واشنطن تعوّض «إسرائيل» فشلها في سورية فلسطينياً... وتفوّض تركيا بالحلَّين أردوغان يريد إدلب منطقة آمنة... وبوتين يشترط تحريرها من «النصرة» أولاً جلسة حكومية حاسمة تقرّر وجهة الأيام المقبلة بين التسوية

كتب المحرر السياسي

مسارات سياسية يفتتحها عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد فشل المسارات العسكرية التي راهنت عليها إدارته وانتظر حلفاؤه نتائجها، فتبدو واشنطن التي انتزعت من يد تركيا الورقة الكردية لتضعها في حضنها وحدها وتنتزع من يدها الورقة الليبية وتسلّمها لمصر عبر تسوية تضمّ رئيس الحكومة فايز السراج وقائد الجيش خليفة حفتر مهّدت لها دولة الإمارات وسلمت عهدتها للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد عوّضت تركيا بتفويضها الحلّين السياسيين في سورية والقضية الفلسطينية، لتضعها ممثلاً للحلف الذي تقوده واشنطن بالتعامل مع موسكو في قضايا الشرق الأوسط، بعدما نجحت تركيا بالحصول على الوثيقة السياسية الجديدة من حركة حماس التي تتيح بدء مسار تفاوضي مريح لـ«إسرائيل»، يُراد له أن يبدأ تحت عنوان دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة العام 67، وتنتهي بدويلة بلا سيادة حقيقية لكن بميزات نفطية وخدمية في غزة، والأساس يبقى تعويض «إسرائيل» عن فشلها في سورية في فرض قواعد أمنها، بنيل الأمن المنشود من تنازلات فلسطينية، بدأت بوثيقة حماس وتستمرّ بمفاوضات يمهّد لها الرئيس الأميركي بلقائه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، التي يرحّب بها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ويصفق لنتائجها.

تركيا المرتبكة بما انتُزع منها وبما فُوّض إليها، تفاوض موسكو لنيل أعلى المكاسب والتهرّب من استحقاقات التسويات والحرب على الإرهاب، فجاءت القمة التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس التركي رجب أردوغان، محاولة للتلاقي في منتصف الطريق لحماية مسار أستانة كخيار يقوم على ربط وقف النار وتعميم التهدئة بالحرب على الإرهاب وما تمّ الاتفاق عليه اصلاً من فصل بين الفصائل المشاركة في المسار السياسي وجبهة النصرة ومشاركة هذه الفصائل وضامنيها في الحرب على داعش والنصرة، واعتبار وقف النار مدخلاً لمسار سياسي ينتهي بتعاون الحكومة السورية ومعارضيها في هذه الحرب، وصولاً لإعادة صياغة الدستور السوري والذهاب إلى انتخابات.

أردوغان حاول توظيف الوثيقة الروسية لمناطق التهدئة ضمن مسار أستانة لسرقة منطقة نفوذ فتقدّم بمقترح جعل إدلب منطقة آمنة وفق المفهوم التركي ليلاقي رداً روسياً يشترط تحرير إدلب من جبهة النصرة لتصحّ تسميتها منطقة آمنة، ما يلقي ظلالاً من الشكّ حول قدرة لقاءات أستانة بالخروج هذه المرة بأكثر من تثبيت وقف النار، واختبار القدرة التركية على فصل الفصائل عن النصرة بعد معارك الغوطة، وما يمكن أن يجري في إدلب بصفتها المنطقة الأكثر تأثراً بالنفوذ التركي، إذا شملت بالتهدئة، فيما يتجه الجيش السوري وحلفاؤه بدعم روسي مباشر لخوض معركة حسم البادية السورية وصولاً لدير الزور والحدود السورية العراقية.

لبنانياً، تتوزّع المؤشرات بين خيارات النجاح والفشل في جلسة الحكومة اليوم، في مقاربة مجدية لقانون الانتخاب الذي تواصلت المساعي لتقريب وجهات النظر حوله حتى ساعات الليل. وتبدو الصورة ضبابية بين خيار وضع حجر الأساس لخيار توافقي ينطلق من مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ويضيف إليه مجلس الشيوخ دون تخصيصه برئيس مستقلّ، أو يسبقه بتأهيل غير طائفي على مستوى القضاء خلافاً لصيغة وزير الخارجية جبران باسيل، أو يبدو الأمر مستعصياً فتذهب الأيام المقبلة للاستعداد لخيارات الفوضى السياسية والدستورية، التي يبدو أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري قرّر بعد تراجع رئيس الحكومة سعد الحريري عن السير بتمديد احتياطي لولاية المجلس النيابي، أن يصرف النظر عن طرح اقتراح قانون التمديد وترك المسؤولية على سواه في إدارة دفة التطورات وتحمّل نتائجها، مكتفياً بدوره كرئيس لكتلة نيابية تقول رأيها بمشاريع القوانين، وترك الفوضى والفراغ يتسابقان طالما سيصلان في النهاية إلى قانون الستين، ويُراد منه أن يتقاسم المسؤولية في العودة لقانون الستين وتصويره إنقاذياً.

بري يخلّط الأوراق: التمديد غير وارد

أرخت الرسائل المتعددة الاتجاهات والأبعاد التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد نصرالله أمس الأول، بظلالها على المشهد السياسي الداخلي، بعد أن وضع القوى السياسية أمام مسؤولياتها الوطنية وقطع الطريق على لجوء البعض الى خيارات تصعيدية تفجيرية بملف قانون الانتخاب. وجاء كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس، بإعلانه رفض التمديد بشكلٍ قاطع، ليعكس ارتياحاً عاماً وينشر أجواءً إيجابية في البلد ويخفف منسوب التوتر والاحتقان والقلق وحالة حبس الأنفاس الذي أحاط بجلسة 15 أيار المقبل. فما هو مصيرها بعد أن خلط رئيس المجلس الأوراق وحذف التمديد للمجلس الحالي من جملة الخيارات المطروحة؟

الرئيس بري قال في مستهل لقاء الأربعاء: «اطمئنوا، أقول باسم المجلس التمديد للمجلس غير وارد قطعاً وبتاتاً، وهذا الكلام أيضاً للذين يحاولون أن يتهمونا بهذا الأمر، علينا أن نصل الى اتفاق على قانون جديد للانتخاب».

ونقل النواب عن رئيس المجلس لـ«البناء» قوله بأن خطاب السيد نصرالله منع الفتنة في البلد الذي أراد البعض أخذنا اليها. وأشار بري الى أن انعقاد أو عدم انعقاد جلسة 15 أيار يعود لتقدير الرئيس بري الحريص على الاتفاق على قانون الانتخاب، وإذا لم تُعقد فسيدعو لجلسات متتالية حتى إقرار القانون الجديد، وسنبذل كل الجهد للوصول الى التوافق على القانون وأن هذا الأمر أصبح قاعدة أساسية لا يمكن تجاوزها». وحذّر بري مرة أخرى من الفراغ والذهاب الى المجهول، مؤكداً أن هذا الخيار لا يخدم البلاد ولا الدولة بمؤسساتها ولا أي طرف».

واستقبل بري بعد ظهر أمس وفداً من حزب الله ضم: الوزير حسين الحاج حسن، النائب علي فياض، والنائب السابق أمين شري.

وإذ من المتوقع أن تنشط الاتصالات وتعود المشاورات واللقاءات الانتخابية الى زخمها في وقتٍ قريب، نفت مصادر مطلعة لـ«البناء» أي قرار من الثنائي الشيعي بمقاطعة الاجتماعات بشأن قانون الانتخاب، مؤكدة الاستمرار بالحوار حتى إنتاج قانون جديد، موضحة أن عدم حضور ممثلي أمل وحزب الله الاجتماع الأخير الذي دعا اليه رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، لا يعني مقاطعة دائمة، بل الحوار مستمر بين القوى السياسية للوصول الى اتفاق»، ولفتت الى أن السيد نصرالله كان واضحاً لجهة ضرورة تأمين التوافق السياسي على القانون وبعد ذلك يصار للاتفاق على نوع وشكل ومدة التمديد للمجلس النيابي. وشدّدت المصادر على «الموقف الموحد بين أمل وحزب الله في مجلس الوزراء بشأن قانون الانتخاب».

اتصالات تهدئة سبقت جلسة الحكومة اليوم

وعلى وقع المواقف الأخيرة، وبعد تجميد عمل مجلس الوزراء لمدة أسبوعين، يعقد المجلس اليوم جلسة في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بجدول أعمال قياسي بلغ 105 بنود على رأسها قانون الانتخاب. وبحسب ما علمت «البناء» فإن سلسلة اتصالات حصلت في الساعات الأخيرة بين المقار الرئيسية لنزع فتيل التوتر والحؤول دون طرح ملف القانون على التصويت كي لا يؤدي ذلك الى انسحاب مكوّنات معينة وتفجير الجلسة».

وقالت مصادر بعبدا لـ«البناء» إن «الرئيس عون سيؤكد في مداخلته في مستهلّ الجلسة على أن خيار التصويت في مجلس الوزراء على مشاريع القوانين هو حق دستوري كجزءٍ من اللعبة الديموقراطية، لكنه يفضل التوافق بين مكوّنات المجلس على صيغة انتخابية. ونفت المصادر أن يلجأ رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة سعد الحريري الى طرح الموضوع على التصويت، مشيرة الى أن «رئيس البلاد يريد تأمين أقصى حدّ ممكن من التوافق ويريد حل أزمة القانون ضمن تسوية سياسية لا بفرض الحلول على الآخرين».

كما رجّحت المصادر أن يُعيد رئيس الجمهورية تصويب البوصلة لجهة موقفه المبدئي الداعم للنسبية الكاملة التي تؤمن صحة التمثيل لكل الشرائح السياسية والشعبية في البلد، ولفتت الى أن «كلام رئيس المجلس عن رفضه التمديد، أمر إيجابي وخفف من حدة الاشتباك السياسي حول القانون وستتلقفه بعبدا وجميع الأطراف بمزيد من الايجابية لاعادة قنوات التواصل وتفعيلها لانتاج قانون جديد».

وقالت مصادر حكومية لـ«البناء» إن «الرئيس عون جاء ضمن تسوية سياسية في البلد وبغطاء اقليمي ودولي، وبالتالي التسوية ضرورية في مسألة قانون الانتخاب لا سيما وأن المنطقة جميعها بدأت تنفض عنها غبار الحروب وتتجه الى التسويات»، متوقعة أن «يسود الهدوء في جلسة اليوم وتخلو من السجالات»، ولفتت الى «تقدم احتمال الذهاب نحو النسبية الكاملة وتحديداً البحث سيدور في جلسة مجلس الوزراء اليوم وفي اجتماعات الأيام المقبلة على قانون الوزير مروان شربل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مع تعديل في بعض الدوائر، وبالتالي سيعمل رئيسا الجمهورية والحكومة على تأمين التوافق حوله، علماً أن الثنائي الشيعي وتكتل التغيير والاصلاح وافقا عليه حينها بينما تحفظ عليه الحزب التقدمي الاشتراكي ولم يرفضه، كما أن تيار المستقبل لا مانع لديه من النسبية الكاملة كما أعلن الحريري أكثر من مرة».

كما بيّنت المصادر أن «رئيس الجمهورية لا يحبذ الفراغ النيابي وهو سيئ كالتمديد ويعرف أن الفراغ ضربة للعهد، كما يرفض قانون الستين»، لكنها أوضحت أن «خيار الستين وارد في حال وصلنا الى 19 حزيران المقبل من دون الاتفاق على قانون جديد، وحينها سيلجأ رئيس الجمهورية الى الدستور وربما يوقع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وتجرى الانتخابات وفقاً للقانون النافذ كآخر الخيارات المتاحة منعاً للفراغ».

ورجّحت المصادر أن تكون الجلسة الوزارية اليوم قصيرة وأن لا تتعدّى الساعتين لارتباط رئيس الجمهورية برعاية العيد السادس والستين للجامعة اللبنانية المقرّر في الرابعة بعد الظهر في منشآت الجامعة اللبنانية في الحدث، بعدما يرعى صباحاً افتتاح مؤتمر الطاقة الاغترابية في «البيال» بحضور ما يقارب 1700 شخصية لبنانية من المقيمين والمغتربين المتحدّرين من أصول لبنانية.

أما جدول الأعمال، فيفوق المئة بند تتصل بالسفر ونقل اعتمادات وفق القاعدة الاثنتي عشرية الى بعض الوزارات لا سيما العدل والصحة ومجلس الإنماء والإعمار، لكن الأهم بند طلب وزارة الداخلية والبلديات اتخاذ التدابير اللازمة لتأمين حركة الاتصالات كاملة «داتا المعلومات» الى الأجهزة الأمنية والعسكرية.

قاتل الرائد بشعلاني في قبضة الجيش

وتابع الجيش اللبناني تحقيق الإنجازات العسكرية، وتمكّن أمس من تنفيذ عملية أمنية دقيقة وفي عرسال، سقط خلالها قاتل الرائد الشهيد بيار بشعلاني، اللبناني عمر حميد وشقيق الإرهابية جومانة حميد في قبضة الجيش.

وبعد متابعات معلوماتية استخبارية حثيثة ودقيقة وسريعة من قبل استخبارات الجيش، توافرت معلومات عن مخبأ الإرهابي حميد. ووفق مصادر أمنية مطلعة لـ«البناء»، فإن «وحدة خاصة من الاستخبارات ترافقها وحدة من المجوقل نفذت عملية دهم سريعة وخاطفة في بلدة عرسال في البقاع الشمالي لم تستغرق أكثر من خمس دقائق لمخبأ عمر حميد الملقب بـ»عمر التوملي» قاتل الرائد مشعلاني، وحاول حميد خلال عملية الدهم الاشتباك مع القوة المداهمة فأصيب بقدمه».

2017-05-04 | عدد القراءات 4517