ترامب يفقد مهابة نصره ويغرق في مواجهات قضائية وإعلامية ودولية المنطقة الآمنة بالتعاون مع الحكومة... واستثناءات من قانون المنع

كتب المحرّر السياسي

خلال أقل من عشرة أيام فقد الرئيس الأميركي المنتخب بهالة نصر شعبي مفاجئ قَلَبَ قواعد اللعبة السياسية التقليدية الأميركية في أكبر بلاد الديمقراطية في العالم، مهابة نصره بفعل عشوائية القرارات التي أصدرها غداة دخوله إلى البيت البيض وليس بفضل المعارضة التي انتصبت بوجهه من سياسيين ونخب وتكتلات قتصادية وإعلامية عملاقة فقط. فقد زوّد ترامب معارضيه بصورة عنه وعن عهده يسهل النيل منها، فهو يعلن قراراً بحجم تفجير قنبلة ثم يبدأ بالتبرير ثم التراجع نحو الدراسة ثم الحديث عن شروط للتطبيق وتعديلها وصولاً للاستثناءات ومهل محدودة للإجراءات التي أثارت الضجة وكانت يوماً ما وعداً انتخابياً. حدث هذا مع نقل السفارة الأميركية لدى كيان الاحتلال من تل أبيب إلى القدس، فقال وتراجع وقد يعود، مع زيارة نتنياهو المرتقبة بعد أسابيع إلى واشنطن، لكن دائماً بالطريقة ذاتها، قرارات تثير الضجيج بلا دراسة وبلا اتزان، وتراجع تدريجي عنها. ففي قضية المنطقة الآمنة في سورية، بدأ بقرار تحوّل إلى أمر بالدراسة وصار أمراً في غير وقته، ليكشف وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عن تطمينات أميركية بربط المناطق الآمنة بعدم استهداف الدولة السورية ولا مانع من أن تكون بالتنسيق معها كما ترى روسيا. أما في قرارات منع السفر التي أشعلت تظاهرات واحتجاجات، فقد كشف ترامب من نص القرار أنه صيغ لتسمية السعودية عبر ربط المنع برعايا الدول التي جاء منها منفذو عمليات الحادي عشر من ايلول، ولم يرد في القرار بلد شمله المنع كان منه رعايا مشاركون فيها، بينما السعودية التي لا يشبه نص القرار سواها فقد حذف اسمها في اللحظة الأخيرة بحسابات الشركات والمصالح، ما يُسقط عن ترامب صفة المبدئية التي أراد رسمها ويرسم له صورة السياسي الانتهازي والمنافق، لتكون سقطته الكبرى في شمول العراق حيث قوات أميركية وسفارة كبرى ومصالح عليا وحكومة حليفة وأخرى محلية موالية وتابعة في كردستان، لكن إهانة قرار المنع حركت شارعاً عراقياً لن يهدأ ما لم تتخذ الحكومة المركزية والحكومة الكردية المحلية قرارات بحجم المعاملة بالمثل، ما أجبر إدارة ترامب على استدراك القرار بإعلانات متتالية، واحد عن محدودية مدته بثلاثة شهور وثانٍ عن لوائح استثناءات لصفات حكومية وعسكرية واقتصادية ولوائح إسمية ستصل للآلاف وفقاً لتقديرات مصادر متابعة لحجم العلاقات الأميركية العراقية، وما ستسجله كسابقة تلحقها استثناءات مشابهة في دول أخرى.

يقول خبير في الشؤون الأميركية إن ترامب كان سيربح كثيراً لو خاض الأمور بصيغ مختلفة، فلو قال إنه سينقل السفارة الأميركية إلى القدس الغربية إذا قبلت إسرائيل بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية لربح الكثير على الضفتين. ولو قال إنه سيكلف وزارتي الدفاع والخارجية البحث مع نظيرتيهما الروسيتين في كيفية إقامة مناطق آمنة في سورية تستوعب النازحين السوريين برعاية أممية ولا مانع من التنسيق مع الحكومة السورية ودول الجوار، لكان كسب أيضاً الكثير، ولو قال إنه يجمّد منح التأشيرات لغير حالات الضرورة التي تقدرها السفارات في البلدان المعنية لمدة ثلاثة شهور يوضع فيها قانون جديد لآليات الحصول على حق الدخول لبلاده ضمن مقتضيات الحفاظ على الأمن لربح أيضاً وأيضاً، لكن لا يمكن تفسير خطوات ترامب إلا بعشوائية إدارته وعدم اتزانها، ما يوحي بالضعف لا بالقوة، ولعل هذا مفيد بأن يكون أمامنا إدارة ضعيفة ذهبت مهابتها من أيامها الأولى.

لبنانياً، لم يعد خافياً أن مشاورات اللجنة الرباعية الخاصة بقانون الانتخابات قد أنهت مهمتها بالفشل، وقراءة متعاكسة بين أركانها لمهمتها، فلم يتفق أعضاؤها على جواب موحّد على السؤال، هل أنجزتم اتفاقاً أم لا، واحد يقول تداولنا ونفحص الخيارات ولم ندخل مرحلة التوافقات، وآخر يقول ثمة صيغة نتقدم في التوافق حولها، لكن أمامنا الكثير بعد، وثالث يقول لقد سمعنا ما يوحي بالتوافق ونحتاج بعض الوقت لحسم تفاصيل صغيرة، في ما يعلن الرابع إن الاتفاق منجز وتنقصه اللمسات التجميلية الأخيرة، لينقذ رئيس المجلس النيابي نبيه بري الموقف بالقول عودوا إلى الدستور، وهو يسير إلى المادة 22 التي تتضمن صيغة لقانون يجمع النسبية في مجلس لا طائفي والأكثري في مجلس يمثل الطوائف، وهي صيغة يمكن الانطلاق منها للبحث في تسوية تطال إجابة عن أسئلة متى يكون المجلس المنتخب على اساس النسبية وخارج القيد الطائفي هو المجلس التشريعي الأساسي ويصير مجلس الشيوخ المكون على أساس طائفي محصوراً بالنظر في القضايا الرئيسية التي تضمن ميثاق العيش المشترك ومقدمة الدستور والتعدد اللبناني. وهل يمكن البدء بصيغة للمجلسين يكون فيها مجلس منتخب على أساس النسبية وخارج القيد الطائفي ولبنان دائرة واحدة بعدد أعضاء ضيّق وبصلاحيات مجلس الشيوخ ويكون المجلس التشريعي الأساسي هو المنتخب على الأساس الطائفي والنظام الأكثري والدوائر الصغرى وبالعدد الحالي لمجلس النواب وشبيهاً له، ويكون العدد متغيراً بالتدريج، كما الصلاحيات بين المجلسين من دورة انتخابية إلى دورة أخرى؟

هل سيلتفت الرباعي إلى هذا النص الدستوري للبدء منه؟ سؤال برسم المجتمعين اليوم بعد كلام رئيس مجلس النواب.

المشاورات في حلقة مفرغة

لا تقدّم جديد على صعيد التوافق حول قانون الانتخاب كما لم تفضِ عملية تشريح الاقتراحات المطروحة في اجتماعات اللجنة الرباعية الى نتيجة تُذكَر، ولا زالت المشاورات تدور في حلقة مفرغة والنقاش يراوح مكانه، كما أوحت أوساط عين التينة أمس، على أن يتابع الرباعي مشاوراته اليوم لمحاولة إحداث ثغرة في الجدار.

وبينما سبب اقتراح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الـ66 في المئة نسبية نوعاً من الإرباك للقوى السياسية التي أحالت تفاصيل الاقتراح الى اختصاصيين لديها لدراسته وحساب حاصل الربح والخسارة من المقاعد، أثار تعديل الاقتراح ليصبح 65 في المئة الغموض حياله أكثر، خصوصاً أنه يمنح تيار المستقبل خمسة مقاعد نيابية ويحتكر التمثيل على الساحة المسيحية ويُقصي قوى غير موجودة في السلطة، كما عبّر رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل أمس.

أمل وحزب الله يحسمان موقفهما اليوم

وإذ من المتوقع أن تعلن حركة أمل اليوم موقفها أزاء اقتراح باسيل كما علمت «البناء» وأن الاتجاه سيكون التحفظ عليه، أكد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض أن «الـ 65 كعتبة تصويت خضعت لمعايير إضافية ألحقت عليها تعديلات»، مشيراً الى أنه «في الاجتماع المقبل للرباعية سنعطي موقفنا نحن وحركة أمل تجاه الصيغة ونحن لم نعلن موقفنا بعد».

وفي حديث تلفزيوني، أوضح فياض «أننا لن نوافق على قانون يفتقد المعيار واستنسابي ولا يؤمّن التوافق بين المكونات والمناطق»، مشيراً الى أنّ «الخصوصية «الجنبلاطية» نأخذها بعين الاعتبار ونعمل على معالجتها»، لافتاً الى أنّ «الرباعية هي ليست إطاراً إلغائياً لأحد بل هي مشاورات على أربع قوى. وفي المرحلة المقبلة سنتواصل مع القوى الأخرى وليس المطلوب ضرب القانون الانتخابي». وأكد «أننا نريد الخروج من الستين، لأنّ الإطار القانوني للستين لا يؤمّن صحة التمثيل».

وفي ظلّ تمسك رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالقانون المختلط 64 نسبي و64 أكثري وعدم تفضيله للصيغ المختلطة الأخرى، قال مصدر في كتلة التنمية والتحرير لـ»البناء» إنّ «التقدم على صعيد قانون الانتخاب ليس بالسرعة التي يتحدث عنها البعض، بل الأمر يحتاج الى مزيدٍ من الوقت والنقاش، لأن الطريقة الحالية في مقاربة القوانين غير منصفة ولا تراعي وحدة المعايير التي تتوافر في الطرح الذي قدّمه رئيس المجلس النيابي نبيه بري القائم على معايير ثابتة وواضحة ويحافظ على المناصفة، أما الاقتراحات الأخرى فتعتمد التقسيم الاستنسابي». ولفت المصدر الى أن «رئيس المجلس مصرّ على أن النسبيةَ هيَ الصيغة الأفضل، وسيرفض أي صيغة لا تراعي المعيار الواحد الذي يراعي هواجس البعض ويضمن التمثيل العادل للجميع».

وحذّر المصدر من أن إقرار قانون بعد انقضاء المهل الدستورية لإجراء الانتخابات، أي بعد 21 شباط المقبل سيصعب الاتفاق على قانون جديد، لأن جميع القوى السياسية ستصبح محكومة بواقع الاستحقاق وتدخل في معركة الانتخابات والتحالفات ما يؤدي الى تراجع الزخم للتوصل الى قانون جديد»، موضحاً أنه «إذا تفاهم الأطراف على قانون يمكن إضافة بند تمديد تقني لمدة ثلاثة أشهر».

وأشار الى أن «رئيس الجمهورية تحدث عن الفراغ من باب الحثّ على إقرار قانون جديد وليس جرّ البلاد الى الفراغ النيابي الذي لم يلحظه الدستور لا سيما أنّ المجلس النيابي هو المؤسسة الأمّ، ولا يمكن أن تدخل في الفراغ»، ولفت الى أنّ «رئيس المجلس لا يريد العودة الى الستين، كما يرفض التمديد رفضاً قاطعاً، لكن في حال تعذّر الاتفاق على قانون فلن يسمح بالفراغ، وبالتالي الانتخابات وفق القانون الحالي هي الخيار الوحيد الأفضل من الفراغ»، لكنه استبعد الوصول الى هذا الخيار، واعتبر أنّ «هناك متسعاً من الوقت للاتفاق والمشاورات التي حصلت فتحت مساحة ممكنة للوصول الى رؤية موحدة ومقاربة جامعة للقانون المرتقب».

وقالت مصادر في 8 آذار لـ«البناء» إنّ «قانون الانتخاب يواجه جملة من العقد وحتى الأطراف الأربعة المعنية هناك مساحة كبيرة من عدم الانسجام والفهم بينها، أما عملية التظهير الايجابي الذي يسوقه رئيس القوات سمير جعجع بشكلٍ مباشر وغير مباشر غير مفهوم، في حين أن الاقتراح الذي تقدم به رئيس التيار لا يتضمّن معنى حقيقياً للتغيير، وخصوصاً أن حزب الله لم يأخذه بعين الاعتبار». وأضافت المصادر أنّ «البلد ذاهب نحو حالة من الإبهام والغموض بخصوص القانون»، وأبدت المصادر مخاوفها في ضوء النقاش الجاري من أن تخرج الى السطح أكثر من حالة اشتباك سياسي بين المعنيين مباشرة أو بين أطراف سياسية في مواقع متخاصمة انتخابياً، لافتة الى أن «اللقاءات الرباعية لم تحرز تقدماً هاماً، مضيفة أن حزب الله رغم تمسكه بالنسبية الكاملة، لكنه يناقش بالقوانين المختلطة بكثير من الايجابية لتسهيل التوافق وإعطاء الفرصة لأي طرح لكن الامور لا تجري بهذه الطريقة، فالقانون يجب أن يوفر الحد الأدنى من المعايير الموحدة وعدالة ومساواة في التمثيل وليس على مقاس مصالح البعض الانتخابية».

قانون باسيل أحد الحلول

وفي المقابل، قالت مصادر في التيار الوطني الحر مواكبة لطرح باسيل لـ»البناء» أنه وبعد أن أسقط الرئيس ميشال عون خيار التمديد من التداول ودفن خيار الانتخابات على قانون الستين تحت أي ذريعة ورفض قوى عدة في البلد النسبية الكاملة التي يراها رئيس الجمهورية الحل الأفضل للبنان، كان لا بد من إيجاد تسوية حول القانون لأن الواقع السياسي يفرض ذلك، لكن هذه التسوية يجب أن تأتي على أساس معايير موحدة ولم تنجح القوى المعنية بالوصول الى قانون موحّد، لأن بعض القوى تريد تفصيل قوانين بحسب مصالحها وبالتالي فإنّ اللقاءات الرباعية هبّة باردة وهبّة ساخنة، والأمور غير محسومة كما لم تسقط أي صيغة، بل البحث جارٍ في مختلف الصيغ المطروحة». وأوضحت المصادر أن طرح القانون الـ64 في المئة على النسبية هو أحد الاقتراحات والحلول التي قدّمها رئيس التيار للخروج من المأزق، وهذا القانون يحافظ على الأقليات المسيحية وغير المسيحية، ولا يحتكر التمثيل عند أيّ مكون».

وفد «اللقاء» في عين التينة

في غضون ذلك، تابع اللقاء الديمقراطي جولته على القوى السياسية وزار أمس، وفد منه ضمّ الوزير مروان حمادة والنائب غازي العريضي وامين السر العام في الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر الرئيس نبيه بري في عين التينة، بحضور الوزير علي حسن خليل. وتركز البحث حول المستجدات في شأن النقاش الدائر حول قانون الانتخاب.

2017-01-31 | عدد القراءات 5773