كتب المحرّر السياسي
عَبَرَ الجيش السوري الفرات وكسر خطاً أحمر جديداً، بعد بلوغ الحدود السورية العراقية قبل شهرين، وسقطت الإمارة التي أرادها الأميركيون مغلقة لهم ولجماعة «قسد» كمدخل للعب بوحدة سورية، وأعلنت الدولة السورية عزمها على التوجه نحو البوكمال مهما كانت الأثمان، ووقف الحلفاء وراء سورية وقفة رجل واحد. فشارك حزب الله بقوة وازنة في معارك شرق سورية وشمالها، ووقفت إيران بحرسها الثوري والمتطوّعين تحت لوائه، وقدّم الطيران الروسي الغطاء الجوي المكثف، وقدمت الهندسة الروسية تقنيات العبور وجسورها الحديثة العائمة، فرضخ الأميركيون وبدأوا تفكيك قاعدة الزكف القريبة من قاعدة التنف، وأبلغوا الجانب الروسي رغبتهم بالتشاور والتنسيق لمنع التصادم ومواصلة التعاون في الحرب ضد داعش، وفقاً لما تمّ الاتفاق عليه في الحوار الذي أجراه وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون مع وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، وخرج الناطق بلسان التحالف الذي تقوده واشنطن يؤكد أولوية التنسيق مع روسيا لمنع التصادم بين الجيش السوري وقوات سورية الديمقراطية تحت عنوان أولوية الحرب على داعش.
لبنانياً، كان الحدث في عين التينة مع إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري تقديمه اقتراح قانون لتقديم موعد الانتخابات النيابية لما قبل نهاية العام، مستنداً إلى أن التمديد الذي تم التفاهم عليه كتمديد تقني لمجلس النواب بحجة البطاقة الانتخابية الممغنطة قد سقط مع صرف النظر عنها، أما إنتاج بطاقة الهوية البيومترية واعتمادها فأمر آخر. ونقلت مصادر مطلعة عن بري قراءة مفادها اعتراضه على التلزيم بالتراضي لبطاقة الهوية تحت شعار العجلة ولا داعي للعجلة، لأنه من الصعب جهوزيتها لتخديم الانتخابات المقبلة في موعدها، بل الخطر ربط الانتخابات وموعد إرجائها بجهوزية بطاقة الهوية الجديدة وتوزيعها على الناخبين وضمان عدم وقوع أخطاء في البطاقة والتوزيع، فيصير هذا باب التمديد الجديد، الذي يجزم الرئيس بري أنه لن يسير به مهما كلف الأمر، ولذلك لن ينتظر حتى يصير مطروحاً على الطاولة. ومن جهة مقابلة، وهذا هو الأهم، كما تقول المصادر، إن الرئيس بري خاض نقاشات ووصلته أصداء نقاشات حول كيفية استخدام البطاقة الممغنطة أو البطاقة البيومترية، فلمس إصراراً على رفض قيام الناخبين بتسجيل مكان اقتراعهم المختار، ليتم تجهيز الأقلام المناسبة للراغبين بالاقتراع في أماكن سكنهم، وشطبهم من لوائح المقترعين في مكان قيود سجلاتهم منعاً لقيام بعضهم بالاقتراع مرتين، ولم ينجح بري في الحصول على جواب إيجابي رغم الشروح التي قدّمها عن خطورة التزوير والعبث بنتائج الانتخابات في حال عدم التسجيل، فقرّر إبلاغ من يلزم أنه إذا لم يتم اعتماد التسجيل المسبق بالتوازي مع اعتماد البطاقة الانتخابية الممغنطة أو بطاقة الهوية البيومترية لمنح الناخبين حق اختيار مكان الاقتراع، فإن الرئيس بري لن يترشح شخصياً للانتخابات ولن يسمح بترشيح أحد من حركة أمل وكتلة التنمية والتحرير، لأنه لن يكون شاهد زور وتزوير.
توقعت المصادر أن يكون الحجر الذي ألقاه بري في الماء الراكد فرصة لنقل النقاش الجاري في الكواليس حول مستقبل الانتخابات إلى العلن، خصوصاً مع ظلال الشك حول جدية إجراء الانتخابات في موعدها، بعدما ألغيت الانتخابات الفرعية بلا تقديم سبب أو مبرر، ولم يرفّ لأحد جفن والدستور ينتهك علناً.
اقتراح قانون لتقصير ولاية المجلس
رمى رئيس المجلس النيابي نبيه بري كرة الاستحقاق الانتخابي الى الملعب الحكومي بعد إعلانه عن تقديم كتلته النيابية اقتراح قانون معجّل مكرّر لتقصير ولاية المجلس النيابي الحالي حتى نهاية العام الحالي، قاطعاً بذلك الطريق على وضع المجلس النيابي أمام تمديد الأمر الواقع للمرة الرابعة.
وخلال مؤتمرٍ صحافي عقده بري عقب ترؤسه اجتماع كتلة التنمية والتحرير في عين التينة، قال الرئيس بري: «التزاماً بروح القانون الذي يفرض إجراء الانتخابات في أسرع فرصة، نتقدّم باقتراح قانون معجّل مكرّر لتعديل المادة 41 من القانون 44، واختصار ولايته، فتنتهي في آخر العام هذا، أي في 31 كانون الأول، على ان تجري الانتخابات قبل هذا التاريخ، وسيطرح هذا القانون في الجلسة التشريعية المقبلة وليس غداً»، وجدّد بري تمسّكه بالتسجيل المسبق للناخبين خارج أماكن سكنهم، معتبراً أن لا مبرر لأي تمديد.
وفي حال لم تتجاوب الحكومة، قال بري: «هذا الأمر لا يعود للحكومة، هذا الامر يعود لمجلس النواب، وحل المجلس موقوف على إرادة المجلس النيابي»، وأضاف: «اقتراح القانون المعجل المكرر هذا سيطرح خلال الجلسة التي تلي جلسة الغد وبعد غد. لماذا؟ لأنني ملتزم كلاماً أمام الهيئة العامة ان لا أقبل اقتراح قانون معجل مكرر اذا أتاني على الباب، اي اذا أتاني عشية الجلسة أو ليس قبل 48 ساعة لذلك ما يسري على الغير يسري عليّ».
وتابع بري: «أما ما هي اهمية اقتراح القانون هذا، فمن خلاله اساعد الحكومة، بمعنى انه اذا كانت الحكومة غير قادرة على تكملة العمل لإنجاز البطاقة البيومترية، وتتاح الفرصة لأن تنجز مليون بطاقة كل سنة بدلاً من ان تنجز هذا العدد. ونذهب الى الانتخابات وفق الاقتراح المذكور على اساس قانون الانتخاب الجديد نفسه، ولكن ينتخب كل ناخب في مكان ولادته بواسطة الهوية او جواز السفر كما كان يحصل».
هل تكون «البيومترية» ذريعة التمديد الرابع؟
وفي حين أربكت خطوة بري الدستورية القوى السياسية والحكومة، خرج الهمس الذي يضج في الصالونات السياسية الى العلن من أن يكون إقرار الحكومة الهوية البيومترية هو الذريعة المصطنعة لتأجيل الانتخابات المقبلة، الأمر الذي يطرح سؤالاً آخر: لماذا لم تقرّ الحكومة مع «البيومترية» الآلية التنظيمية والتطبيقية لها، والمبادرة الى التسجيل المسبق للمقترعين كسباً للوقت وتجنباً لأي عملية تزوير في الانتخابات؟ واذا كانت الحكومة قد أقرت الهيئة العليا للإشراف على الانتخابات والبطاقة البيومترية والانتخاب الالكتروني للمغتربين، فلماذا لا يقرَّب موعد الانتخابات؟ وما الذي يبرر الانتظار حتى أيار المقبل أو طلب تمديد رابع؟
مصادر كتلة التنمية والتحرير أشارت لـ «البناء» الى أن «مجموعة من الاسباب دفعت الرئيس بري الى الاسراع بمبادرته لتقصير مدة التمديد للمجلس النيابي بعد استشعاره محاولات من أكثر من طرف سياسي لتأجيل الانتخابات بحجة عدم قدرة وزارة الداخلية على إنجاز التفاصيل التقنية المتعلقة بالهوية البيومترية قبل شهر أيار المقبل»، ولفتت الى أن «التمديد التقني الذي رافق إقرار قانون الانتخاب الجديد والتمديد لعام واحد كان بسبب البطاقة الممغنطة وبما أن الداخلية استبدلت هذه البطاقة بالهوية البيومترية فسبب التمديد قد انتفى، وبالتالي يمكننا تقديم موعد الانتخابات الى أواخر فصل الشتاء كحدٍ أقصى».
وأضافت المصادر أن «الحكومة يمكنها إنجاز كامل التفاصيل الهوية البيومترية خلال شهرين، وبالتالي يمكن إجراء الانتخابات قبل موعدها في أيار، وإن عجزت عن ذلك، فهذا يعني أن سبب التمديد قد انتهى، وبالتالي علينا تقصير مدة التمديد وإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، ولاحظت المصادر وجود صعوبات تقنية أمام تطبيق استخدام البيومترية كما شكّكت بسرعة اتخاذ قرار التلزيم وتحديد اسم الشركة من دون الإعلان عن مناقصة واستدراج العروض في حين لم تتضح الصورة العملية لهذه الخطوة وإن كانت تسهّل العملية الانتخابية أم تعرقلها».
وكشفت المصادر أن الرئيس بري سيعمل على إدراج اقتراح القانون على جدول أعمال الجلسة التي تلي جلسة اليوم والغد ثم إحالته الى الهيئة العامة لمناقشته للتصويت عليه، وإذ أشارت الى أن خطوة الرئيس بري برسم القوى السياسية التي عليها أن تختار أمام الرأي العام التصويت على القانون أم ضده، أكدت أن التمديد غير وارد عند الرئيس برّي ولو ليوم واحد وتحت أي اعتبار، مشيرة الى أن هذا موقف حاسم وجازم ولا رجوع عنه، ومَن يريد التمديد فليمدّد وحده».
وقال وزير داخلية أسبق لـ «البناء» إن «البطاقة البيومترية تحتاج الى ترتيب تقني والى مكننة شاملة للناخبين في الداخل والخارج، وكشف بأن هناك حوالي 600 ألف هوية عادية لم تسلّم الى أصحابها بعد، فكيف تستطيع وزارة الداخلية إنجاز 4 ملايين هوية بيومترية قبل شهر أيار المقبل؟».
وعن إقرار النظام الالكتروني للمغتربين، لفت المصدر الوزاري السابق إلى أن «حق الاقتراع فقط لحاملي الهوية اللبنانية أو الباسبور اللبناني، وليس لكل المغتربين الذين تخلّى منهم عن جنسيته أو خيّرته الدولة التي يوجد فيها بين جنسيتها والجنسية اللبنانية فاختار الأولى». وكشف المصدر أيضاً أنه «عندما أطلقت وزارة الخارجية نداءً الى المغتربين عام 2009 لتسجيل أسمائهم لدى السفارات للمشاركة في الانتخابات لم يسجل سوى 4 آلاف شخص، وبالتالي هذا رقم قليل بالنسبة لعدد المغتربين، وبالتالي لا يمكن لوزارة الداخلية التحجّج بتنظيم عملية انتخاب المغتربين لتأجيل الانتخابات».
وعن تلزيم البطاقة الممغنطة شركة معينة، لفتت الى أن ذلك مخالف للقانون، وتساءلت هل وافق مجلس الوزراء على التلزيم أم لا؟ داعية الى جلسة استجواب نيابية لاستجواب الحكومة في الأمر.
.. والمشنوق يحذّر: تطبيق «القانون» يزداد صعوبة
وفي المقابل اعترف وزير الداخلية نهاد المشنوق بأن تطبيق قانون الانتخاب يزداد صعوبة مع مرور الوقت واقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، وفي بيان توضيحي لمكتبه الإعلامي، لفت الى أن «مع كل يوم يمر من عمر القانون ويقربنا من موعد إجراء الانتخابات، تزداد صعوبة تطبيق هذا القانون إلا من خلال اعتماد إجراءات استثنائية جداً».
وذكر البيان «بأن المادة 84 من القانون لم تقترحها وزارة الداخلية، بل أجمعت القوى السياسية في حينه على إقرارها، وألزمت وزارة الداخلية بتنفيذها. هذا رغم أن الوزير نهاد المشنوق لم يكن متحمساً لها وسجل اعتراضه عليها في محضر جلسة مجلس النواب يوم إقرارها، لإداركه صعوبة تنفيذها، لذلك فإن اللجنة الإدارية والفنية التي شكلها وزير الداخلية لدرس آلية تطبيق المادة 84، خلصت إلى أن البطاقة الإلكترونية الممغنطة ستستعمل لمرة واحدة كل 4 سنوات، وربما لمرة واحدة فقط كما جرى في بلدان كثيرة، وبالتالي فإن الاعتمادات التي سترصد لها ستكون هدراً للمال العام دون الوصول إلى النتيجة المطلوبة وبالتالي قررت اللجنة، تطوير بطاقة الهوية الحالية، إلى بطاقة بيومترية إلكترونية، وإحدى ميزاتها الأساسية أنها ستكون متعددة الوظائف، أي أنها ستحمل «رقم التعريف الموحّد» لكل لبناني، الذي يولد معه ويرافقه إلى آخر حياته، يستعمله في مختلف معاملاته الإدارية».
«الدستوري» أجّل قراره للأربعاء
على صعيد آخر، التأم المجلس الدستوري للبحث في الطعن المقدّم من بعض النواب في قانون الضرائب، غير انه لم يتخذ أي قرار في شأنه وحدّد الاربعاء المقبل موعداً جديداً لاستكمال البحث.
وأوضح رئيس المجلس عصام سليمان أن المادة 36 من القانون رقم 243/2000 تنص بأن «يصدر القرار في غرفة المذاكرة في مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً من تاريخ انعقاد الجلسة … »، لافتاً الى ان «التقرير قُدم في 15 أيلول 2017 ودعي الأعضاء الى جلسة يوم الاثنين في 18 أيلول 2017 اليوم وأن القرار سيصدر في المهلة المحددة في القانون»، مؤكداً ان «رئيس المجلس الدستوري وأعضاءه ملتزمون بصرامة بسرية المذاكرة وموجب التحفظ، لذلك يجري التداول في دستورية القانون المطعون فيه بعيداً من الإعلام». وفي حين علم «ان المجلس أبقى جلساته مفتوحة الى حين صدور القرار النهائي ضمن المهلة».
عون: لعودة النازحين إلى سورية
في غضون ذلك استهل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يومه الاول في نيويورك، بلقاء أمس في مقر اقامته في فندق «ريتز كارلتون» مع رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر مورر. واشار عون الى «أهمية العمل لعودة النازحين السوريين، خصوصاً أن مناطق سورية عدة باتت تنعم بالهدوء بعد التطورات الامنية الاخيرة». ولفت رئيس الجمهورية الى أن «المساعدات الدولية تذهب الى النازحين من دون الحكومة اللبنانية، علماً أن لبنان يتحمل الكثير من الاعباء، ما أثر سلباً على وضعه الاقتصادي والمالي، وأن الدول المانحة مدعوة الى التعاطي مع لبنان في ما خصّ المساعدات لاسيما خلال انعقاد المؤتمر المقبل لهذه الدول».
كما استقبل الرئيس عون أمين عام جامعة الدول العربية احمد ابو الغيط، بحضور الوفد اللبناني المرافق، وكانت جولة افق تناولت التطورات العربية والاقليمية الراهنة والتحرك العربي حيال بعض القضايا المطروحة.
2017-09-19 | عدد القراءات 2906