لافروف يحمل ملف قتال حزب الله للإرهاب للمفاوضات مع الأميركيين عون يناقش في القاهرة وعمّان المشاركة السورية في القمة العربية نصرالله: تغيّر مسار الحرب في سورية... وفتح باب عودة النازحين

كتب المحرّر السياسي

بينما تتقدّم القوات التركية ومَن معها من ميليشات تابعة في بعض محاور مدينة الباب، ويصل الجيش السوري خطوط الاشتباك فيها، تتعثر هيئة التفاوض في الرياض بتشكيل وفد معارض يمثلها في جنيف، وفقاً لمقاييس الوفد الجامع التي ينتظرها المبعوث الأممي وروسيا كراعيين حاضرين في زمن الغياب الأميركي.

روسيا المهتمة بتحضير الأوراق لتعاونها مع واشنطن الجديدة وإدارتها المستجدة، تضع ثقلها في علاقاتها العربية لفتح باب تطبيع العلاقات السورية العربية. وقد فاتح وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف نظيره الأردني بضرورة مناقشة دعوة الحكومة السورية لحضور القمة العربية، التي ستستضيفها عمان في الربيع المقبل، كما تستعدّ لرسم قواعد تعاونها مع واشنطن في الحرب على الإرهاب فيضع نقاطه على الحروف الصعبة في هذه الحرب التي يمثلها دور حزب الله في الحرب على الإرهاب كمدخل لرسم خريطة هذه الحرب، في مواجهة استباقية مع كواليس أميركية «إسرائيلية» تركية سعودية تحاول أن تضع على طاولة التفاوض مع روسيا مشروعاً للمقايضة بين الشراكة مع أميركا في الحرب على الإرهاب، وبين وجود حزب الله كشريك غير مرغوب به فيها، فيسقط لافروف فرص الأوهام والمراهنات على مقايضات وصلت في بعض حالات التفكير «الإسرائيلي» التركي السعودي إلى فرصة مقايضة موسكو، بوضع رأس جبهة النصرة على الطاولة مقابل رأس حزب الله.

الرئيس اللبناني العماد ميشال عون المغادر في زيارتين رسميتين إلى كل من القاهرة وعمان يحمل إضافة لملفات التعاون الثنائي وما بشر به من مواقف في حواراته الإعلامية الصحافية والتلفزيونية التي سبقته، دعواته لتبريد الملفات الساخنة التي لم يعد لها وقود يشعلها ويبرر وضعها في الأولويات العربية، خصوصاً ملف سلاح حزب الله وملف العلاقات السورية العربية على أبواب القمة العربية في عمان، فبعد زيارتية للرياض والدوحة يتصرّف الرئيس عون أن لبنان يستطيع ان يلعب دوراً عربياً يتخطى دور طلب المعونة الذي اعتاده بعض الرؤساء اللبنانيين السابقين، ليقول إن لبنان من قلب المشاركة في الحرب على الإرهاب، يملك رؤيا لدور عربي يدعو إليه وجوهره المصالحات، وتوحيد الصفوف وراء الأولويات، ودعم القضية الفلسطينية والحرب على الإرهاب يكفيان العرب كأولوية بينما النقاش حول سلاح حزب الله والوضع في سورية فهو نقاش يتمّ ضمن البيت الواحد، وبهدوء، ولبنان قادر على تقديم التطمينات والقراءات وربما الضمانات.

حزب الله الذي يحمل رسالته في الحرب على الإرهاب كل من لافروف وعون وكل باتجاه، مرتاح لوضعه جداً، وليس بحاجة لمن يطمئنه حول مستقبل المنطقة وتوزاناتها في زمن التغيير الأميركي الذي لم يغير شيئاً، سوى كشف الأقنعة، كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي تحدث عن كثير من العناوين، خصّ قانون الانتخابات بحصة الأسد منها، معيداً تأكيد معادلة اعتبار النظام النسبي الأشدّ عدالة مقابل الإلغاء والإقصاء اللذين يقدمهما النظام الأكثري، داعياً إلى حوار هادئ ومسؤول لا يضيع الوقت، مبديا الانفتاح على أي مقترحات أو بدائل يقدمها ألآخرون، شاهراً رفضاً قاطعاً لتمرير ضرائب جديدة على الفقراء في مشروع الموازنة الجديدة للدولة اللبنانية، ليختم ملفه اللبناني بفتح ملف لبناني سوري مشترك يتصل بعودة النازحين، حيث تكثر المتاجرة ونشر الهواجس ويقلّ العمل على الحلول، ووفقاً لما قاله السيد نصرالله فبعد معركة حلب تغيّرت الموازين، وتغير مسار الحرب، ومع مسار أستانة تبدل اتجاه الحرب وتغيّرت طبيعتها، خصوصاً مع التموضع التركي وما يليه من تغير في مواقع أميركية، وأردنية وسواها، وانفتاح الأبواب للتسويات السياسية، فماذا ننتظر حتى نبدأ تعاوناً مثمراً مع الحكومة السورية لحل عملي لقضية النازحين يوفر لهم العودة الكريمة والطوعية، بتوفير ظروف مؤاتية وتقديم الطمأنة اللازمة والضمانات المطلوبة، بعدما صارت أغلبية المناطق السورية خارج مناخ الحرب؟

رسائل السيد إلى المختارة

قدّم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمس، مقاربة نوعية وموضوعية وحاسمة لملف قانون الانتخاب وأزمة النازحين السوريين في الاحتفال التأبيني لعضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ حسين عبيد في بلدة أنصار البقاعية.

وفي ما خصّ مسألة القانون، لم يردّ السيد نصرالله على رسائل المختارة المتتالية باتجاه الضاحية برسائل التطمين والتأمين التي كانت تنتظرها بفارغ الصبر، بل حمل ردّه مواقف حاسمة الى من يتمسك بقانون الستين ويخيّر اللبنانيين بين اللاأمن واللاعدالة ويرفض النسبية في أيّ قانون انتخاب جديد لمصالح انتخابية سياسية إقصائية. وأكد السيد تمسكه بالنسبية مع انفتاحه على طروحات أخرى تحقق العدالة، واصفاً النظام الأكثري بالإلغائي.

ومن دون أن يسمّيه، ردّ الأمين العام لحزب الله على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بشكلٍ مباشر بإعلانه رفض قانون الستين الحالي، والستين معدلاً الذي طرحه النائب وليد جنبلاط الأسبوع الماضي كحدّ أقصى يمكن القبول به، وأكد أنّ سياسة الإقصاء والإلغاء ولّت الى غير رجعة، وعلى جنبلاط أن يقبل بحجمه الطبيعي وأن يُفسح المجال للقوى والأحزاب والشخصيات داخل طائفته وخارجها بأن يتمثلوا وينالوا أحجامهم الطبيعية.

وتوجّه السيد نصرالله الى من يهوّل بالأمن من أجل قطع الطريق على قانون انتخاب عادل على أساس النسبية، ويعني جنبلاط تحديداً، بأن يُجري مراجعة لحساباته ويدرك بأنّ الأمن نعمة لا يجب التفريط بها ومَن يفعل فسيكون أول الخاسرين، وبالتالي إنّ ربط السيد موضوع الأمن بقانون الانتخاب مباشرة، يعني أنّ المعادلة التي حاول جنبلاط إرساءها ويهدّد من خلالها بحربٍ أهلية مقابل النسبية، باتت ساقطة، وأنّ العدالة ستتحقق ومَن يوقد نار الفتنة سيكون وقودها الأول.

ومن هذا المنطلق تستنتج مصادر مطلعة من كلام السيد نصرالله، بأنّ انتخابات على القانون الحالي باتت أمراً غير مطروح، والستين معدلاً مرفوض، والتمديد للمجلس الحالي لن يمرّ. ورجحت المصادر أن يسلك قانون الانتخاب مساراً جديداً بعد رسائل السيد الحاسمة والاتجاه الى النسبية أو النسبية الملطفة، ومشروع قانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي يشكل منطلقاً للحلّ، لكن يبقى الفراغ احتمالاً قائماً.

وبدا التناغم واضحاً بين السيد نصرالله ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون في أكثر من موقف حيال القانون، ما يثبت بأنّ المرحلة تتحرك بروافع ثقيلة نحو الإصلاح والتغيير بحجم السيد ورئيسَيْ الجمهورية والمجلس النيابي نبيه بري، ما يجعل هوامش المناورة للأطراف المعارضة للنسبية محدودة، وبالتالي الذهاب الى مرحلة جديدة قائمة على النسبية وتأجيل تقني للانتخابات النيابية حتى أيلول المقبل قد آن أوانها بمعزل عن تقسيمات الدوائر التي قد تزيد أو تنقص في حين أصبح الوقت عامل ضغطٍ على الجميع.

.. ورسالة للحكومة

أما في ما خصّ أزمة النازحين، فوجّه السيد نصرالله رسالة قاطعة وحاسمة للحكومة الحالية واضعاً الأسس السليمة لمعالجتها في إطار مبادئ ثلاثة: الأول عودة النازحين الى ديارهم لا تتحقق إلا بالتنسيق مع الحكومة السورية، وثانياً رفض المتاجرة بالنازحين سواء بأموالهم أو بأمنهم، وثالثاً رفض كلّ أشكال توطينهم في لبنان.

وبحسب مصادر سياسية، فإنّ فريق رئيس الحكومة سعد الحريري ومن خلفه السعودية، يمنع الحكومة اللبنانية من التواصل مع سورية التي تربطها ولبنان مصالح أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية ومعاهدات، في الوقت الذي ترسل دول غربية وفوداً أمنية الى سورية للتنسيق الأمني معها لمواجهة خطر الارهاب العالمي وأزمة اللجوء، بينما تواصلت الحكومة الماضية مع مَن خطف وقتل العسكريين اللبنانيين لإطلاق الأسرى لدى «جبهة النصرة».

هذه المقاربة، بحسب المصادر، تسقط اتهامات التطهير والمذهبة والتغيير الديمغرافي في سورية وتؤكد بأنّ الدولة السورية جاهزة لإعادة أبنائها الى حضن الوطن. وتلفت المصادر الى أنّ كلام السيد نصرالله هو الصدمة الأولى للمعنيين داخل الحكومة التي عليها أن تواجه الأزمة بشكلٍ واضح لا أن تختبئ خلف لجان وزارية.

ومرّر السيد نصرالله في سطور الكلام رسالة مشفرة الى تركيا بتأكيده أنّ المصالحات والحوار وبحث الحلّ السياسي والميدان، خطوط متوازية ما يعني بأنّ أحلام الجماعات المسلحة بإسقاط سورية قد تبدّدت.

عون: سلاح المقاومة ضرورة

وأكد الرئيس عون أنه «من الصعب عدم إقرار قانون مع وجود إرادة لذلك، لأن عدم إقرار قانون جديد يدفع بالبلد إلى المجهول. ولا يجوز في الوقت عينه أن يكون هناك مجلس نواب منتخباً يتم التمديد له مرتين ليبقى 12 سنة، فهذه ستعتبر عندها ولاية ملكية وليست ولاية ديمقراطية تتجدّد فيها الثقة على موعد محدد كل 4 سنوات، من هنا يجب أن يكون لدينا قانون عادل».

وعن العلاقة مع الرئيس بري أكد عون أنه «لا توجد خلافات، أحياناً هناك وجهات نظر تختلف، وهذا أمر طبيعي في الحياة الديمقراطية، وأحياناً هناك تفاهم. وعند الاختلاف بالرأي نحتكم الى مجلس النواب أو مجلس الوزراء. والاختلاف غير دائم وهو الاستثناء، أما التفاهم فهو الباقي».

وعشية الزيارة الرسمية التي يقوم بها الى مصر والأردن، أطلق رئيس الجمهورية جملة من المواقف البارزة من ملفات عدة اقليمية ومحلية في حديث مع صحيفة الأهرام ومحطة «CBC» الفضائية المصريتين، وعن سلاح حزب الله شدد عون على أنه «طالما هناك أرض تحتلها اسرائيل التي تطمع ايضاً بالثروات الطبيعية اللبنانية، وطالما ان الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة اسرائيل، فنحن نشعر بضرورة وجود هذا السلاح، لأنه مكمل لعمل الجيش ولا يتعارض معه، بدليل عدم وجود مقاومة مسلحة في الحياة الداخلية»، وأشار الى أن «حزب الله هو سكان الجنوب واهل الارض الذين يدافعون عن انفسهم عندما تهددهم او تحاول اسرائيل اجتياحهم، فهم ليسوا بالجيش المستورد».

ولفت عون الى أن سلاح «حزب الله لا يتناقض مع مشروع الدولة الذي أدعمه وأعمل لأجله، والا لا يمكن التعايش معه، فهو جزء اساسي من الدفاع عن لبنان، وعدم استعمال السلاح في الداخل اللبناني هو حقيقة قائمة وليس فقط ضمانة تُعطى، لأن الحزب يعلم حدود استعمال السلاح، ولدينا ثقة بذلك ولن نرضى ان تتطور القضية للمسّ بالأمن في لبنان».

وفي وقت دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس، واشنطن الى «ضرورة الاعتراف بأن «حزب الله يحارب ضد داعش في سورية»، أوضح عون «أنه ليس صحيحاً ان مشاركة حزب الله في الحرب السورية أدّت الى استقدام الإرهاب الى لبنان، ففرنسا واميركا وبلجيكا وغيرها من الدول تعاني من ضربات إرهابية، علماً انها لم تحارب الإرهابيين في سورية، وبالتالي هناك سياسة للمنظمات الارهابية تتخطى الحدود وتقوم على أسلمة العالم وفق مفهومهم الخاص للاسلام وليس وفق المفهوم الصحيح».

وقالت أوساط سياسية لـ«البناء» بأن «عون رجل قناعات كما يعرفه الجميع، ثابت على مبادئه ومقارباته الاستراتيجية التي لا تتغير بسهولة. وما قاله يؤمن به وفي صلب ممارسته، أما أهميته فتكمن في أنه صدر بعد ثلاثة أشهر من توليه رئاسة الجمهورية ليبدد أوهام الحالمين بأن سلطة ما تغريه أو صفقة ما تشده الى خيارات أخرى أو كلاماً معسولاً يغرّر به».

ويضم الوفد الذي سيرافق رئيس الجمهورية الى مصر، وزراء المال علي حسن خليل، الخارجية جبران باسيل، الداخلية نهاد المشنوق، الاقتصاد رائد خوري، الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول، ويجري عون مباحثات مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي ستشمل تعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين، لا سيما في ملف مواجهة الارهاب. كما سيلتقي رئيس الحكومة ابراهيم محلب، والأمين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط، وينتقل الثلاثاء، الى الاردن ويلتقي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.

المستقبل: لا اتفاق حتى الساعة

وفي حين لا ينفك وزير الداخلية نهاد المشنوق يؤكد بأنه ملزم قانوناً بدعوة الهيئات الناخبة قبل 21 شباط، يواجه تيار المستقبل النسبية من خلف المتراس الجنبلاطي، ويؤكد مصدر قيادي في تيار المستقبل لـ«البناء» أن «لا صيغة جديدة لدى التيار غير المختلطة التي قدمها مع حزب القوات، ويستبعد احتمال الاتفاق على قانون جديد حتى الآن، فيما الجميع يتحدث عن قانون يرضي الأطراف كافة ومن الصعب تحقيق ذلك، وبالتالي هناك حل من ثلاثة: إما الستين، إما الفراغ وإما التمديد». ويضيف المصدر «إذا كان الفراغ مرفوضاً من قوى سياسية أساسية هي المستقبل وحزب الله وأمل، فهل نذهب الى التمديد الذي يجمع الجميع على رفضه؟»، لكن المصدر اوضح أنه «يمكن أن نصل الى تمديد تقني اذا كان مشروطاً ببوادر اتفاق على قانون او الاتفاق على قانون، وحتى الساعة الامر مستبعد».

وأشار الى أن «كلام السيد نصرلله إحراج للآخرين ويدرك حزب الله وأمل أن لا منافس لهما في الساحة الشيعية، ويمكنهما تشكيل لوائح عدة على النسبية يرأسها مقرّبون منهما». ويؤكد المصدر أن «المستقبل مع اقرار قانون يؤمن العدالة في المناطق كافة، لكن إدخال النسبية يعني إما اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، وهذا يحتاج الى ثقافة انتخابية، او تفصيل كل دائرة على قياس المكونات، لذلك نحن أمام ثلاثة خيارات: الانتخاب على القانون النافذ او تمديد أو الفراغ. ولا يخرجنا منه الا مؤتمر تأسيسي. وهناك إشكالية كبيرة اذا لم يوقع رئيس الجمهورية مراسيم دعوة الهيئات الناخبة».

ولفت المصدر نفسه الى أن «القوى السياسية تحاول الابتعاد عن الاشتباك مع رئيس الجمهورية، وإن كان كلامه أدخل البلد في أزمة كبيرة، لأن لبنان يستطيع أن يتحمل الفراغ في رئاسة الجمهورية لوجود مجلس وزراء مجتمعاً يمارس صلاحية رئيس الجمهورية واذا استقالت تبقى تصرف الاعمال، لكن منبع السلطات والتشريع الوحيد هو المجلس النيابي، وبالتالي لا يستطيع رئيس الجمهورية القول إن لا دور للمجلس وذلك خطوة في المجهول».

ودعا المصدر رئيس الجمهورية لإعادة حساباته جيداً، وانتقد كلامه عن حزب الله متسائلاً: «كيف أن عون وهو قائد جيش سابق ورئيس جمهورية حالي، يقبل بوجود جيش آخر في بلده خارج سلطته؟»، مضيفاً: «هذا خطأ دستوري وقانوني وسيادي لكن هذا رأيه».

2017-02-13 | عدد القراءات 6125