كتب المحرّر السياسي
على إيقاع صدمة برشلونة تتصاعد المقاربات الغربية لأولوية الحرب على الإرهاب بعد تسمين وتغذية التشكيلات الإرهابية لسنوات بأمل نجاحها بإسقاط سورية، ولولا صمود سورية وثبات حلفائها لكانت الكارثة التي تنتظر العالم أكبر بكثير وأشد خطورة مع هذا المولود الهجين الخرافي الذي خرج عن السيطرة بعدما مُنح كل أسباب النمو، في أقذر عملية سياسية استخبارية شاركت فيها عشرات الدول مالاً وسلاحاً وتنظيماً ورعاية واستضافة.
التموضع على صفاف جديدة والتأقلم مع المتغيرات يتمّان بوتائر متفاوتة بين الدول التي تورطت في الحرب على سورية، وتحوّلت إلى ساحات يضرب فيها الإرهاب ويهدد بالمزيد، ويبقى الأبرز والأهم هو تركيا باعتبارها الملاذ الذي توفر للتشكيلات الإرهابية لبناء هياكلها وتسليحها وخطوط إمدادها، حيث صار الخطر الماثل على الأمن القومي التركي بنتاج عبث الحكومة التركية بأمن سورية يتجسّد بتقدم مخاطر ولادة كيان كردي انفصالي في العراق، ومثله في سورية، ما جعل ملف مواجهة هذا الخطر يتزامن مع مناقشة تعهدات تركية بالتموضع في الحرب على جبهة النصرة وحسم وجودها في إدلب، ونقل الجماعات المؤيدة من تركيا تحت مسميات الجماعات المسلحة إلى المشاركة في مناطق التهدئة من ضمن مفهوم الحرب على النصرة، كما فعل فيلق الرحمن مؤخراً. والهدف التركي هو الحصول على تعهّد مواز بالتعاون في منع الحركة الانفصالية الكردية في سورية والعراق، ولو تلقت دعماً أميركياً معنوياً أو مادياً. وهذا ما قالت مصادر مطلعة إنه كان محور المشاورات التركية الإيرانية التي أنتجت قراراً بالتحرك المشترك تحت عنوان ضرب جماعات مسلحة متطرفة في سنجار العراقية، بما يعني قطع التواصل بين الجغرافيا الكردية في العراق بأكراد سورية، وتأثير ذلك بتوجيه رسالة عملية ميدانية للقيادات الكردية عنوانها، الانفصال خط أحمر.
بالتوازي تلتقط مصر لحظة التموضع الأميركي الجديد على خطوط التسويات، تحت شعار إقامة توازن مع تركيا وإيران، فتحظى بدعم سعودي غير معلن، لكنه ظاهر في توقيع جيش الإسلام على الاتفاق الذي أقام منطقة التهدئة في الغوطة. وتستعد مصر كما قال وزير خارجيتها سامح شكري بعد لقائه بوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، أن مصر وسيط مقبول في الأزمة السورية، وهذا الدور قد لا يقتصر على الوساطة السياسية، فربما يكون هناك مراقبون مصريون في
مناطق التهدئة بموافقة من الحكومة السورية، كما قالت مصادر متابعة لملف مناطق التهدئة.
في ميدان الحرب على الإرهاب تتصدّر المشهد معارك الجرود اللبنانية والقلمون السوري، حيث يتكامل ما ينجزه الجيشان اللبناني والسوري والمقاومة، من جهتي الحدود لوضع مسلحي داعش بين فكي كماشة في الربع الأخير من الجغرافيا التي سيطروا عليها لثلاث سنوات، بعدما بلغت مساحة المناطق المحررة من الجهتين ثلاثة أرباع المساحة التي كانت تحت سيطرة داعش، فبلغ مجموع المناطق المحررة لبنانياً وسورياً قرابة المئتي كيلومتر مربع وبقي خمسة وسبعون كيلومتراً يطبق عليها الجيشان ووحدات المقاومة. وبدا الشعور بالطريق المسدود لجماعات داعش واضحاً بحال الانهيار التي يتحدث عنها قادة الجبهات الأمامية على ضفتي الحدود من جهة، ومبادرة الجماعات المتطرفة المحسوبة على فكر تنظيم القاعدة بنسختيه الأصلية والمنقحة، النصرة وداعش، بمحاولة لتفجير الوضع في مخيم عين الحلوة من جهة مقابلة، فيما وصفته مصادر أمنية بمسعى صرف الانتباه عن هزائم الجرود والقلمون وتخفيف الضغط عن الجماعات المسلحة هناك من جهة، والسعي لربط مصير مسلحي عين الحلوة بأي تفاوض لانسحاب مسلحي داعش من جهة أخرى.
سياسياً، كانت زيارات الدبلوماسي الإيراني جابري أنصاري للنائب وليد جنبلاط وما قاله جنبلاط عن عدم تلقيه دعوة لزيارة إيران، مضيفاً أنه لا مانع من الزيارة إن جاءت الدعوة، إشارة لتوسيع علاقات إيران خارج قوى الحلفاء التقليديين، وعلامات التأقلم الذي تبديه القيادات مع المتغيرات، فيما حسم الجدل حول سلسلة الرتب والرواتب بتوقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لقانونَيْ السلسلة وإيراداتها ونشرهما في الجريدة الرسمية إيذاناً بالبدء بالبحث في مقترحات القوانين التي تم الاتفاق عليها كتسويات للقضايا الخلافية بين الرئاستين الأولى والثانية، من دون المساس بالضرائب التي طالت المصارف والشركات المالية.
«فجر الجرود» في يومها الثالث
أظهرت الإنجازات التي يسجلها الجيش اللبناني في معركة جرود القاع ورأس بعلبك مع تنظيم «داعش»، بأن الجيش كان خلال السنوات الماضية كما الآن، قادراً على صد الهجمات والغزوات الإرهابية على عرسال وجوارها وتحرير الجرود اللبنانية وجنوده منذ اختطافهم عام 2014، ما يثير تساؤلات عدة عن الجهات الداخلية والخارجية التي منعت الجيش من القيام بواجبه الوطني والطبيعي في الدفاع عن نفسه اولاً وعن الوطن ثانياً على مدى السنوات الماضية. وبالتالي على السلطة السياسية آنذاك تحمّل المسؤولية ودفع أثمان خياراتها ورهاناتها السياسية والعسكرية على سقوط النظام في سورية واستنزاف قوى المقاومة في الحرب السورية.
كما كشفت العملية العسكرية زيف ادعاءات بعض القوى السياسية الذين سارعوا للحاق بركب الانتصار الوطني عندما التقطوا اشاراته وهم أنفسهم الذين ساهموا بضرب هيبة الجيش واتهموه بالخيانة ومارسوا بحقه التحريض الطائفي والمذهبي ودعوا الى طرده من بعض المناطق اللبنانية.
كما بينت الفارق بين هذا المشهد الوطني الذي يشكله الجيش اللبناني والمقاومة بقتالهما جنباً الى جنب، على ضفتي الحدود، وبين المشهد السياسي الذي يمثله رئيس «القوات» سمير جعجع وتيار المستقبل ووزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي حاول في مؤتمره الصحافي أمس الإضاءة على إنجازات شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي في مكافحة الإرهاب.
وفي اليوم الثالث لمعركة «فجر الجرود» تابعت وحدات الجيش التقدّم على محاور عدة وسيطرت على المزيد من التلال ومواقع تنظيم داعش، ولامست الحدود السورية.
وقد استهدفت ما تبقى من مراكز تنظيم داعش بالمدافع الثقيلة والطائرات وحقّقت إصابات مباشرة في صفوف الإرهابيين والآليات التي كانوا يتحركون بها، فيما يتابع فوج الهندسة في الجيش أعمال إزالة الألغام والفخاخ والنسفيات من محاور التقدّم.
وفي موازاة ذلك، واصل الجيش السوري والمقاومة معركة و«إنْ عدتم عدنا» وحققوا مزيداً من التقدم واختراقات في صفوف الإرهابيين.
رؤوس إرهابية بين لبنان واستراليا
وفيما ينشغل الجيش بمعركة الحدود، كانت عيونه الأمنية تلاحق وتتعقب الخلايا والرؤوس الإرهابية في الداخل وعلى الخطوط الجوية الإماراتية الاسبانية اللبنانية، فقد أوقفت مديرية المخابرات في محلة وادي الأرنب في عرسال أحد المسؤولين الأمنيين في تنظيم «داعش» السوري باسل محمد عبد القادر الملقب بـ «أبو انس السحلي» و «صقر عرسال»، وعمره حوالى 25 سنة.
وقال مصدر أمني لـ «البناء» إن «الموقوف له خبرة امنية واسعة في العمل الإرهابي، وكان متوارياً عن الانظار في أحد الأحياء العرسالية»، وأشار الى أن «القاء القبض على السحلي جاء بعد تتبع وحدة المعلوماتية في الجيش تواصلاً هاتفياً بينه وبين مجموعة إرهابية أخرى مصدرها عرسال».
كما كشف وزير الداخلية عن مساهمة شعبة المعلومات في إحباط عملية إرهابية كبيرة، بالتنسيق مع أجهزة الأمن الأسترالية، من خلال الكشف عن شبكة من 4 أخوة من آل الخياط يتحدّرون من شمال لبنان، كانوا يخططون لتفجير انتحاري في طائرة إماراتية متوجّهة من سيدني في أستراليا إلى أبو ظبي في دولة الإمارات، بواسطة أحد الأخوة. وكان على متن الطائرة 400 راكب، بينهم 120 لبنانياً و280 من جنسيات مختلفة.
ورأى المشنوق أن «قوى الأمن الداخلي، رغم الحصار المالي غير المبرر وغير المنطقي وغير العقلاني، مستمرة في تحمّل مسؤولياتها الوطنية وفي إنجاز العمليات الاستباقية وكشف الشبكات الإرهابية».
وكان المشنوق كشف أنه «من خلال التنسيق بين مختلف القوى الأمنية والعسكرية، وتنفيذاً لقرارات مجلس الدفاع الأعلى، وضعت قوى الأمن الداخلي 700 ضابط و14 ألف عنصر بتصرف الجيش، كقوة دعم واحتياط».
ودعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أهالي عرسال «للتجذر في ارضهم والعيش فيها بسلام واستقرار وأمان واستعادة حياتهم الطبيعية، وذلك بعد اندحار الإرهابيين الذين روّعوا المنطقة واهلها»، مؤكداً «اهتمام الدولة بتوفير كل الحاجات المطلوبة لإصلاح ما خرّبه الإرهابيون».
خروق لقرار وقف النار في عين الحلوة
وعلى جبهة مخيم عين الحلوة، تمكنت الفصائل والقوى الفلسطينية في المخيم أمس، من التوصل الى قرار لوقف إطلاق النار بعد اشتباكات مسلحة على مدى ثلاثة ايام أوقعت قتلى وعدداً من الجرحى.
وينص الاتفاق على «تثبيت وقف اطلاق النار ومطالبة الجميع الالتزام بذلك، وتنفيذ القرارات السابقة، وفي مقدمتها نشر القوة المشتركة في حي الطيرة في مخيم عين الحلوة ومشاركة جميع القوى الوطنية والإسلامية فيها».
غير أن قرار وقف النار تعرّض لخروق عدة ليل أمس، وقد أفيد عن اصابة عنصر من فتح يدعى نضال الدنان وتم نقله الى مستشفى الراعي واصابته خطيرة.
وتسلمت مخابرات الجيش أمس، من القوة الفلسطينية المشتركة في المخيم وليد الحسين الذي ينتمي الى مجموعة الفلسطيني بلال بدر.
وقالت مصادر فلسطينية في المخيم لـ «البناء» إن «الاتصالات المكثفة بين الفصائل والقوى الفلسطينية خلال اليومين الماضيين أفضت الى وقف اطلاق النار ويجري العمل منذ ليل أمس على تثبيت وقف النار وتم الاتفاق على معالجة أي خرق أمني من دون اللجوء الى إشعال معركة في المخيم». وأشارت المصادر الى أن «الحل العسكري لم يعُد يجدي نفعاً مع تلك المجموعات بل في كل جولة قتال يدفع المخيم الثمن من دون انهاء الظاهرة المتطرفة الإرهابية التي تتخذ المخيم رهينة وتتحكم بمصيره ومصير الآلاف من الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يتطلب حسب المصادر معالجة سياسية وأمنية وتجنيب المخيم والجوار المعارك الدامية».
ولفتت المصادر الى أن «مجموعة بلال بدر وبلال العرقوب وغيرهما من المجموعات المتطرفة، تفتعل معارك أمنية بين الحين والآخر لأهداف تجارية ولتحقيق أهداف خارجية». ورأت المصادر أن «توقيت الاحداث في المخيم مشبوه، حيث يتزامن مع معارك تحرير الجرود اللبنانية والسورية الحدودية من تنظيم داعش».
أنصاري التقى عون وبري وجنبلاط
وأكد مساعد وزير الخارجية الايرانية للشؤون العربية والافريقية حسين جابري أنصاري أن أولويات وزارة الخارجية الايرانية في المرحلة الجديدة من رئاسة الرئيس حسن روحاني ستتمحور حول تعزيز التعاون الاقليمي وزيادة التحركات الدبلوماسية، مشدداً على أن «لبنان يحظى بمكانة خاصة في تلك الاولويات».
كلام أنصاري جاء خلال زيارته الرئيس عون في بعبدا، بحضور السفير الإيراني في لبنان محمد فتحعلي واعضاء الوفد المرافق، حيث بحثا المستجدات الأخيرة في لبنان والمنطقة والتعاون بين إيران ولبنان.
ونقل جابري أنصاري، تحيات الرئيس الايراني، وإشادته بدور الشعب والحكومة والجيش والمقاومة في لبنان في مواجهة الكيان الصهيوني وكذلك محاربة الإرهاب.
وأكد الرئيس عون للمسؤول الإيراني أن «الموقف اللبناني ثابت لجهة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والابتعاد عن الصراعات الخارجية»، ونوّه الرئيس عون بـ «العلاقات الثنائية القائمة بين لبنان والجمهورية الإسلامية الإيرانية والحرص على تعزيزها في المجالات كافة»، محملاً المسؤول الايراني تحياته الى الرئيس الايراني الشيخ الدكتور حسن روحاني وتمنياته له بالتوفيق مع بدء ولايته الرئاسية الثانية، واعداً بتلبية الدعوة الرسمية التي كان وجهها اليه لزيارة طهران بعد الاتفاق على موعدها وفق القنوات الديبلوماسية.
وشدد أنصاري من عين التينة خلال لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري على دور لبنان في مواجهة الإرهاب، وأكد متابعة إيران قضية الامام المغيب السيد موسى الصدر ومرافقيه.
عون وقع السلسلة والإيرادات
ولم يحجب غبار معارك الجرود اهتمام الرئيس عون بالملفات الحياتية والاقتصادية، وقد حسم أمس قراره من قانونَيْ سلسلة الرتب والرواتب والإيرادات الضريبية ووقع القانونين اللذين أقرهما المجلس النيابي أمس.
وقالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إن «توقيع الرئيس عون على قانوني السلسلة والإيرادات الضريبية وضع السلسلة على سكة التنفيذ، وبمجرد نشرهما في الجريدة الرسمية يعتبرا ساريي المفعول، لكن المصادر أشارت الى أن «التعديلات على القانون من خلال اقتراحات قوانين الى المجلس النيابي لن تمس جوهر السلسلة والحقوق التي منحتها للموظفين ولا جوهر الضرائب التي يطال الجزء الأكبر منها الطبقة الرأسمالية»، موضحة أن أبرز التعديلات هي اقتراح قانون يتعلق بصندوق التقاعد للقضاة، موضحة أن «القضاة يعترضون على وقف دعم الدولة للصندوق وتخفيض الرسوم التي يتقاضونها على مخالفات السير واقتراح آخر يتعلق بتصحيح الإجحاف اللاحق بالعسكريين المتقاعدين».
ونفت المصادر أي تعديلات على قانون الضرائب لا سيما تلك التي أصابت المصارف وتكتلات رؤوس المال، باستثناء تخفيض بعض الضرائب عن كاهل الطبقة الفقيرة وتحديداً تعديل رسم الطابع المالي.
ولفتت المصادر الى أن «توقيع السلسلة ووعود وزير المال بمعالجة بعض الثغرات في القانونين، أديا الى تجاوز الخلاف بين الرئاستين الاولى والثانية حول مسألة السلسلة والضرائب».
واستبعدت المصادر أي ضغوط اضافية يمارسها اصحاب المصارف والهيئات الاقتصادية على الحكومة ووزارة المال، مشيرة الى أن «قرار الرئيس عون نهائي ولا تراجع عنه»، ولفتت الى أن «التهويل الذي اشاعه قطاع المصارف عن انعكاسات إقرار السلسلة السلبية على الاقتصاد وانهيارات مقبلة لا أساس لها في الواقع، بل تكشف الأرقام العكس، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة أكد أن إقرار السلسلة سيعطي دفعاً للاقتصاد ويضخ دماً جديداً في شرايين الاقتصاد فضلا عن تأكيد وزير المال علي حسن خليل بأن زيادة رواتب موظفي القطاع العام تمّ بعد دراسة علمية ومالية».
وعن قانون الموازنة، لفتت المصادر الى أنه قيد الإنجاز ويجري العمل على إحالتها الى الهيئة العامة بأسرع وقت، متوقعة غنجازها خلال اسبوعين، لكنها لفتت الى أن «العقدة لازالت تتركز في عملية قطع الحساب لا سيما مبلغ الـ 11 مليار دولار، فهل سيتم اعتماد قطع حساب بشكلٍ ثابت أو مؤقت أو تعديل المادة القانونية المتعلقة بقطع الحساب، ويجري نقاش سياسي ومالي في هذه النقطة».
وأشار رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان الى ان اقتراح القانون الذي أعدّه بطلب من رئيس الجمهورية عقب «لقاء بعبدا» يستثني عائلات الشهداء والمعوقين والجرحى من التجزئة والتقسيط في الزيادة المقرة لهم في قانون السلسلة».
2017-08-22 | عدد القراءات 3410