريخ على دفعتين باتجاه مواقع المسلحين الإرهابيين في الجرود.
2017-01-21 | عدد القراءات 4309