كتب المحرّر السياسي
التطورات التي شهدها ملف الأزمة القطرية الخليجية، وخط الحدود السورية العراقية حملت تغييراً نوعياً في الخريطة السياسية لتوازنات المنطقة، فقد بدا أن الحملة العقابية لقطر التي قادتها السعودية قد فشلت في تركيعها ودفعها نحو الاستسلام، وجعلت منها قاعدة محورية لمناوأة السياسات السعودية في الخليج بعد التصعيد الذي بلغ الذروة. وجاءت التصريحات الأميركية التي صدرت عن الرئيس دونالد ترامب ووزير الخارجية ريكس تيلرسون لتصيب السعوديين بالإحباط، بعدما تحوّل التخاطب مع قطر تحت شعار تفعلون اللازم لكن المطلوب المزيد، بدلاً من القول أنتم معقل الإرهاب ولن نتسامح بعد الآن، كما علّقت الفضائيات السعودية ومحللوها على الكلام الأميركي الذي وصفته بالمخيّب للآمال، خصوصاً مع تدفق السلع الوافدة من إيران إلى اسواق الدوحة معلنة سقوط تداعيات الحصار الغذائي والتمويني، ووصول طلائع وحدات تركية عسكرية إلى قواعد عسكرية في قطر والحديث عن لحاق قرابة الخمسة آلاف جندي بالوحدات التي وصلت، وإشارة صحف تركية لوصول عشرين ألف جندي باكستاني إلى قطر ضمن اتفاقية عسكرية قطرية باكستانية منذ تراجع العلاقات السعودية الباكستانية بعد أزمة الإعلان السعودي عن مشاركة باكستانية في الحرب على اليمن، ورفض باكستان المشاركة بقرار برلماني.
على خط الحدود السورية العراقية حدث أمس، التحول الأبرز ببلوغ الجيش السوري أول نقطة من خط الحدود العراقية شمال التنف، ليدوس مع الحشد الشعبي العراقي الخط الأحمر الأميركي بمنعهما من التلاقي، فيغلق مع الحشد الشعبي من طرفين متقابلين شمالاً وجنوباً أي باب لدخول وحدات محسوبة على الأميركيين بينهما، ويصير معبر القائم من الجهة العراقية ومعبر البوكمال من الجهة السورية اللذين يسيطر عليهما تنظيم داعش، واقعين بين خطوط انتشار الجيش السوري شمال التنف والحشد الشعبي جنوب الحسكة، ويقطع طريق دخول أي طرف ثالث بينهما من الوحدات المنتشرة إلى جنوب خطوط الجيش السوري وإلى شمال انتشار الحشد الشعبي، أي على طرفين بعيدين عن نقطة الوسط التي يقترب الجيش السوري والحشد الشعبي للتلاقي عندها ويستحيل قطع تواصلهما.
لبنانياً، نجح الأمن العام اللبناني بالتعاون مع فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بتحقيق إنجاز أمني وطني كبير، جنّب لبنان كارثة كبرى لو تيسر للخلايا التي تم توقيفها تنفيذ العمليات التي خططت لها وتضمّنت تفجيرات انتحارية في الضاحية الجنوبية والعاصمة بيروت والجنوب وطرابلس واغتيالات وهجمات بالعبوات الناسفة واستهداف مرافق عامة قيل إن بينها مطار الرئيس رفيق الحريري في بيروت، وبالتزامن مع الإنجاز الأمني الوطني تواصل الإخفاق السياسي في التوصل لقانون انتخابي جديد، فيما حذر رئيس الحزب السوري القومي الإجتماعي الوزير علي قانصو من تسبب هذا الإخفاق بكوارث، سواء بالعودة إلى قانون الستين او الذهاب للتمديد أو الوقوع بالفراغ، داعياً في ظل الأوضاع الملتهبة التي تشهدها المنطقة القيادات إلى تحمل مسؤولياتها في تجنيب لبنان الانزلاق إلى أخطار، لا يقيه شرورها إلا تمتين وحدته الوطنية والابتعاد عن سموم الطائفية، بالذهاب لقانون انتخابي يعتمد النسبية والدوائر الواسعة والمعايير الوطنية لا الطائفية.
الأمن العام يحبط مخططاً إرهابياً
في وقت تتلهى القوى السياسية بخلافاتها حول تفاصيل قانون الانتخاب غير آبهة باستنفاد المهل القانونية ودخول البلاد في مرحلة خطر الفراغ التشريعي وما يجرّه من فراغ سياسي وتهديد الاستقرار الداخلي، كانت الأجهزة الأمنية تسجل إنجازاً جديداً، من خلال إحباط المديرية العامة للأمن العام مخططاً إرهابياً واسعاً من خلال توقيفها 7 أشخاص من جنسيات مختلفة فلسطينية، سورية ويمنية إثر عمليات تعقب ومداهمة نوعية.
وأشارت المديرية الى أن «هؤلاء شكلوا خلايا إرهابية عنقودية تابعة لقيادة «تنظيم داعش» الإرهابي في سورية وافريقيا، وكان أفراد الشبكة يتواصلون مع مشغّليهم من مناطق لبنانية لا سيما في مخيمات عين الحلوة وبرج البراجنة وشاتيلا، حيث كانوا يتلقون التوجيهات والمهمات المطلوب تنفيذها ومن بينها عمليات انتحارية وانغماسية واغتيالات وتفجيرات، اعترف الموقوفون بها».
وأوضحت أن «العمليات كانت ستستهدف طرابلس والنبطية، ومحلة الرحاب في الضاحية الجنوبية، وجزء منها كان سيستهدف الجيش اللبناني والقوى الأمنية وأحد رجال الدين في الجنوب، كما كان المخطط يشمل أيضاً استهداف مطعم في الضاحية الجنوبية أو مؤسسة اجتماعية أو تجمّعاً في المنطقة، وذلك عند توقيتي الأفطار أو السحور».
«القانون» إلى الأسبوع المقبل
ولم تُحرز اللقاءات الانتخابية أي تقدّم في المسائل الأساسية محطّ الخلاف بين القوى السياسية باستثناء مرونة خجولة أبداها رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل حيال نقل المقاعد، اقتصرت على نقل المقعد الإنجيلي من دائرة بيروت الثانية الى الدائرة الأولى ومقعد طرابلس الماروني الى البترون» كما أفادت قناة «أن بي أن»، والتي تحدّثت عن احتمالين اثنين في حال تعثّر إقرار القانون: إما الفراغ وإما دعوة توجّهها الحكومة الى انتخابات وفق القانون النافذ»، بينما أشارت قناة «أو تي في» الى أن «التيار الحر قدّم طرحاً جديداً يقضي بتجاوز عتبة تأهيل المرشح القضاء والطائفة»، وأشارت الى أن «رئيس الجمهورية ميشال عون يعي أن العرقلة في قانون الانتخاب لم تعُد تفيد في هذه المرحلة والاجتماعات ستتكثف وتتواصل».
ونبّه رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وزير الدولة لشؤون مجلس النواب علي قانصو من العودة إلى الخيارات السيئة والمرفوضة، إن كان لجهة إجراء الانتخابات وفق قانون الستين أو لجهة الفراغ أو التمديد، في حال لم يتمّ خلال الأيام القليلة المقبلة تذليل العقبات ونقاط الخلاف التي لا تزال تؤخر عملية تحويل مشروع القانون الجديد للانتخاب إلى الحكومة ومنها إلى مجلس النواب».
واعتبر قانصو في حديث لـ«النشرة» أنّه «وبمعزل عن سفر رئيس الحكومة سعد الحريري، فإن الأمور كانت معقّدة أصلاً قبل أن يسافر، باعتبار أن اجتماع بيت الوسط كما الاجتماع الذي تلاه في وزارة الخارجية لم ينجحا بالوصول إلى النتائج المرجوة». وأضاف: «بتنا على مسافة أيام من تاريخ 19 حزيران موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي، وكلما مرّ مزيد من الوقت ارتفع منسوب الخطر من عدم تحقيق الاتفاق المنشود».
وشدّد قانصو على وجوب أن يعي الفرقاء كلهم «خطورة المرحلة التي نحن بصددها في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة والتصعيد غير المسبوق».
وقال: «محيطنا ملتهب ولا يشهد أي نوع من الاستقرار، وبالتالي أي اهتزاز سياسي أو أمني في الداخل اللبناني قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة».
واعتبر قانصو أن «الوقت لم يعد متاحاً لإجراء أي تعديلات دستورية، خاصة أننا في ظل عقد استثنائي لمجلس النواب لا عقد عادي»، مشدداً على رفضه بشكل مطلق أي قانون يتخذ منحى طائفياً تحت شعارات أو مسميات شتى.
وأضاف: «لا ينقصنا مزيدٌ من الطائفية بقوانيننا التي من المفترض أن تكون أداة لتوحيد اللبنانيين ولمّ شملهم وتعزيز انصهارهم لا أداة لتفرقتهم وفرزهم طائفياً ومذهبياً».
وشدّد قانصو على أن «خلاص لبنان يكون باعتماد النسبية الكاملة على أساس دوائر واسعة»، معتبراً أن «اعتماد 15 دائرة يجعلنا أقرب للنظام الأكثري».
وأضاف: «الإصلاح السياسي لا يمكن ان يتم من خلال الدوائر الصغيرة، أو من خلال قانون يقوم على أسس طائفية».
وفي وقتٍ استبعدت مصادر وزارية عقد جلسة لمجلس الوزراء الإثنين المقبل ما يعني أن الجلسة التشريعية المقبلة باتت بحكم المؤجلة الى 17 حزيران بحسب ما علمت «البناء»، على أن تنطلق جولة جديدة من المفاوضات بدءاً من اليوم مع عودة رئيس الحكومة سعد الحريري الى بيروت وتتكثف مطلع الأسبوع الذي سيكون حاسماً لجهة إقرار قانون النسبية على 15 دائرة وقبل نهاية ولاية المجلس النيابي، كما أكد المجتمعون في وزارة الخارجية أمس.
وأشار أمين سر تكتل «التغيير والاصلاح» النائب إبراهيم كنعان في تصريح له، بعد اجتماع الخارجية الذي جمع الى جانب كنعان الوزير باسيل والنائب جورج عدوان، إلى أن «تأجيل جلسة مجلس النواب الاثنين أمر يعود لرئيس المجلس نبيه بري ويعود لما سيتم تحقيقه من الآن حتى ذلك اليوم»، معتبراً أنه «لو لم يكن هناك امكانية للتوصل لحلول للأمور العالقة لما كنا حاولنا ونستطيع أن نقول إننا على طريق إنتاج قانون الانتخاب بأقرب فرصة. وهذا أمر يتوقف على التجاوب مع طروحاتنا».
بدوره طمأن عدوان الى «أنه سيكون هناك قانون انتخابي جديد. وهذا سبب الاجتماعات التي تجري، أما التفاصيل فلن ندخل فيها لنسهل التوصل لقانون انتخابي جديد».
لكن مصادر «التكتل» والتيار الوطني الحر قللت من موجة التفاؤل بقرب ولادة القانون والتوصل الى حل للنقاط العالقة»، وأشارت لـ«البناء» الى أن «التيار متمسّك بالمطالب التي طرحها ولم يبلغ حتى الآن إجابات واضحة عليها من الأطراف الأخرى، ونفت المصادر ما يتم تداوله من اتفاق على تحديد العتبة الوطنية للمرشح بـ 5 أو 10 في المئة، بل إن التيار يصر على الـ40 في المئة»، ولفتت الى أن «المشاورات لا تزال تدور حول ثلاث نقاط، العتبة الوطنية والصوت التفضيلي الذي لم يحسم أمره بعد، أما النقطة الثالثة فهي طريقة احتساب الأصوات وعملية الفرز».
وفي حين طرح في اللقاءات أن يتم تحديد عتبة التمثيل 40 في المئة مقابل اعتماد الصوت التفضيلي على مستوى الدائرة، أكدت المصادر نفسها التوافق على تخصيص عدد من المقاعد للمغتربين، لكن لم يحسم العدد وما إذا كان ستتم إضافتهم الى عدد أعضاء المجلس النيابي الحالي أو من المقاعد الـ20 الذين أضيفوا بعد اتفاق الطائف؟
وإضافة الى هذه النقاط، تابعت المصادر: «فإن التيار بدعم من رئيس الجمهورية يؤيد أن تكون فترة التمديد 6 أشهر كحد أقصى ويرفض التمديد لمدة سنة، كما تطالب بعض الأطراف لأسباب سياسية». وشدّدت على أن «رئيس الجمهورية لا يمكن أن يقبل بالعودة الى التمديد أو الستين ويرفض الفراغ النيابي، بل يصرّ ويضغط باتجاه إقرار القانون»، وأوضحت أن «العقد الاستثنائي محدد بإقرار القانون، لكن المجلس سيّد نفسه ويمكن أن يُضاف اليه بعض القضايا، لكن ذلك يحتاج الى نقاش وتوافق سياسي».
تأخير الولادة ينذر بانهيار النظام
وقالت أوساط نيابية في تيار المستقبل لـ«البناء» إن «الشروط التي تضعها بعض الأطراف تؤخر ولادة القانون»، محذّرة من أن الفشل في إقرار قانون جديد قبل نهاية ولاية المجلس سيؤدي الى كارثة سياسية ودستورية وتُنذر بانهيار النظام السياسي بأكمله وتعطيل المؤسسات»، وأوضحت أن «الوزير جبران باسيل يقود حملة مزايدات في ربع الساعة الأخير من المفاوضات ويضع شروطاً ومطالب باسم استعادة حقوق المسيحييـن لاستنهـاض الشـارع المسيحـي قبيل الانتخابات النيابية».
ولفتت الى أن «المجلس يستطيع إقرار القانون بمادة وحيدة، كما قال الرئيس نبيه بري في غضون أيام فور وصول القانون الى مكتب المجلس»، وشددت على أن «المستقبل مع إقرار قانون جديد ومع النسبية الكاملة، لكن في حال قرر البعض تعطيل إقراره، فلا حل إلا بالعودة الى قانون الستين ويستطيع المجلس أن يطرح قضايا جديدة من ضمنها تعديل المهل».
ضغوط خليجية – مصرية على لبنان
على صعيد آخر، برزت الزيارة المفاجئة لسفيري الإمارات العربية المتحدة حمد سعيد الشامسي ومصر نزيه النجاري، والقائم بالأعمال السعودي سلطان السباعي الى وزارة الخارجية، حيث أطلعوا وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على خلفية القرار الخليجي المصري بعزل قطر ووضعوه في صورة مسار التطورات في المنطقة بعد هذا التدبير، وذلك في اطار جولة يقوم بها دبلوماسيو هذه الدول لشرح الموقف وخلفيات الإجراءات.
وفي وقتٍ يحاول السفراء الخليجيون ممارسة الضغوط على لبنان لدفعه للمشاركة في حملة الإجراءات العقابية والمقاطعة الخليجية لقطر، رأت مصادر وزارية ودبلوماسية سابقة أن «دول الخليج لا يمكنها إلزام لبنان بقرار مقاطعة قطر، إذ يجب احترام ظروف وخصوصية لبنان الذي لا يستطيع الانحياز الى دولة ضد أخرى، وتربطه مع جميع الدول مصالح اقتصادية وسياسية جيدة».
وأوضحت المصادر لـ«البناء» أن «لبنان لن يتأثر بالأزمة الخليجية، لأنه لم ينخرط في المواجهة الدائرة بين تلك الدول، وبالتالي يلتزم بخطاب القَسَم والبيان الوزاري لحكومة استعادة الثقة»، ولفتت الى أن «لبنان يعترف بدور السعودية في المنطقة، كما قال رئيس الجمهورية لكن لا يمكن أن يتخذ موقفاً ضد قطر أو أي دولة أخرى، بل لديه علاقة جيدة مع الجميع ويلتزم بقرار النأي بالنفس عن أزمات المنطقة».
وكان باسيل قد أكد خلال استقباله نظيره الهنغاري بيتر سيارتو «أن لبنان لا يسعى إلا الى التوفيق بين إخوانه العرب، ولا يتدخل في شؤون الدول الصديقة والعربية ويتمنى أن يحل الحوار والتفاهم والحلول الديبلوماسية بدلاً من الصراع، لأن مبتغانا في النهاية محاربة الإرهاب والقضاء على التطرف وإحلال السلام والتفاهم وصولاً الى الازدهار بين الدول العربية الشقيقة احتراماً لميثاق جامعة الدول العربية».
ترقب لقرار العقوبات
وفي غضون ذلك، تترقب الأوساط السياسية والمصرفية والشعبية صدور مشروع قانون العقوبات الأميركي الجديد ضد لبنان الذي بدء الكونغرس الأميركي بدرسه. ورجحت مصادر دبلوماسية أن يقر الكونغرس قرار العقوبات خلال أسبوعين، متوقعة أن تتسع دائرة العقوبات عن عام 2015 ويطال سياسيين وحزبيين ومؤسسات لبنانية متعددة.
وقال أحد أعضاء الوفد النيابي اللبناني الى واشنطن لـ«البناء» إن «الوفد وبعد اللقاء مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس أيد رويس أبدى الأخير تفهمه للواقع اللبناني وتركيبته السياسية والطائفية»، وتحدث النائب اللبناني عن تضخيم للقرار وأن لائحة العقوبـات المسرّبة والتي قيل إنها ستشمل شخصيات لبنانية رسمية غيـر دقيقـة، لكـن القـرار سيصدر ولـم نعـرف مضمونـه حتـى الساعة».
وأبدى المصدر استغرابه لـ«تأخير زيارة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة الى واشنطن رغم مرور أسابيع على التجديد له في منصبه»، مشيراً الى أن «الرهان على هذه الزيارة كي يشرح للمسؤولين الأميركيين حقيقة الموقف اللبناني نظراً للثقة التي يتمتع بها الحاكم في المجتمع الدولي والولايات المتحدة تحديداً»، ورجّح المصدر أن «تكون بنود القانون الجديد أوسع من قانون 2005، لكنه لا يزال قيد النقاش ولم يتم الاتفاق على قانون موحّد في الكونغرس ولم تذكر أسماء معينة ولا توقيت محدد لصدوره».
2017-06-10 | عدد القراءات 4273