كتب المحرّر السياسيّ
انتهى حساب التوقعات وكشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عما قال إنه استراتيجية جديدة للتعامل مع إيران والاتفاق النووي مع إيران، والخلاصة ربط نزاع بلا قرار حاسم، وتأرجح سيمتد طويلاً قبل أن تعود واشنطن لخط التسوية الذي افتتحه التفاهم النووي بينها وبين إيران، أو تذهب لجولة مواجهة جديدة تحت عناوين مختلفة، لا تبدو مؤشراتها متوافرة ولا مقدراتها وحساباتها متاحة. ما قاله الرئيس الأميركي بحق إيران لم يتوّج بعبارة الإعلان عن الانسحاب من الاتفاق حول ملفها النووي، بل الإعلان عن التخلي عن مسؤوليته بإبلاغ الكونغرس توصية بالتصديق أو بالانسحاب من الاتفاق والعودة لنظام العقوبات، أو إلى درجة أعلى من المواجهة، ووفقاً لصيغة الاتفاق والآليات الأميركية بالتعامل معه، سيترتب على قرار ترامب برمي كرة فارغة للكونغرس، أن ينعقد الكونغرس لستين يوماً قبل أن يصدر قراراً، لا تبدو الأصوات اللازمة لاتخاذه متوافرة، سواء بالعودة للعقوبات أو بإلغاء الاتفاق، ليردّ الكونغرس الكرة لترامب، بتوصية تدعو لاتخاذ الإجراءات التي تتيح للرئيس التحقق من عدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً ليقدّم تقريراً واضحاً للكونغرس يبني عليه القرار اللازم، ويبقى الاتفاق لا معلّقاً ولا مطلّقاً، مرخياً بظلال التوتر من دون أخذ العلاقة للمواجهة، كحال العقوبات التي طلبها ترامب من وزارة الخزانة بحق الحرس الثوري، أي تطبيق العقوبات على مؤسسات من الحرس صنّفتها وزارة الخارجية على لوائح الإرهاب، وذلك تفادياً للمواجهة التي قد تترتب على الطلب من وزارة الخارجية إدراج الحرس على لائحة الإرهاب.
مناخ التوتر بدل المواجهة، التي كانت مصدر قلق كبير عالمياً وإقليمياً، خفض منسوب القلق، خصوصاً أن المواقف الصادرة عن روسيا والصين وأوروبا والوكالة الدولية للطاقة والأمم المتحدة، كشركاء في الاتفاق النووي مع إيران، كانت صارمة في إعلان تمسّكها بالاتفاق والعزم على منع تقويضه.
لبنانياً، كان الحدث الأبرز إعلان وزارة الطاقة عن استكمال ملف مناقصة تلزيم الاستكشاف النفطي، وبروز عدد كبير من الشركات العالمية المؤهلة المشاركة في تقديم العروض، إيذاناً بنجاح لبنان بدخول الحقبة النفطية كدولة منتجة، بينما لا زالت الانتخابات النيابية تراوح بين خيارَي الخطة «أ» والخطة «ب» لدى وزارة الداخلية، أي بين اعتماد البطاقة البيومترية لكل الناخبين، أو حصرها بالذين يسجلون مسبقاً أسماءهم كمصوّتين خارج إمكان قيدهم واعتماد مناطق سكنهم للاقتراع، في ما تبدو طريق الموازنة العامة مع تعليق البتّ بقطع الحساب لستة شهور، ساكلة وآمنة للعبور من مجلس النواب وإبصار النور قبل نهاية الشهر الحالي، ما يشكل سابقة لم يسجلها لبنان منذ اتفاق الطائف.
قاسم: العقوبات الأميركية ستخرب لبنان
فرض سفر رئيس الحكومة سعد الحريري الى الفاتيكان استرخاءً سياسياً على المشهد المحلي أمس، مع ترقّب تداعيات التطورات الإقليمية على لبنان في ضوء التصعيد الأميركي «الاسرائيلي» السعودي ضد حزب الله، وفرض عقوبات جديدة على الحزب، وتهديد الولايات المتحدة بالتراجع عن التزامها بالاتفاق النووي مع ايران.
وأشارت مصادر نيابية لـ «البناء» الى أن «جهوداً بعيدة عن الأضواء تبذلها أكثر من مرجعية سياسية لبنانية مع دول ومسؤولين غربيين للتخفيف من وطأة التصعيد الخارجي على لبنان، وأن لا تنعكس تداعيات العقوبات المالية الأميركية الجديدة على الواقع الاقتصادي الذي لم يعُد يحتمل تدهوراً في ظل الازمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان منذ سنوات والتي تفاقمت مع النزوح السوري». وكشفت المصادر أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يقوم بجهود على هذا الصعيد وما إرساله الوفد النيابي إلى واشنطن واجتماعه بالمسؤولين الأميركيين المعنيين بقرار العقوبات إلا خطوة في هذا السياق». وحذّرت المصادر من أن «أي خطوة تقوم بها أميركا أو «اسرائيل» أو حتى السعودية باتجاه حزب الله ستنعكس على لبنان كله على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي»، داعية الى إبعاد لبنان عن عين العاصفة الدولية والإقليمية وعن صراعات المحاور»، مشيرة الى أن «وجود حزب الله في سورية فرضته الأحداث السورية والخطر الارهابي على لبنان وبالتالي قتاله في سورية بات جزءاً من حل الازمة السورية».
وأكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن «دور حزب الله في لبنان كان دورًا محوريًا في الاستقرار السياسي بالتعاون مع حلفائه وباقي الأطراف في لبنان»، واعتبر أن «هذا ما أدَّى إلى حماية لبنان خلال ست سنوات ونصف كي لا تطاله سلبيات الأزمة السورية»، وأوضح أنه خلافًا لتوقعات الكثيرين الذين كانوا يقولون بأن الأزمة السورية ستنتقل إلى لبنان، كنا نقول لهم: ذهبنا لنقاتل في سورية لنحمي لبنان من أن تنتقل الأزمة إليه فلم يصدّقوا وبثوا دعايات إعلامية كثيرة، وثبت في نهاية المطاف أن قتالنا في سورية بالفعل حمى لبنان.
وخلال كلمة ألقاها في تخريج تلامذة مدارس المصطفى والبتول، لفت قاسم الى أن «الدول الكبرى والإقليمية تحاول أن تستخدم لبنان من خلال جماعاتها لمصالحها حتى ولو خرَّبت لبنان، من بوابة العقوبات الأميركية التي تستهدف مواجهة أولئك الذين يقاومون الاحتلال ويقاومون التبعية للغرب»، مؤكداً أنهم «يريدون احتكار بلدنا».
الموازنة ستمرّ بسلاسة في البرلمان
الى ذلك، لا تزال مفاعيل التوافق السياسي تطغى على الساحة الداخلية التي تترجم بتمرير تدريجي لعددٍ من «الصفقات» و«التسويات» كان آخرها تعيين هيئة المجلس الاقتصادي الاجتماعي وإقرار بند تمويل الانتخابات النيابية في جلسة مجلس الوزراء أمس الأول، في حين تعود ساحة النجمة الى الواجهة، حيث تشهد ثلاث جلسات متتالية للمجلس النيابي لاستكمال الحلقة الثالثة من «الاتفاق المالي» بإقرار الموازنة، وسط ترجيحات حكومية بأن تمرّ أيضاً بسلاسة رغم النقاشات النيابية التي ستتمحور حول مسألة قطع الحساب والجدل القانوني حولها، حيث سيقرّ المجلس مادة قانونية تُضاف الى قانون الموازنة تجيز له إقرار مشروع موازنة العام 2017 من دون قطع حساب السنوات الماضية على أن تتولى وزارة المال ذلك خلال مهلة ستة أشهر.
الشركة الإيطالية الأوفر حظاً للتنقيب…
في غضون ذلك، عاد ملف النفط الى الواجهة، فبعد إقرار قانون الأحكام الضريبية المتعلقة بالأنشطة البترولية في المجلس النيابي، أعلن وزير الطاقة سيزار أبي خليل أمس الأول، إقفال دورة التراخيص الأولى للتنقيب عن النفط، بانتظار فض العروض والإعلان عن الشركة الفائزة في التلزيم. وقالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إن «هناك عدداً كبيراً من الشركات التي تقدّمت للعرض، لكن ثلاث شركات لها الحظوظ الأكبر للفوز بالتلزيم في البلوكات النفطية وهي Total SA الفرنسية وENI International B.V الايطالية وJSC NOVATEK الروسية، لكن المصادر رجّحت أن تقدم الشركة الايطالية أفضل الأسعار للتلزيم لأنها أخذت تلزيمات عدة في قبرص ومصر وبالتالي لها مصلحة في أخذ هذا التلزيم بأسعار أقل من الشركات الأخرى لقدرتها على تقليص أكلاف التنقيب لا سيما النقل والتأمينات اللوجستية»، ورجّحت المصادر أن يجري فض العروض خلال أيام وبعد إعلان الشركة الفائزة ستبدأ بأعمال التنقيب».
وأشارت مصادر نيابية مطلعة على الملف لـ «البناء» أن «الخطوات المتقدّمة التي أنجزها المجلس النيابي والحكومة على هذا الصعيد لن تكتمل إلا بانشاء وزارة النفط التي تضمّ خبراء نفطيين ومهندسين ويحصر فيها كل ما يتعلق بالملف النفطي وتتولى الإشراف والرقابة على عمل الشركات التي ستلزم التنقيب». وأبدت المصادر استغرابها إزاء الحديث عن إنشاء الصندوق السيادي، واصفة الخطوة بفتح أبواب الهدر على مصراعيه وتشريع الفساد المالي والمحاصصة الطائفية والمذهبية والسياسية، كما استغربت المصادر حديث وزير الطاقة عن المدة الزمنية التي حدّدها لاستخراج النفط، موضحة أن «الشركات الملزمة من المفترض أن تستخرج النفط خلال عامين كحد أقصى وليس لستة أعوام، كما قال وزير الطاقة وذلك لاستفادة لبنان بشكل أسرع من ناتج ثروته النفطية لسدّ الدين العام المترتّب عليه وحلّ أزمته المالية والاقتصادية».
ولفتت الى أن «الشركة التي ستلزم من المفترض أن يكون لديها دراسة شاملة عن موقع البلوكات الجغرافي والجيولوجي وعمق الطبقة النفطية والغازية والطبقة المشتركة. وبالتالي ما يمكنها من استخراج النفط خلال مدة زمنية أقل بكثير من ست سنوات».
كما أشارت المصادر إلى «الأسعار المرتفعة للشركات الملزمة المعروضة على الدولة اللبنانية والتي تمّ تحديدها وفق معيار أسعار النروج، في حين أن التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط يختلف عن التنقيب في المحيط الأطلسي من الناحية التقنية»، لافتة الى «أسعار التنقيب للشركات الملزمة في فلسطين المحتلة وهي أقل سعراً من الشركات التي ستنقب في لبنان».
وفي سياق ذلك، قال خبراء في المجال النفطي لـ «البناء» إن «الشركات التي عرضت التلزيم لديها دراسة شاملة للمنطقة النفطية وتحديداً البلوك 4 والبلوك 9 المعروضين للتلزيم، وبالتالي التنقيب سيجري على عمق 2577 م. حيث توجد الطبقة البترولية وهو المستوى نفسه في كامل الجغرافيا اللبنانية، حيث تتواجد الأحواض النفطية، وبالتالي لا تحتاج الشركات لست سنوات لتستخرج النفط».
ورفعت هيئة إدارة قطاع البترول اليوم إلى وزير الطاقة والمياه تقريرها الأولي حول تقديم عروض المزايدة في دورة التراخيص الأولى، بحسب ما أعلنت وزارة الطاقة أمس، وأشار التقرير الى أن «نتائج دورة التراخيص الأولى كانت إيجابية حيث استطاع لبنان أن يجذب شركات عالمية تتمتع بخبرات عالية في الاستكشاف وتطوير حقول الغاز، والوصول الى الأسواق العالمية لتصدير البترول إليها، في حين أنّ العدو «الإسرائيلي» قد أجّل دورة المزايدة لديه ثلاث مرات من دون الوصول الى أي نتيجة حتى الآن».
وأكدت بأن «سوف تواصل وزارة الطاقة والمياه الإعلان تباعاً عن كافة مراحل دورة التراخيص الأولى، وعما سيُتخذ من خطوات وقرارات في هذا القطاع الحيوي والداعم للاقتصاد الوطني».
التمويل مرهون بالخطة المعتمدة
على صعيد ملف الانتخابات النيابية، أوضح مصدر حكومي لـ «البناء» أن «مجلس الوزراء لم يُقرّ بند التمويل بشكل نهائي، بل تمّ الاتفاق على تحديد المبلغ تبعاً للخطة التي سيعتمدها مجلس الوزراء بناءً على تقدير وزارة الداخلية، مشيراً الى أن «هناك خطتين «أ» إجراء الانتخابات وفقاً للاجراءات التقليدية، والخطة «ب» تسجيل الناخبين الذين يريدون الاقتراع في أماكن سكنهم، وليس في مكان القيد وبالتالي إعداد بطاقات بيومترية لهؤلاء فقط». ولفت المصدر الى «أن الاتجاه الى اعتماد الخطة ب في مجلس الوزراء التي تحدّث عنها وزير الداخلية نهاد المشنوق»، مرجحة أن يُبت ذلك في اجتماع اللجنة الوزارية الانتخابية الأسبوع المقبل».
وأوضح المشنوق في تصريح أن «قيمة الاعتماد البالغة 50 مليون دولار، الذي طلبه كمصاريف للانتخابات النيابية المقبلة، هي من قبيل الاحتياط وليست مبلغاً نهائياً، لأن القوى السياسية لم تتفق بعد على آلية تطبيق قانون الانتخاب الجديد، التي ستتحكّم بالمصاريف النهائية».
وأشار إلى أن «الزيادة الملحوظة في الاعتماد والتي تبلغ 25 مليون دولار مرصودة لشراء 10 آلاف «قارئ إلكتروني» بقيمة 10 ملايين دولار، و10 ملايين دولار أخرى لإقامة أقلام اقتراع كبيرة على طول الخط الساحلي لمن سينتخبون في مكان سكنهم والمعروفة بـMega Centers، إضافة إلى 5 ملايين دولار لأوراق الاقتراع المطبوعة سلفاً».
الحريري: إرغام النازحين على العودة غير وارد
في غضون ذلك، يواصل الرئيس سعد الحريري زيارته الى الفاتيكان، حيث التقى أمس البابا فرنسيس الذي أشاد برسالة لبنان في العيش المشترك الذي يُشكّل بالنسبة إليه مثلاً ومثالاً للمنطقة ويجب الحفاظ عليه.
وأشار الحريري الى «أننا تطرقنا في اللقاء الى ملف النازحين وبالتأكيد على الفاتيكان مسؤولية في هذا الاطار، وقداسة البابا سيعمل على هذا الأمر، لكن الأساس بالنسبة إليّ وللنازحين أن لا أحد يمنع اليوم أياً من النازحين من العودة الى سورية، لكن الأساس إيجاد الوسيلة المناسبة لعودتهم الى بلادهم، ويجب أن تكون هناك مناطق آمنة في سورية يقتنع من خلالها النازح بالعودة الآمنة الى بلاده والى هذه المناطق تحديداً». وأضاف: «بهذه الطريقة نكون أمّنا عودة النازحين الى سورية، أما الكلام عن نوع من إرغامهم على العودة الى بلادهم فهو أمر غير وارد وغير طبيعي وغير إنساني، لكن يجب علينا ان نحمي المواطن اللبناني من خلال تطبيق القوانين اللبنانية في ما يتعلق بالعمل وغيره، وذلك لما فيه مصلحة المواطن ومنعاً لأن تؤخذ الوظائف وفرص العمل من دربه وليس بهدف أن يكون هذا التطبيق بوجه السوريين».
2017-10-14 | عدد القراءات 2538