كتب المحرّر السياسي
أجّل نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف موعد لقائه بوفد جماعة الرياض مرتين، لحين ترتيب لقائه أولاً بالوفد الحكومي السوري الرسميّ ورئيسه السفير بشار الجعفري، والإعلان بعد اللقاء عن سقف محاربة الإرهاب كضرورة لأي عملية سياسية في سورية، بينما كانت موسكو تعلن من منبر مجلس الأمن الدولي، وهي تُسقط بفيتو مزدوج مع الصين، مشروعاً فرنسياً أميركياً بريطانياً لمعاقبة سورية بادعاء اتهامها باستعمال أسلحة كيميائية، إن سياسة العقاب بحق سورية بناء على ادعاءات تعوزها التحقيقات الموضوعية والنزيهة، ليست كما يزعم أصحابها محاولة للفصل بين السياسة ومنهج حماية حقوق الإنسان، بل هي الاستغلال الأقصى لقضايا حقوق الإنسان من أجل تمرير أهداف سياسيّة مشبوهة، لا يجرؤ أصحابها على المجاهرة بها، وقال بيوتر الييتشوف نائب السفير الراحل فيتالي تشوركين الذي حلّ مكانه في تمثيل حكومة بلاده، إن مشروع العقوبات الذي رفض أصحابه الأخذ بالملاحظات الإيجابيّة للوفد الروسي، يهدف لتقويض العملية السياسية بمنح الأمل للجماعات المعارضة المتشدّدة بوجود فرص لإضعاف الحكومة السورية بالرهان على سياسة العقوبات، كما يهدف لإنعاش الجماعات الإرهابية كداعش والنصرة بإضعاف الجهة الوحيدة التي تقاتلهم فعلياً فوق الأراضي السورية، فإن لم تستطع دعم مَن تريد عليك بإضعاف خصمه.
التوتر في مجلس الأمن وتضارب الأجندات يجد تعبيرات مختلفة في الميادين السياسية التي يسيطر عليها الفراغ، والميادين العسكرية والأمنية الذاهبة للمزيد من التصعيد.
لبنان الذي يغرق في البحث عن تسويات للموازنة العامة ولأجلها عن ضبط السهو في حضور الوزراء لاجتماعات الحكومة، لا يزال يبحث عن بوليصة تأمين للوقت الضائع قبل إنتاج قانون انتخاب بات واضحاً أنه وصفة منع التمديد ومنع الفراغ، وبالمقابل الحؤول دون التمديد غير «التقني»، الذي قد يكون تقنياً أفضل المخارج المؤقتة المتاحة لحين تبلور مشهد إقليمي دولي جديد يرسم معادلات وتوازنات تتيح تحديد الهوية الإقليمية للمجلس النيابي الجديد، وتفتح الباب لقانون يتناسب مع دفتر شروطه.
بالانتظار، وصلت شظايا التوتر والتصعيد إلى لبنان ورفعت منسوب القلق والمخاوف أحداث مخيم عين الحلوة، التي خرجت لساعات مرعبة عن السيطرة، وبدت وفقاً لوصف طبيب جراح في صيدا كمرارة حجمها صغير بالقياس لجسد المريض، لكنها على حافة الانفجار ما يهدّد سلامته كلها، ما لم تتم عملية جراحية سريعة، بينما لا يزال الأطباء يتعاملون بحقنه بالمهدئات، والجراحة تستدعي قراراً كبيراً، وتوقيع كل المعنيين على الموافقة بتحمّل تبعات العملية الجراحية.
دعا الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى عدم التلهّي بمشاريع قوانين تُعيد إنتاج قانون الستين ومفاعيله السيّئة، وجدّد التأكيد على ضرورة الوصول إلى قانون جديد للانتخابات النيابيّة في لبنان، يضمن صحّة التمثيل، ويؤسّس لقيام دولة مدنيّة ديمقراطيّة حقيقية متحرّرة من الطائفيّات والمذهبيّات، وقادرة على تحمّل مسؤوليّاتها تجاه الناس، وعلى المستويات كافة، بما في ذلك تحصين أمن لبنان واستقراره.
وطالب الحزب القومي خلال الجلسة الأسبوعيّة لمجلس العمد برئاسة رئيس الحزب الوزير علي قانصو، القوى اللبنانية بأن تتحمّل مسؤوليّاتها لتجاوز هذه المرحلة المحفوفة بالمخاطر، معتبراً أنّ السبيل الأنجع لتفادي الأخطار ومواجهة التحدّيات، هو بخلق بيئة صالحة عنوانها قانون جديد للانتخابات على أساس الدائرة الواحدة والنسبيّة وخارج القيد الطائفي.
ووجّه مجلس العمد في مستهلّ الجلسة تحية إلى باعث النهضة الزعيم أنطون سعاده، بمناسبة الأول من آذار.
واعتبر الحزب القومي أنّ القتال الذي يشهده مخيم عين الحلوة ينذر بعواقب وخيمة على أهل المخيم والجوار، وهذا يستدعي موقفاً موحّداً من القوى الفلسطينية كافة لإنهاء هذا القتال والعمل بصورة جديّة على إزالة مسبّباته، وذلك بالتنسيق الكامل مع الأجهزة اللبنانيّة المعنيّة. وأهاب بالقوى الفلسطينية كافة أن تكون حاسمة في موقفها لجهة وأد الاقتتال داخل مخيم عين الحلوة، لأنّ المستفيد الوحيد من هذه الأوضاع هو العدو الصهيوني، وأعداء الاستقرار في المخيمات وفي لبنان.
وقف النار في عين الحلوة
وفي غضون ذلك، نجحت الفصائل الفلسطينية والقوى الإسلامية بفرض وقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة، بعد تعهّد الجميع للجنة المنبثقة عن الاجتماع في السفارة الفلسطينية في لبنان بالتزام وقف إطلاق النار، وذلك عقب تجدد الاشتباكات أمس بين عناصر حركة فتح والقوى المتطرّفة التي ذهب ضحيتها قتيل و6 جرحى، كما أصيب المبنى القديم للمستشفى الحكومي القريب من مدخل المخيم بقذيفة «انيرغا».
وقد ساد التوتر طيلة يوم أمس، في المخيم ومدينة صيدا، وسط استخدام مكثّف للاسلحة الثقيلة والصواريخ، وعمليّات القنص من قبل المسلحين المتطرفين الذين انتشروا على أسطح الأبنية في حي الصفصاف.
وقالت مصادر مطلعة في المخيم لـ«البناء» إن «سلسلة الاجتماعات التي حصلت أمس، أفضت الى اتفاق مكتوب بين الفصائل والقوى الفلسطينية والاسلامية على رؤية لمعالجة الوضع تبدأ بوقف إطلاق النار وانسحاب المسلحين من الشوارع ويليها تثبيت الأمن في المخيم»، ولفتت الى أن «وقف إطلاق النار جاء بعد تهديد اللجنة الأمنية للمسلحين بالدخول الى المواقع والمراكز التي يتحصّنون فيها»، لافتة الى أن «أي محاولة للإخلال بالأمن من أي جهة أتت ستواجه من قبل القوة الأمنية المشتركة بطريقة مختلفة عن السابق»، موضحة أن «اللجنة الجديدة التي تشكلت أمس من جميع الفصائل والقوى، لن تسمح بوضع خطوط حمراء أو مربّعات أمنية أو بؤر إرهابية، بل سيكون كل المخيم مفتوحاً أمامها».
وتضيف المصادر: «إزاء تكرار إخلال القوى المتطرفة بالامن، فإن الخيارات والاحتمالات كافة واردة في التعامل معها واللجنة الأمنية الجديدة لديها الصلاحيات باتخاذ إجراءات أمنية فورية من دون العودة الى القيادة السياسية الفلسطينية»، وأشارت الى أن «حجم القوى المتطرفة في المخيم مبالَغٌ به، وهي مجموعات تتشكل من قوى تكفيرية تتبع للخارج لا علاقة لها بالنسيج الاجتماعي والوطني الفلسطيني»،
وتوقعت أن تثبت الهدنة بعد التزام الفصائل بالرؤية الجديدة لمعالجة الوضع ورفع الغطاء السياسي والتنظيمي عن المسلحين، لكنها حذرت من أن «اللجنة ستراقب وقف إطلاق النار واتفاق الهدنة، وفي حال تكررت الاشتباكات فإنها ستتخذ قراراً حاسماً بتنفيذ عملية أمنية داخل الأحياء التي تسيطر عليها بعض التنظيمات المتطرفة والقضاء عليها».
وفي ما أظهرت جولات القتال المتكررة في المخيم وجود قوى مسلحة خارجة عن سيطرة الجهات الأمنية الرسمية تتحكّم بالقرار الأمني في المخيم وتستخدمه لإيصال الرسائل الأمنية وتنفيذ مشاريع ومخططات خارجية من خلال إشعال الفوضى والفتنة في عين الحلوة وتهديد الجوار، أفادت مصادر أمنية من داخل المخيم لـ«البناء» أن «المجموعات المقاتلة تتبع لبلال بدر وهيثم الشعبي وتتألف من مئات المسلحين ينتشرون في حي الصفصاف معروفين بانتمائهم الى تنظيم داعش ويتواصلون مع جهات خارج المخيم وبحوزتهم أسلحة ثقيلة حصلوا عليها من تجار أسلحة في المخيم وقد عملوا في فترات سابقة لشراء كميات كبيرة من الأسلحة وتخزينها في المخازن».
وتحدّثت المصادر عن «تغطية لهؤلاء المسلحين من بعض أصحاب النفوذ في المخيم ومن بعض التنظيمات الإسلامية، واستبعدت المصادر انتقال شرارة النار الى خارج المخيم في ظل استعداد الجيش اللبناني والتنسيق بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والفلسطينية».
وكانت الفصائل قد أعلنت عقب اجتماعها بسفارة فلسطين عن تشكيل قوة مشتركة محدّدة العديد في المخيم، موضحةً أن تلك القوة ستتكوّن من جميع الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية بصلاحيات كاملة للتحرك في أماكن التوترات كافة وفرض الحفاظ على الأمن والاستقرار.
وحذّر النائب وليد جنبلاط أمس، من تحويل عين الحلوة الى موصل ثانية، وقال عبر تويتر: «لا تجعلوا من عين الحلوة موصل ثانية. ارحموا أطفال ونساء فلسطين من مغامرات الانقلابيين».
إبراهيم: «داعش» الخطر الأكبر
واعتبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في مقابلة صحافية أن «الوضع في المخيم هشّ وقد يشهد في أي لحظة توترات وإشكالات أمنية وعمليات اغتيال في ظل سعي العديد من الجهات، لا سيما المتشدّدة منها الى توتير الأوضاع داخله ومحاولة زجّ الفلسطينيين في أتون الصراعات القائمة، حيث إن الجماعات المتشدّدة التي تتّخذ من المخيم ملجأ لها تسعى دائماً الى تعزيز وضعها وقوتها»، مشيراً الى أن «دخول الجيش الى المخيم لحسم الوضع يتطلّب قراراً سياسياً».
وأكد إبراهيم أن «تنظيم داعش الإرهابي يشكل الخطر الأكبر على لبنان، منوّهاً بالتعاون الدائم والمستمرّ مع الأجهزة الأمنية المحلية والعربية والغربية كافة».
نصاب حكوميّ اليوم
وعلى وقع التطوّرات الأمنية في عين الحلوة، يعقد مجلس الوزراء اليوم جلسة لاستكمال البحث بمشروع الموازنة وبنود جدول الأعمال المقرّر.
وفي حين لم ينعقد مجلس الوزراء في جلسة الاثنين الماضي لتغيّب ثلث أعضائه، أوضح وزير البيئة طارق الخطيب لـ«البناء» أن «تغيّب عدد من الوزراء أدّى الى تطيير النصاب القانوني لجلسة الاثنين لم يكن مقصوداً ولا يُخفي أبعاداً سياسية أو نيات لتعطيل الجلسة، كما أنه غير موجّه ضد رئيس الحكومة أو معارضة لإقرار الموازنة»، مشيراً الى أن «التأخير كان من كتل عدة وليس من كتلة واحدة، وبالتالي لا قرار بتطيير الجلسة والنصاب الحكومي مؤمن في جلسة اليوم»، ولفت الخطيب الى أن «من حقّ رئيس الحكومة سعد الحريري الانزعاج والاعتراض على ذلك بعد أن انتظر اكتمال النصاب الذي لم يتحقق».
وأكد الخطيب أن «النقاشات في جلسات مجلس الوزراء في منتهى الإيجابية والجدّيّة وهناك نية لدى كافة المكوّنات في الحكومة لإنجاز مشروع الموازنة وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، خصوصاً أننا من دون موازنة منذ عشر سنوات والنقاش يستكمل اليوم حول بنود الموازنة»، وأشار الى أن «الموازنة تقرّ في النهاية في المجلس النيابي بقانون وليس في الحكومة».
وأضاف الخطيب أن «مجلس الوزراء وبعد الانتهاء من الموازنة سيُخصّص جلسات لمناقشة قانون الانتخاب».
النقاش من نقطة الصفر
وفي سياق ذلك، تراجع زخم النقاشات بشأن قانون الانتخاب ولم تشهد أي لقاءات بين القوى السياسية ولا طروحات جديدة مع تصعيد في المواقف وعودة القوى السياسية للتمسّك بطروحاتها الانتخابية السابقة، ما يعني أن أي جولة نقاش جديدة، ستبدأ من نقطة الصفر.
وجددت كتلة المستقبل خلال اجتماعها الأسبوعي أمس، تمسكها بضرورة التوصل الى قانون انتخاب توافقي يستند الى النظام المختلط بين الاكثري والنسبي لا يلغي أي طرف من الأطراف، ورفضت التهديد والاستهداف والتمسّك بوجهة واحدة، بينما أشار تكتل التغير والإصلاح خلال اجتماعه أمس إلى أن «الجميع على يقين بأن الستين رحل إلى غير رجعة وأن الانتخابات يجب أن تجري لا محالة، ضمن المهل إن توافرت في كل قانون معايير الدستور ووثيقة الوفاق الوطني». وشدد في بيان على «أننا سنظل نطرح الافكار الانتخابية ضمن معايير واحدة وهدف ميثاقي واحد متوافر في وثيقة الوفاق وفي الدستور اللبناني وعندما تقف المبادرات سوف يعلن رئيس التكتل والتيار، وهذا بعيد عنّا اليوم، لأننا نفترض حسن النيات والأجواء لا تزال إيجابية على الأقل على صعيد التفاعل».
وقال مصدر وزاري لـ«البناء» إن «كل السبل التي تؤدي الى إقرار قانون انتخاب جديد سيقوم بها رئيس الجمهورية ولديه حرص كبير على إنجاز قانون قبل نهاية المهل الدستورية»، وأشار إلى أن «العماد ميشال عون سيوافق على أي قانون تتفق عليه القوى السياسية ولن يفرض رؤيته على الآخرين، رغم أنه لا يزال يتمسّك بقانون النسبية، لكن سيسير بقانون آخر شرط أن يراعي صحة التمثيل وأن يعطي فسحة ديمقراطية واسعة للشرائح الشعبية لممارسة حقها في التعبير واختيار ممثليها».
وأكد المصدر على إصرار الرئيس عون على أن «الوصول الى اتفاق حول قانون الانتخابات هو شغلنا الشاغل حالياً، لأن من دونه لن نتمكّن من تغيير صورة التمثيل الذي نريده نحن ولا يمكن تحقيق هذا التغيير من دون النسبية، لأننا إذا كنا نسعى إلى تحقيق الاستقرار السياسي، فيجب أن يتمثل جميع اللبنانيين في المجلس النيابي، الأقلية منهم والأكثرية، بغضّ النظر عن الطوائف وحجمها».
2017-03-01 | عدد القراءات 2673